يسعى الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه الحكم في منتصف 2014 إلى تحقيق هدفي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وبعث الحياة في اقتصاد البلاد "المتصلب"، وبينما نجح نسبيا في تحقيق الهدف الأول فإنه يصارع مع الهدف الثاني، بحسب ما جاء في مقال نشرته جريدة فاينانشيال تايمز البريطانية اليوم الخميس.
الإصلاحات ستؤدي لارتفاع معدلات زيادة الأسعار وتآكل الدخول المحلية، وسيتحملها 30 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر
الاحتياج الشديد إلى محفز للاقتصاد دفع الرئيس السيسي إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي "لعنة رؤساء مصر منذ زمن"، كما يطلق عليه كاتب المقال، ماكس راي، المحلل في شركة ألاكو العالمية لاستشارات الأعمال.
ويرى راي أن اللجوء للمؤسسة الدولية يوفر لمصر استقرارا ماليا مطلوبا بشدة، ولكنه يطرح تساؤلا حول ما إذا كان الرئيس السيسي يستطيع "تطبيق إصلاحات مدعومة من الصندوق بدون أن يشعل التوترات الاجتماعية".
في السنوات التالية للربيع العربي في 2011، وجدت مصر نفسها في مأزق اقتصادي حقيقي، بسبب مشاكل لم تكن كلها من صنعها، كما يقول المقال، "فتصاعُد الإرهاب في سيناء خلال السنة الماضية ضرب صناعة السياحة، كما تضاءلت التجارة الإقيلمية مع وصول عدم الاستقرار السياسي في المنطقة إلى مستويات غير مسبوقة".
الحذر الذي أصبح عليه المستثمرون الأجانب تجاه مصر صعب من مهمة السيسي في توفير فرص عمل للشباب، الذين تبلغ نسبة البطالة بينهم نحو 40%، مما يرفع من مستويات الإحباط، كما يرى راي. "الكثيرون يتجهون للمخدرات، أو ينضمون لجحافل المهاجرين المتجهين لأوروبا، كما ظهر في حادث انقلاب مركب المهاجرين شمال ميناء رشيد في الأسبوع الماضي".
وتزايدت الأوجاع الاقتصادية لمصر مع الحفاظ "بشكل مصطنع" على قيمة مرتفعة للجنيه المصري، وتحمل تكلفة مرتفعة للديون الحكومية، مما أدى إلى تآكل احتياطي العملات الأجنبية المتراجع من الأصل.
فلجأ السيسي إلى صندوق النقد الدولي رغم أنها خطوة خلافية، بالنظر إلى "الاتفاقات السابقة لمصر مع المؤسسة الدولية، وما أدت إليه وصفتها النيوليبرالية لعلاج الأمراض المزمنة للدولة من خروج انتفاضة الخبز الشهيرة في أواخر السبعينيات"كما يقول المقال.
ورغم أن الاقتراب من صندوق النقد يعد مثيرا للقلق بالنسبة للسيسي كما كان لسابقيه، فإن الخيارات أمامه محدودة، في رأي راي.
وأعلن الصندوق في الشهر الماضي عن موافقته المبدئية على توفير تسهيل مالي لمصر بقيمة 12 مليار دولار، على مدار 3 سنوات. ويهدف القرض لإعادة الثقة في الاقتصاد المصري، ومواجهة أزمة العملة الصعبة التي يعانيها. ومن المنتظر أن تصدر موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على هذا القرض قريبا.
وفي مقابل هذا الإنقاذ المالي سيكون على مصر أن تتبع نهجا تقشفيا لتقليص عجز الموازنة، الذي بلغ 11% من الناتج المحلي الإجمالي. واقترحت الحكومة المصرية عددا من الإصلاحات، "التي تبدو كما لو كانت مستقاة مباشرة من كتاب القواعد الخاص بالصندوق" كما يقول المقال.
يسعى الرئيس السيسي إلى تخفيض كبير في الديون بحلول عام 2019 من خلال عدد من الإجراءات الصارمة، منها إلغاء دعم الوقود والكهرباء، وتوسيع القاعدة الضريبية من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
كما إنه من المتوقع أن يتم تخفيض سعر صرف الجنيه المصري مجددا، بعد التخفيض السابق الذي شهده في مارس.
وسيترتب على تلك الإصلاحات ارتفاع في معدلات زيادة الأسعار (التضخم) وتآكل للدخول المحلية، بينما "سيتحمل تلك الآلام المالية 30 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر".
"وفي اعتراف بالصعاب المتوقعة تحدثت اتفاقية صندوق النقد المبدئية مع مصر، بشكل غير محدد، عن تقوية شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الأكثر تعرضا للتضرر خلال عملية التكيف".
ويقترح الصندوق ترشيد الإنفاق بما يسمح بإتاحة المزيد من التمويل للبنية التحتية، والصحة والتعليم، والحماية الاجتماعية، أما "ما إذا كان الصندوق يرى حقا أن المجمع الصناعي العسكري في مصر سيتخلى عن امتيازات يتمتع بها لصالح الفئات الأكثر فقرا، فهذا شيء آخر".
ويختتم المقال بأن الرئيس السيسي "قد يحصل على بعض الوصفات من صندوق النقد، ولكن ليس لفترة طويلة على الأرجح".
تعليقات الفيسبوك