قدمت النقابات العمالية المستقلة في مصر دعما مهما لوصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة لكنها تواجه الآن جهودا متلاحقة لتقليم أظافرها واخضاعها لسيطرة الحكومة.
وقالت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في تقرير بموقعها على الانترنت إن الاضرابات والاحتجاجات العمالية ما زالت تثير قلق السلطات المصرية التي قضت على احتجاجات الشبان والاسلاميين والمجتمع المدني. وأضاف التقرير أن السلطات صوّبت أنظارها نحو الاتحاد المصري للنقابات المستقلة الذي يشكّل مظلة واسعة للنقابات العمالية غير الحكومية. وتسعى إلى وضع هذه النقابات المستقلة من جديد تحت مظلة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الذي تديره الحكومة.
وأضاف أن دعوى قضائية رفعها الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عقب ثورة يناير 2011 للمطالبة بحظر النقابات المستقلة واصف إياها بأنها "غير شرعية"، أحيلت إلى المحكمة الدستورية العليا في يونيو الماضي، ويُتوقَّع أن تتم مناقشتها خلال الأشهر المقبلة. وفي حال تأييد القرار، سوف يعني ذلك نهاية النقابات غير الحكومية.
وانبثق الاتحاد المصري للنقابات المستقلة عن تحرّك العمّال خلال إضرابات المحلة في العام 2006، وحصل على ترخيص من وزير القوى العاملة السابق أحمد البرعي في العام 2011، وأصبح من أهم قوى المعارضة خلال ثورة 2011. وفي فترة قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة البلاد بعد الثورة ، وافق الجيش المصري في البداية على وجود الاتحاد المصري للنقابات المستقلة وعلى موقعه خارج النقابات الخاضعة لسيطرة الدولة أي خارج نطاق الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وذلك بهدف استيعاب المعارضة اليسارية المتنامية.
لكن التقرير قال إن آمال العمّال في المحلة الكبرى في وضع اطار مؤسسي لتحرّكهم العمالي الوليد تبددت بسبب تدخّل النخبة العسكرية والسياسية.
ورغم الانقسام وغياب القيادة المتماسكة، تمكّنت النقابات من تقديم دعم مهم للسيسي إذ يتولّى بعض قادتها مهمات على الصعيدَين الوطني والمحلي، ويقدّمون دعماً غير مشروط لرئاسة السيسي. ومن هؤلاء القياديين كمال أبو عيطة، رئيس نقابة الضرائب العقارية سابقاً الذي كان وزيراً للقوى العاملة حتى مارس 2014.
وقال التقرير إن السيسي استغل المعارضة المتنامية لسياسات الإخوان المسلمين الاقتصادية في أوساط العمّال في دلتا النيل من أجل الارتقاء إلى السلطة. وفي شهري فبراير ومارس 2013، نُظِّمت تحركات عمالية بصورة يومية في مصر، وقد وصل عددها إلى نحو 350 إلى 461 إضراباً واحتجاجاً عمّالياً. لكن الجيش اختطف هذه الموجة الجديدة من الإضرابات نحو أواخر عهد الرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان، وبدأ الجيش والمخابرات المدنية في التسلل إلى اجتماعات الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، ودار الخدمات النقابية والعمالية، وسواها من المجموعات المعارِضة، سعياً لوضع أنشطتها تحت سيطرة الدولة الصارمة.
وبعد وصول السيسي إلى السلطة، واصل سياسة رأسمالية الدولة، متجاهلاً احتجاجات المتظاهرين الذين طالبوا بالعدالة الاجتماعية. وحظرت المحكمة الإدارية العليا حق العمال في الإضراب، وأرغمت عدداً كبيراً من المسؤولين العماليين على التقاعد عبر اتّهامهم بالمشاركة في الاحتجاجات. وكانت أقوى الاحتجاجات العمالية التي شهدتها البلاد في عهد السيسي نُظِّمت بين أغسطس وسبتمبر 2015، غداة إقرار المسودة الأولى لقانون الخدمة المدنية. نتيجةً لذلك، بدأ العمال في المحلة يوجّهون انتقادات لسياسات السيسي الاقتصادية رغم الدعم الأولي الذي قدّمه له بعض قادة الاتحاد المصري للنقابات المستقلة.
وذكر التقرير أن استهداف الحكومة للاتحاد المصري للنقابات المستقلة وأعضائه حال دون تمكُّن الاتحاد من أن "يتطوّر ويتحوّل إلى هيكلية أكثر تنظيماً"، بحسب تعبير أحد هؤلاء الأعضاء. بيد أن الاتحاد لايزال يحتفظ بالدعم على المستوى المحلي، ويستمر في تنظيم إضرابات جديدة.
وعلى المستوى الوطني، وعلى الرغم من القمع المتزايد للمنظمات غير الحكومية ومجموعات المعارضة، عقدَ الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، في ديسمبر 2015، اجتماعه الأكبر منذ عزل مرسي في العام 2013. وجاء الاجتماع رداً على إصدار الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وثيقة يعرض فيها نيّته التصدّي للاتحاد المصري للنقابات المستقلة وتهميشه،وناقش العمال في الاجتماع تشكيل لجنة لتمثيل حقوقهم وإطلاق حملة وطنية لدعم حريات النقابات العمالية، فضلاً عن تنظيم عدد من المؤتمرات الإقليمية وإضرابات جديدة.
ولايزال الاتحاد المصري للنقابات المستقلة مواظِباً على العمل، من خلال تنظيم الإضرابات والاحتجاجات العمالية تحت الإشراف الشديد للنظام. غير أن السيطرة الحكومية المتزايدة تسبّبت بتقويض استقلالية تلك النقابات العمالية، فحوّلتها من حركة عمّالية اجتماعية مناهضة للنظام إلى منظمات غير حكومية تدافع عن حقوق العمال، ولافارق يُذكَر بينها وبين المنظمات ذات الطابع الحكومي.
تعليقات الفيسبوك