وافق مجلس النواب، الأسبوع الماضي، على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض مواد قانون العقوبات رقم 126 لسنة 2008 لتغليظ عقوبة ختان الإناث، لترتفع عقوبة مرتكب الجريمة من الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين، إلى السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات.
أصوات مصرية حاورت داليا عبد الحميد، مسؤولة ملف النوع الاجتماعي وحقوق النساء في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حول التأثيرات المحتملة لهذا التعديل، وهل يمكن أن يؤدي حقاً لحصار الظاهرة.
* قضيتان فقط
في عام 2008، أضيفت المادة (242 مكرر) إلى قانون العقوبات، لتجرم ختان الأنثى وتعاقب من يجريه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه.
لكن، ومنذ إضافة هذه المادة وصلت إلى المحاكم قضيتان فقط، بحسب داليا عبد الحميد.
"القانون وحده ليس هو الحل ... الأهم هو تغيير الأنماط الاجتماعية ليصبح الختان أمراً غير مقبول مجتمعياً"، كما تضيف.
في عام 2011، نشر مجلس السكان الدولي استطلاع لرأي الشباب في مصر، ظهر فيه أن أكثر من 70% من الشباب و57% من الشابات يعتقدون أن ختان الإناث ضروري.
وتشرح مسؤولة ملف النوع الاجتماعي السبب وراء ذلك، "التجربة تقول إن تغيير الأنماط الاجتماعية والمعتقدات السائدة يحتاج لطريقة قاعدية في التغيير وليس تغيير من أعلى لأسفل، وهو ما يظهر بوضوح عند المقارنة بين تأثير التشريعات المُجرمة للتحرش، وتلك المُجرمة للختان".
* "ضد التحرش" نموذجًا
وتقول داليا عبد الحميد "المواد المتعلقة بالجرائم الجنسية موجودة منذ زمن .. قبل الثورة كانت هناك مطالبات بتعديل مواد هتك العرض، وكل التعديلات حتى 2011 كانت تغليظ عقوبات وهذا لم ينعكس على تفعيل القانون إلى أن وصلت العقوبة للإعدام. ما غير الكفة هو الحركات ضد العنف والتحرش منذ 2012 .. هذه الحركات واجهت قضايا كثيرة مثل التصالح المجتمعي مع التحرش وتبريره بحجج مثل تأخر سن الزواج بين الشباب والبطالة .. واجهت كذلك ثقافة لوم الضحية والتبرير للمتحرش ... وكان لشجاعة بعض الناجيات من حوادث التحرش وحديثهن عن ما تعرضن دوراً هاماً في مواجهة إنكار الدولة وأجهزة الإعلام لقضية التحرش".
تغيير الأنماط الاجتماعية والمعتقدات السائدة يحتاج لطريقة قاعدية في التغيير وليس تغيير من أعلى لأسفل
وتعتبر الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي أن هذه الحركات ساعدت على حدوث تغيير اجتماعي، "والبنات والسيدات من الأجيال الأصغر بدأوا يشعروا بقوة أكبر .. وجود رجال في الحركة ضد العنف ساعد أيضاً في الضغط على الدولة لدرجة أن عدلي منصور، رئيس الجمهورية المؤقت آنذاك، أدخل كلمة تحرش في القانون فأصبحنا نسمي الأشياء بأسمائها".
وأصدر الرئيس السابق عدلي منصور قرارا بقانون في 5 يونيو 2014 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لتوسيع تعريف جريمة التحرش وتغليظ العقوبة على من تثبت إدانته بها.
وتعتبر داليا عبد الحميد أنه على عكس القوانين الأخرى فقد تم تفعيل هذا القانون بشكل قوي لأن الناس مؤمنة به، وتقول "على الأقل هناك درجة من درجات التحول حدثت والفتيات الصغيرات أصبحوا بيصروا ياخدوا المتحرشين للنيابة. وأصبح هناك خوف من الوصمة الاجتماعية لمن يتستر على التحرش".
وبعد إقرار قانون التحرش بأيام، كانت النيابات العامة في مصر قد فتحت التحقيقات في ما لا يقل عن خمس قضايا منفصلة خاصة بالتحرش الجنسي، بحسب ما رصدته أصوات مصرية آنذاك.
* الطب والدين
وتشير مسؤولة ملف النوع الاجتماعي إلى أن العكس حدث في حالة مواجهة الختان.
"مقاومة الختان بدأت منذ 1994 على يد المنظمات الحقوقية مع مؤتمر بكين.. ثم تبنت الدولة قضية الختان وجعلتها معركتها لأنها إكسسوار دولي ظريف وبتجيب تمويل .. لكن مشكلة الدولة لما بتتبنى قضية نسوية إنها بتشتغل من فوق. الدولة أصدرت قرارات وزارية ضد الختان، القوانين مهمة ولكن كيف تقنع الناس هذا هو الأهم".
وبحسب داليا عبد الحميد، فقد تحركت الدولة في قضية الختان في مسارين.
المسار الأول هو الطبي، حيث قامت بتوضيح أضرار الختان وكيف يمكن أن يؤدي إلى الوفاة وضرورة أن يتم على أيدي متخصصين، "إلأ أن مشكلة التركيز على أن الختان قد يؤدي للوفاة أن أغلب السيدات لا يتفاعلن مع هذه الفكرة لأن الأغلبية لا تموت".
"أما المسار الثاني فهو المسار الديني، حيث بدأ رجال الدين في توضيح أن الختان ليس فريضة دينية، وذلك يإيعاز من الدولة".
وتضيف "المساران ضروريان، لكنهما لا يكفيان لأنهما لا يواجهان السبب الجذري الذي تختن من أجله وهو التحكم في الرغبات الجنسية والنشاط الجنسي للنساء .. زيادة فرص الزواج من خلال السيطرة على رغباتهم الجنسية .. الفزع من الرغبات الجنسية للنساء".
وترى داليا عبد الحميد أن هناك ضرورة للحديث عن حق النساء في الحياة الجنسية، مشيرة إلى تصريحات نائبين في مجلس الشعب يمثلان الفكر السائد عن حقوق المرأة الجنسية.
وكان الدكتور أحمد الطحاوي، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، قال في يوليو الماضي -تعليقًا على مشروع قانون تغليظ العقوبة على جريمة ختان الإناث- إنه بصفته طبيبا يرى أن ترك الأنثى بلا ختان أمر غير صحيح.
هناك ضرور للحديث عن حق النساء في الحياة الجنسية
فيما أعلن النائب إلهامي عجينة، عضو مجلس النواب عن محافظة الدقهلية، أنه يؤيد ختان الإناث بشدّة، ويؤيد الختان الجائر. وبرر النائب ذلك بارتفاع نسبة الضعف الجنسي بين الرجال المصريين، وهو ما دلل عليه بأن مصر من أكبر الدول المستهلكة للمنشطات الجنسية التي لا يتناولها إلا الضعيف، وقال النائب "إذا بطلنا نعمل ختان هنحتاج رجالة أقوياء، ونحن لا نمتلك رجالاً من هذا النوع".
* القانون
وتقول مسؤولة النوع الاجتماعي إن المواد الخاصة بالختان في قانون العقوبات بها عدة مشاكل، أولها أنها تبدأ بالإشارة إلى ضرورة مراعاة حكم المادة (61) من نفس القانون والتي تقول إنه "لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى".
"هناك ضرورة لحذف هذه الإشارة للمادة 61 لأنه لا توجد ضرورات تبيح إجراء الختان، فهذه المادة يمكن أن تستخدم للإفلات من العقاب".
أما المشكلة الثانية، في تعديلات مادة تجريم الختان فهي إضافة مادة جديدة خاصة بمعاقبة أهل الفتاة التي تتعرض للختان بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات.
"الأزمة هنا أن تشديد العقوبة سيسمح بمستويات عالية من التواطؤ بين الأطباء والأهالي. هذه ممارسة رضائية بين أهل الفتاة والطبيب، من الذي سيقوم بالإبلاغ إذن في حالة حدوث مضاعفات إذا كان الطرفان سيتعرضان للعقوبة؟"، كما تقول داليا عبد الحميد.
وتضيف "لا يعني هذا أننا نطالب بإلغاء العقوبات .. الحل هو كسر هذا التواطؤ عن طريق إعفاء الأهالي من العقوبة لو قاموا بالإبلاغ. هذا هو الحل الوحيد لتشجيع الأهالي على الإبلاغ في حال حدوث مضاعفات للفتاة، وهذا ما يحدث مثلا في قضايا الرشوة لو قام أي شخص آخر غير الفاعل الأصلي بالإبلاغ.. أما لو أعطيت الاثنين عقوبات مشددة الناس هاتستموت علشان ما تقولش إن ده ختان".
وتقترح داليا عبد الحميد كذلك مد فترة الحق في الإبلاغ عن الجريمة بما يسمح للفتاة بأن تكون مؤهلة للإبلاغ عن ما حدث لها، "الفتاة تتعرض للختان في سن تكون فيه غير واعية .. وليس لديها أهلية للإبلاغ .. أما إذا تم مد الفترة التي يمكن خلالها تقديم البلاغ، فهناك إمكانية لزيادة عدد البلاغات لأن المتضرر الأول من الختان وهو الفتاة سيقوم بالإبلاغ".
لابد من مد فترة الحق في الإبلاغ عن الجريمة بما يسمح للفتاة بأن تكون مؤهلة للإبلاغ عن ما حدث لها
* ما العمل؟
"هناك خطوات أخرى مهمة يجب القيام بها بالتوازي مع القانون ومن أهمها الرقابة وهي معدومة حاليًا. مافيش دور لوزارة الصحة .. لو حد نزل منطقة شعبية هايبقى معروف أنهي عيادة بتعمل ختان .. مع انتشار الختان بالشكل ده دي مش أسرار .. القانون المفروض أن يكون الملجأ الأخير"، كما تقول داليا عبد الحميد.
الأمر المهم الآخر هو التوعية، "في ناس ضد تجريم الأنماط الاجتماعية بدون التوعية .. أو على أقل تقدير عمل الاتنين بالتوازي. إحنا ماعندناش تثقيف جنسي في المدارس والمناهج الدراسية مليانة تمييز ضد الستات. لازم الأول ده يتغير علشان يبقى في تجريم مجتمعي مش بس قانوني للختان".
وتنتقد مسؤولة النوع الاجتماعي قيام حملات التوعية ضد الختان بإظهار السيدة أو الفتاة في مظهر الضحية الضعيفة دائماً، "ده مش دايما صحيح بالذات بالنسبة للأجيال الأصغر .. في دلوقتي بنات بيطلعوا بشجاعة يتكلموا على تجربتهم مع الختان .. ليه ما نطلعش الست تتكلم بقوه عن اللي حصل ليها بدون وضعها في صورة الضحية .. أو على الأقل لا يكون هو الصوت الوحيد .. هناك ناجيات".
وعن إمكانية خلق حركة ضد الختان على نمط الحركات ضد التحرش، تقول "الأمر أصعب لأن هذه قضية في المجال الخاص مثلها مثل قضايا اغتصاب المحارم وضرب الزوجات.. معركة المجال العام غير معركة المجال الخاص".
الأمل -كما تراه داليا عبد الحميد- هو في الأجيال الأصغر، "لو في أمل في وجود حركة شبه حركة ضد التحرش على الختان هاتكون من شابات اختاروا يتكلموا عن اللي حصل معاهم ويوصموا الأهل والأطباء اللي شاركوا في الجريمة ضدهن".
تعليقات الفيسبوك