كتبت: أمنية طلال
"محمد لم يعد موجودا بيننا.. حياته أصبحت على الفيس بوك".. بهذه الكلمات اختصر والد محمد مشكلة ابنه التي حولت حياة كل الأسرة إلى جحيم.
ومحمد واحد من نحو ربع سكان مصر أغلبهم من الشباب يستخدمون فيس بوك ويواجهون آثاره السلبية بعدما سحبهم من الحياة الفعلية وسط تحذيرات أطباء ومتخصصين من وجود مخاطر اجتماعية وصحية جادة للظاهرة.
يقول والد محمد إن ابنه فشل في الاستقرار في وظيفة بعينها بعدما أنهى دراسته الجامعية وأصبح يمضي أغلب وقته على الفيس بوك أكثر مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا في مصر.
الأسرة التي تعيش في حي شعبي بالقاهرة فشلت في انتشال محمد من براثن الفيس بوك حتى بعد أن نفذت والدته تهديدها بترك الشقة مع اخوته والانتقال إلى مسكن آخر قريب.
أصبح الأب ممزقا بين الجانبين.. يمضي اليوم مع الأسرة ويعود ليلا ليبيت مع محمد الذي بات لا يأبه كثيرا بمجيء الأب أو عدم مجيئه. وأصبح حادا وعصبيا في ردوده وتعاملاته مع الأب الذي حرص على تنشئة ابنائه الثلاثة على أسس دينية وأخلاقية.
"الفيس بوك شقلب حياته".. هكذا يقول الأب متحسرا على الابن.
ولم تتوقع شيماء أحمد، وهي فتاة عشرينية تعمل مهندسة، أن حسابها على فيس بوك سيتسبب لها في معاناة نفسية خاصة في العامين الأخيرين، واصفة إياه بـ"ساحة لتبادل الأحزان".
وقالت إن العالم الافتراضي على الفيس بوك أصبح حزينا وتعيسا أكثر من اللازم، ويبث طاقة سلبية تنتقل عبر مستخدميه لبعضهم البعض، فأصبحت روح الدعابة والمرح غائبة عن الفيس بوك ويزداد الغياب يوما بعد الآخر.
قالت شيماء"عملت صفحتي فيس بوك في 2008 وقتها كان بيستخدم للتعارف والمشاركة في الأفكار أو حتى الأغاني، عكس اللي بيحصل دلوقتي من صراعات وتبادل الشتايم والاتهامات"، مشيرة إلى التغير الكبير الذي أصاب مستخدمي الفيس بوك في الأعوام الأخيرة.
وأضافت "بالرغم من كدة الفيس بوك بيستهلك معظم وقتي لدرجة التأثير على علاقاتي باخواتي اللي ممكن ما اقابلهمش بالشهور"، موضحة أنها حاولت الاستغناء عنه ولم تتمكن من إغلاقه سوى 5 أيام فقط وعادت لتستخدمه من جديد.
ربع المصريين في خطر
وشيماء واحدة من 22,4 مليون مستخدم للفيس بوك في مصر، يمثلون أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت وربع سكان مصر تقريبا، حسب تقرير أصدرته شركة إيماركتينج إيجيبت، مشيرة إلى أن مصر تحتل المركز الأول بين الدول العربية في استخدام الفيس بوك.
وذكر التقرير أنه من حيث الفئات العمرية، فالمستخدمين أقل من 30 سنة يمثلون نحو 75% من الإجمالي، كما أن المستخدمين في سن 18 سنة تحديداً هم أكبر فئة عمرية ويبلغ عددهم نحو 1.3 مليون مستخدم بنسبة 6.29% من إجمالي المستخدمين.
أما من حيث النوع فأوضح التقرير أن عدد المستخدمين من الرجال يعادل مثلي عددهم من النساء إذ يمثل الذكور نحو 64% من الإجمالي مقابل 34% للمستخدمين من الإناث.
زواج افتراضي
ولا يعني الرقم الإجمالي للمستخدمين أن ربع المصريين فقط يواجهون خطر التأثيرات السلبية للاستغراق في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. فهذا العدد يتعامل مع محيطه من الأهل والأقارب وزملاء العمل الذين قد يتأثرون بدورهم بالتعاملات مع الضحايا المباشرين لفيس بوك.
وتنتمي ربة المنزل نجلاء سعيد إلى هذه الفئة التي قد تمثل الضحايا غير المباشرين. وتعاني نجلاء، وهي في مطلع العقد الثالث، من ابتعاد زوجها عنها وتحول علاقتهما إلى علاقة افتراضية.
فلم يعد زوجها مهتما بأمور المنزل أو شؤونها أو شؤون ابنتهما، وأصبح منشغلا بالفيس بوك "ليل نهار". وتعترف نجلاء بأنها هي الأخرى قررت متابعته ومراقبته عبر حسابها على فيس بوك وبدأت تتخذه ملاذا لها بسبب كثرة انشغال زوجها به.
وقالت نجلاء "الفيس بوك دمر حياتي بعد ما كنا مستقرين خصوصا أنه أصبح حياة بديلة بيعشها جوزي بعيد عني".
الشباب أكثر استخداما
وأوضحت مريم عيسى، الباحثة المتخصصة في مواقع التواصل الاجتماعي (سوشيال ميديا)، أن المصريين يميلون إلى استخدام الفيس بوك أكثر من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، مشيرة إلى أن الأكثر استخداما للفيس بوك في مصر هم الشباب أقل من سن 35.
وقالت "للأسف الفيس بوك بقى بديل عن الحياة الاجتماعية بمفهومها التقليدي من زيارات واتصالات والتواصل بشكل طبيعي مع الأخرين حتى داخل الأسرة الواحدة"، معتبرة أن الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي خلق جيلا سطحيا يتعامل بجدية مع معلومات غير مؤكدة.
وأشارت إلى أن تقبل الشباب للشائعات التي تنتشر بواسطة الفيس بوك أصبح يؤدي إلى تأويلات سياسية واجتماعية غير حقيقية، موضحة أن التعامل مع العالم الافتراضي بهذه الجدية له ضرر نفسي بالغ لأنه يختلف مع الواقع.
انعكاس للواقع
وتختلف د. نهلة إمام، أستاذ العادات والتقاليد بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، مع الأصوات التي تقول إن مواقع التواصل الاجتماعي سبب في إحباطات الشباب، قائلة "اللي بيعمل احباطات هي الحياة نفسها".
وأضافت "الفيس بوك هو وسيط جديد بيوصل الأخبار مش أكتر، لكن إحباطات الحياة هي اللي بقت لا تحتمل".
واعتبرت الفيس بوك نافذة جيدة على الثقافات الأخرى رغم توثيقه لحالة الحزن الموجودة لدى كثيرين في المجتمع، موضحة أن الأجيال الجديدة أكثر وعيا لأنها تتعامل مع الإنترنت وتصل للمعلومات بشكل أسرع.
ورأت إمام أن البعد السلبي هو الأثر الاجتماعي، مؤكدة أن الأزمة الحقيقية التي يعاني منها الشباب الذي يتعامل مع الفيس بوك بإفراط هو عدم التواصل الاجتماعي على أرض الواقع سواء مع أسرهم أو أصدقائهم.
اكتئاب وضرر صحي
ويقول د. أيمن عامر، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، إن التعرض للانترنت سواء بالتصفح أو بالدردشة وقراءة الرسائل ومتابعة الأصدقاء علي الفيس بوك لفترات طويلة، يقلل من المادة البيضاء الموجودة داخل المخ والمسؤولة عن نقل إشارات بعض القدرات الحسية والذاكرة، وهو ما يعد سببا من أسباب ظهور حالات الاكتئاب.
وأضاف أن التعرض للانترنت يزيد من التوتر العصبي ويفقد الشهية، ويقلل من القدرة على الانتباه ومن ثم حل المشكلات، خصوصا في الأطفال والمراهقين.
ولتجنب هذه الآثار السلبية ينصح عامر بعدم استخدام الانترنت لفترة تزيد عن ساعتين ثم القيام وترك الجهاز لفترة لا تقل عن نصف ساعة قبل معاودة الاستخدام.
وأوضحت دراسة أجرتها، د. هبة عيسوي، أستاذة الصحة النفسية والعصبية بكلية طب جامعة القاهرة، أن استخدام الأطفال والمراهقين لشبكة التواصل الاجتماعي لفترات طويلة يؤدي إلي الاكتئاب والتوتر ويقلل من إبداعاتهم وقدرتهم علي حل المشاكل.
وأشارت الدراسة التي صدرت عام 2012 إلى سلبيات إدمان استخدام الانترنت متمثلة في مشاكل في العلاقات الاجتماعية، إضافة إلى مشاكل صحية وظهور سلوك عدواني وأعراض نفسية أخرى.
تعليقات الفيسبوك