تتبنى وزارة الصناعة خطة تستجيب لمطالب المصنعين بخفض أسعار الغاز الطبيعي الموجه للمصانع، للتخفيف من التكاليف التي يتحملها المصنعون في وقت يواجهون فيه الكثير من الصعوبات.
لكن الحكومة لا توضح كيف ستعوض الفرق بين السعر الذي تستورد به الغاز والمشتقات البترولية وبين سعر بيعه للمصانع.
وأعلن وزير التجارة والصناعة، طارق قابيل، أن الوزارة تسعى حاليا لتعديل نظام تسعير الغاز الطبيعي للمصانع، دون الخوض في مزيد من التفاصيل حول الخطة التي تناقشها الحكومة.
وكان اتحاد الصناعات قد تقدم الأسبوع الماضي بمذكرة لرئيس الوزراء تطالب بتخفيض سعر الغاز لجميع الصناعات المصرية إلى 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية مقابل من 7 دولارات حاليا، خاصة مع انخفاض أسعار البترول عالميا.
لكن محمد شعيب، الرئيس الأسبق للشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، يرى أن هذا الكلام "غير منطقي"، في ظل العجز في كميات الغاز الذي تعانيه مصر، والذي دفعها لاستيراده من الخارج.
ويوضح شعيب لأصوات مصرية أن "تكلفة الغاز المستورد تبلغ 7.5 دولار تقريبا حتى وصوله إلى العميل، وهذا بعد تراجع أسعار النفط العالمية، فكيف يمكن أن تبيعه الحكومة بسعر 4.5 دولار؟ من سيتحمل فرق الثلاثة دولارات.. موازنة الدولة؟"
وتشمل تلك التكلفة قيمة شحنات الغاز المسال التي تستوردها مصر، بالإضافة إلى تكلفة استئجار وحدتين لتحويل هذا الغاز المسال إلى طبيعته الغازية، بالإضافة لنقل الغاز إلى العملاء.
وكانت أسعار البترول تراجعت في الأسواق العالمية خلال العام الماضي، وسجلت أقل مستوى لها في 12 عاما في مطلع العام الجاري، حين بلغت نحو 27 دولارا للبرميل. ثم عادت لترتفع تدريجيا إلى مستوى 50 دولارا، ولكنها ما تزال أقل من مستواها قبل عام، والذي كان يزيد على 60 دولارا.
ولا تقتصر التكلفة المرتفعة التي تتحملها الدولة على الغاز المستورد، وإنما تشمل أيضا استيراد المشتقات البترولية مثل السولار والمازوت، اللذين يتم اللجوء إليهما لتغطية جزء من احتياجات محطات الكهرباء وبعض المصانع التي لا توجد كميات كافية من الغاز للوفاء بها، كما يقول شعيب "وهذا يكلف الموازنة أكثر بكثير من الغاز المستورد".
ورفعت الحكومة أسعار الغاز الموجه للصناعة أكثر من مرة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، في إطار خطتها لخفض دعم الطاقة إلى صفر بحلول عام 2020. وكان آخر رفع لسعر الغاز منذ عامين.
ثم تراجعت الحكومة ووافقت في شهر مارس الماضي على خفض سعر الغاز لمصانع الحديد من 7 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية إلى 4.5 دولار، لمساعدتها في العودة للعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، وتخفيض فاتورة استيراد الحديد البيليت من الخارج بما يخفف الضغط على العملة الصعبة.
لكن هذا القرار لم يصدر بشكل رسمي حتى الآن، وقال وزير الصناعة خلال حفل سحور نظمته الوزارة أمس الأول إنه سيتم تطبيقه في شهر سبتمبر المقبل.
ويقول شعيب إن تخفيض تكلفة الغاز للمصانع يساهم في زيادة أزمة نقص العملة الصعبة التي تعانيها البلاد، لأن العميل الصناعي يدفع قيمة الغاز بالجنيه، بينما تستورده مصر بالدولار، مما يضع عليها عبئا إضافيا في توفير العملة الصعبة.
وتدفع الحكومة أيضا تكلفة الغاز الذي تشتريه من الشركات الأجنبية التي تقوم باستخراج الغاز المحلي بالدولار.
وتسيطر الشركات الأجنبية على مجال استخراج الغاز في مصر، وتحصل الحكومة على نصف إنتاجها مجانا، بينما تشتري النصف الأخر من تلك الشركات بسعر مقوم بالدولار، يتفق عليه الطرفان.
بينما قال وزير الصناعة، عند إعلانه عن الاتجاه لتخفيض أسعار الغاز الموجه لمصانع الحديد في مارس الماضي، إن القرار سيكلف الحكومة 1.2 مليار جنيه، "لكنه يوفر 1.1 مليار دولار من العملة الصعبة التي تنفقها المصانع في استيراد مكونات الإنتاج من الخارج"، بحسب ما جاء في بيان صحفي له.
وكانت المصانع قد لجأت بعد رفع أسعار الغاز في 2014 إلى استيراد الخردة أو الحديد نصف المصنع، بدلا من شراء الحديد الإسفنجي المصنع محليا.
لكن مع تزايد أزمة نقص الدولار وارتفاع سعره لم تعد الشركات قادرة على الاستمرار في الاستيراد وهو ما أدى إلى تراجع الطاقة الإنتاجية لمصانع الحديد في مصر لتعمل بنحو 20 بالمئة فقط، تبعا لتقديرات غرفة الصناعات المعدنية.
ويقول حسن المراكبي، رئيس مجلس إدارة المراكبي للصلب، إن "المشكلة الآن ليست فقط في الأسعار وإنما في توافر الغاز نفسه، فالمصانع تلقت إخطارات بأنها لن تحصل على احتياجاتها من الغاز خلال شهري يوليو وأغسطس، لتوجيهه إلى محطات الكهرباء، التي يتزايد استهلاكها بشكل كبير خلال هذين الشهرين".
وتعد مصانع إنتاج الحديد الإسفنجي (المختزل)، وهو منتج وسيط يستخدم في تصنيع منتجات الحديد النهائية، هي الأكثر تأثرا سواء بزيادة تكلفة الغاز خلال العامين الماضيين، أو بتراجع إمداداته للمصانع.
ويوضح المراكبي إن مصانع الحديد الإسفنجي عالية الاستهلاك للغاز، لأنه يدخل في منتجها كمادة خام، لذلك تنقطع عنها الإمدادات تماما خلال هذين الشهرين، أما مصانع الدرفلة مثلا فلا تتأثر كثيرا بخفض الإمدادات.
واشترط مجلس الوزراء عندما وافق، في مارس، على تخفيض أسعار الغاز لمصانع الحديد أن تعود للإنتاج بطاقتها القصوى، وهو الشرط الذي أصبح غير ممكن الآن لأن هذه المصانع ليس لديها غاز، كما يقول المراكبي.
ويرى شعيب أن الحل لأزمة الغاز المستخدم في الصناعة يكمن في تحرير هذا القطاع، بحيث تقوم الشركات الصناعية الخاصة بالاستيراد لصالحها بالسعر العالمي دون أي دعم، وتكون هناك تعريفة معلنة لتحويل الغاز المسال إلى صورته الغازية، وتعريفة لنقله عبر الشبكة القومية، بينما يدفع المصنعون تكلفة الغاز للجهات الموردة بالدولار، دون أن تتحمل الدولة هذا العبء.
تعليقات الفيسبوك