جسدت الرباعة المصرية "سارة سمير" نموذجا للمرأة المصرية، التي تحمل فوق أكتفاها أثقالا كبيرة، ورغم ذلك طالما وهبت الفرحة والفخر لأسرتها ومجتمعها.
"أصوات مصرية" ذهبت إلى قرية الهوانية التابعة لمحافظة الإسماعيلية، حيث مسقط رأس البطلة التي حملت أول فرحة مصرية في منافسات دورة الألعاب الألمبية، التي أقيمت في البرازيل هذا الشهر، بعد أن اقتنصت برونزية رفع الأثقال في وزن 69 كيلوجراما.
والتقينا ابنة الهوانية الرباعة الشابة صاحبة الـ18 عاما، التي خاضت رحلة كفاح، تحملت خلالها التمرينات الشاقة والسخرية اللاذعة والقوالب النمطية، التي تنتقص من قدرات بنات جنسها وتحجم طموحهن، حتى نجحت في اجتذاب تصفيق العالم.
*فخر قرية الهوانية
تستقبلك لافتات التهنئة المهداة إلى البطلة سارة سميرة بمجرد وصولك إلى مدينة القصاصين الجديدة التي تبعد نحو 6 كيلو مترات عن قرية الهوانية، حيث نشأت الرباعة المصرية.
عشرات الأهالي احتفوا بابنة القرية التي شرفت بلدها، ورفعوا صورها على واجهات المحلات والبيوت والمدارس، إضافة إلى إقامة حفل كبير حضره محافظ الإسماعيلية وممثلو المحافظة في مجلس النواب وأهالي القرى المجاورة.
*رجلان وراء نجاح الرباعة المصرية
أهدت سارة فوزها إلى بلدها وأهل قريتها وإلى أسرتها وبالأخص شقيقها الأكبر "محمد" ووالدها قائلة: "هم السبب في اني دخلت اللعبة وأي نجاح وصلتله بفضل تشجيعهم ليا".
وكان الصف السادس الابتدائي هو بداية انضمام سارة إلى هذه الرياضة. وتقول "رحت مع أسرتي أتفرج على بطولة رفع أثقال مشارك فيها محمد أخويا، واتفاجئت أن فيه بنات بيشيلوا حديد وقلت لهم أنا عاوزة ألعب زيهم".
وبينما عبرت سارة من بوابة رياضة رفع الأثقال عن طريق شقيقها، كان والدها هو أكبر داعم لها في رحلة تعلمها. "والدي الله يرحمه كان أكتر واحد بيشجعني وبيوديني أتمرن كل يوم في المدرسة العسكرية، اللي بتبعد عن بيتنا حوالي ساعة لأن مركز الشباب اللي في القرية مكسر ومفيهوش أي أنشطة".
*أول وزن: 15 كيلو
وتحكي سارة عن المرة الأولى التي رفعت فيها الأثقال: "كنت متحمسة جدا وأول ما بدأت اتمرن خلوني أشيل عصاية خفيفة زي عصاية المقشة عشان أتعلم عليها تكنيك الرفع (النطر والخطف) وبعدها بدأت أشيل حديد وكان أول وزن شيلته 15 كيلو".
وكان أثقل وزن رفعته سارة سمير في أولمبياد ريو 2016 حيث نجحت في رفع 112 كيلوجراما في منافسات الخطف، و143 كيلوجراما في منافسات النطر لتحتل المركز الثالث في منافسات وزن 69 كجم.
*السخرية نصيب الفتيات
وعانت سارة من سخرية أقرانها في المدرسة وتعليقات من قبيل "تقدري تشيليني؟"، و"هو انتي عندك عضلات؟"، و"تلاعبيني ريست"، و"دي لعبة رجالة".
ولأنها كانت ترى هذه التعليقات "كلام ملوش لازمة" لم تهتم بالرد عليها :"كنت بسيبهم وأمشي لأني عارفة أنهم مش فاهمين وميعرفوش أن اللعبة مش بتتعارض مع الأنوثة ومينفعش أصلا يطلعلي عضلات زي اللي بيلعبوا كمال أجسام لأني ساعتها مش هعرف أشيل صح".
*بطولات سابقة لريو
لم تحلم الرباعة المصرية في بداية انضمامها للعبة بأكثر من خوض البطولات المحلية مثل الفتيات الذين انبهرت بمشاهدتهم وهي لا تزال في العاشرة من عمرها، ولم تعرف وقتها أن بطولات دولية في انتظارها لتقتنص ميدالياتها بينما تتوجه إليها أنظار العالم.
وحصلت سارة سمير على ذهبية وزن 63 كيلوجراما في رفع الأثقال بدورة الألعاب الأوليمبية للشباب بالصين التي أقيمت في أغسطس 2014.
كما حصلت الرباعة الشابة على المركز الأول في بطولة العالم للشباب عام 2013 إلى جانب حصولها على ميدالية ذهبية وأخرى برونزية في بطولة ألعاب البحر المتوسط في تركيا في 2013، فيما حصدت ست ميداليات ذهبية في بطولتي أفريقيا للشباب والناشئين في أبريل الماضي بتونس.
*الرياضة والتعليم .. هل يلتقيان؟
وفي حين توقف شقيقها عن ممارسة رفع الأثقال مفضلا التفوق في الدراسة لأن الرياضة والتعليم من وجهة نظره "زي المقص عمرهم مامشيوا جنب بعض"، والتحق بكلية التربية الرياضية وتخرج منها الأول على دفعته العام الماضي.
على النقيض، أعطت سارة الرياضة الأولوية "اتحيرت بين أدخل امتحانات تالتة ثانوي وبين المشاركة في الأولمبياد واخترت الأولمبياد لأن تالتة ثانوي بتيجي كل سنة لكن الأولمبياد كل 4 سنين ومش ندمانة على قراري".
وكانت سارة سمير طالبت وزير التعليم بإرسال امتحاناتها إلى مدينة ري ودي جانيرو، إلا أن الوزارة رفضت، ولم تدخل امتحانات الثانوية العامة.
وأعلن وزير التربية والتعليم الهلالي الشربيني، في بيان أصدره 11 أغسطس الماضي، السماح للبطلة المصرية سارة سمير بأداء امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة بالدرجات الفعلية.
إلا أنها لم تستطع العودة إلى مصر قبل موعد الدور الثاني وطالبت بعمل لجنة خاصة لها لكنها لم تتلق ردا على طلبها. "لحد دلوقتي محدش كلمني ومعرفش هعمل إيه، ولو موقفوش جنبي السنة دي هضطر أفوت التمارين السنة الجاية وأعيد السنة عشان أخد الشهادة".
ولا تطمح سارة للانضمام لكلية بعينها "عاوزة أخد شهادة وخلاص ومستقبلي في الرياضة".
ومن بين 5 أشقاء في العائلة (سمر ومحمد وسارة وسماء وأحمد) لم يمارس الرياضة سوى محمد وسارة.
وتوقفت سارة عن الذهاب إلى المدرسة بانتظام منذ الصف الثاني الإعدادي. وتقول "بقيت بروح معكسرات مع المنتخب أغلب السنة، وبدخل الامتحانات أخر السنة وخلاص".
*ريو 2016
وتتحدث سارة سمير عن كواليس مشاركتها في منافسات دورة الألعاب الأولمبية (ريو 2016) والتي بدأ الاستعداد لها عام 2015 "شاركنا في معسكر بالمعادي وتلات معسكرات خارجية في الصين وأزوبكستان والبرازيل عشان نستعد للدورة".
رغم التمرينات الشاقة ظل القلق يؤرق الرباعة المصرية قبل خوص البطولة :"مكنتش بنام وخايفة أوي ووزني نزل من كتر التفكير والقلق، كنت خايفة الحديد يقع عليا وأنا برفعه أو مجبش ميدالية وتعبي طول الفترة اللي فاتت يروح لكن الحمد لله ربنا كرمني".
وتصف لحظة رفع الوزن والفوز على منافستها قائلة "أول ما رفعت الحديدة واطمنت أن المحاولة طلعت صح حسيت أن فيه هم وتقل كبير اتزاح من على صدري رغم اني كنت لسه شايلة الحديدة".
*مخاطر اللعبة
تدرك الرباعة المصرية جيدا أن خطأ واحد خلال المنافسة يمكنه أن يتسبب في "خلع كوع أو كسر رقبة" لكن رغم الخطورة المحتملة لم تفكر سارة يوما أن تتخلى عن لعبتها. وتقول إن "لعبتنا صعبة وكل واحد بيلعب عارف أنه معرض للإصابة في أي وقت وحتى اللي بيتصاب بيروح يتعالج ويرجع يكمل تمارين".
ولا يتطلب الحفاظ على لياقتها البدنية نظاما غذائيا معينا وإنما حرصا في الحفاظ على الوزن المناسب مع تناول الفيتامينات التي يوفر الاتحاد للاعبين مع المداومة على التمارين.
*مفيش حاجة "للرجال فقط"
وترى بطلة رفع الأثقال أنه لايوجد فرق بين ولد وبنت في الرياضة أو غيرها من المجالات. وتؤكد أن "عزيمة البنات وإرادتهم مش أقل من الولاد. والبنات في العالم كله بقت بتلعب كل الرياضات حتى كمال الأجسام والمصارعة".
وبقدر ما أسعدتها التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي التي أشادت بأداء الفتيات، ومزاح البعض "احنا نبعت البنات بس بعد كده للأولمبياد" و"مايجبها إلا ستاتها" إلا أنها قالت:"هم قالوا كده عشان إحنا فزنا لكن لو مكناش جبنا ميدالتين من التلت ميداليات اللي فازت بيها مصر كانوا فضلوا يتريقوا علينا".
وشاركت مصر في الأولمبياد الصيفية في ريو دي جانيرو بأكبر بعثة لها منذ مشاركتها في الأولمبياد، وضمت البعثة 37 عنصراً نسائياً من مجموع 121 لاعبا ولاعبة.
وتنوعت الرياضات التي شاركت فيها البطلات المصريات بين السباحة والتجديف والغطس والرماية والمصارعة ورفع الأثقال وألعاب القوى والدراجات والجمباز وغيرها من الألعاب.
ورأى الكثيرون في صورة سارة وهي ترفع الأثقال بكل عزم وتصميم نموذجا للمرأة المصرية التي تحمل فوق ظهرها الكثير من الهموم والمسؤوليات وترى سارة :"بشوف ان لو مفيش ست مفيش حياة لأن الست هي اللي بتعمل كل حاجة وهي اللي دايما بتشيل هم البيت كله فوق كتافها".
*الاهتمام بالرياضة
وترى البطلة المصرية أن الاهتمام بالرياضة في مصر ليس بالقدر المطلوب:"لو كان فيه اهتمام أكبر من كده بتأهيل اللعيبة كانا رجعنا بمداليات أكتر، ومينفعش المعسكرات تبدأ قبل البطولة بشهر أو حتى سنة وفي دول بتبدأ من دلوقتي تأهل اللعيبة للدورة الجاية في طوكيو2020".
وأشادت سارة بمستوى لاعبي الصين في مجال رفع الأثقال، قائلة:"سافرنا بطولة في الصين وكنا بنتمرن معاهم في صالة واحدة وشفت الفرق بين التمارين بتاعتهم والاهتمام باللعيبة وبينا".
وأضافت:"في الصين عاملين قرية كبيرة مخصصة لرفع الأثقال وكل اللي شغالين فيها حتى عمال النضافة واللي بيعملوا الأكل بيرفعوا أثقال وفيها صالات تمارين ضخمة ومركز طبي ودي حاجة كويسة مفيش منها في مصر".
*المكافأة
ولم تقرر سارة ماذا ستفعل بالمكافأة المادية التي وعدتها بها وزارة الشباب والرياضة بعد فوزها بالميدالية البرونزية الأخيرة "مش عارفة هعمل بيها إيه .. وممكن أساعد اخواتي اللي لسه متجوزوش ومكافأتي الحقيقية هي فوزي بالميدالية".
تعليقات الفيسبوك