حملة القصف الجوي ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق -والذي بايعه مسلحو سيناء- تمثل عنصرا أساسيا في الجهود الدولية لإضعاف التنظيم والقضاء عليه في نهاية الأمر لكن القصف الجوي وحده -والذي بلغ نحو 60 ألف طلعة جوية منذ العام الماضي- لن يحقق الهدف بعدما عدل التنظيم أساليبه.
وحتى بعدما انضمت بريطانيا إلى الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش، فلن تحدث المساهمة البريطانية فارقا كبيرا لأن هناك بالفعل طائرات متاحة أكبر بكثير من الأهداف التي يمكن تحديدها.
ونفذ التحالف الدولي 59 ألفا و15 طلعة في العراق وسوريا منذ أغسطس عام 2014 منها 8573 طلعة فقط تحولت إلى غارات جوية، ما يشير إلى أن الأغلبية العظمى من الطائرات تعود إلى قواعدها دون استخدام أسلحتها.
وقالت خدمة "آلتر نت" الإخبارية إن الحرب ضد داعش لا تنقصها الغارات الجوية بأي حال. ونقلت عن المحلل العسكري التركي المحنك ميتين جوركان قوله -لموقع مونيتور- إن الغارات الجوية ربما كانت فعالة في استهداف منشآت الاتصالات والتدريب التابعة لداعش لكن "من غير العادي ألا تكون هناك منشأة تحكم واحدة (تابعة لداعش) أصابتها الغارات الجوية لقوات التحالف".
لكن هذا الوضع لا يرجع إلى عدم المحاولة، ويبين أن الحديث عن تدمير مراكز القيادة والتحكم الخاصة بداعش في محافظة الرقة السورية مجرد أماني، في ظل أن 2934 غارة جوية أمريكية في سوريا لم تفلح في ذلك على مدى 14 شهرا.
صحيح أن الغارات الجوية كان لها أثر على أساليب داعش القتالية ومعدل القتلى، خاصة عند استخدامها بالتعاون الوثيق مع مجموعات برية منظمة مثل وحدات الحماية الشعبية الكردية السورية، وربما يكون داعش فقد ما يصل إلى 2200 مقاتل في بلدة كوباني، لكن من ناحية أخرى فإن الوقت المستغرق لإخراج التنظيم من هذه البلدة مع شن 700 غارة جوية يظهر مدى استعداد مقاتليه للموت في سبيل تحقيق أهدافه.
وعدل داعش من أساليبه ليضع في الاعتبار استمرار خطر الغارات الجوية. وأصبح هيكل القيادة الآن يقوم على اللامركزية مع اتخاذ قادة الوحدات الصغيرة التي يبلغ قوامها ما بين 8 و10 مقاتلين للقرارات الميدانية، بعد أن تحدد القيادة المركزية المهمة العامة دون تحديد طريقة تنفيذها وهذا يحد من قدرة الطرف الآخر على مراقبة اتصالاتهم.
وتتجمع قواته بسرعة وتشن الهجمات عقب ذلك على الفور بعمليات متعددة، كما حدث عند الاستيلاء على الموصل في يونيو عام 2014، ومرة أخرى عند السيطرة على الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية في مايو من العام الجاري.
وسعى داعش للوصول إلى مصفاة بيجي العراقية، لكنه اكتشف أن هذا يمثل تشتتا وانسحبت وحداته من هناك بمجرد سقوط الرمادي.
ويقوم النهج الذي يتبعه داعش على تبني أساليب تقليدية إلى جانب حرب العصابات وعمليات الجماعات الإرهابية وهي جميعا ليست سمات تخص داعش وحده، لكنها المرة الأولى التي تلجأ فيها أي جماعة إلى كل هذه الأساليب مجتمعة.
وبالنسبة للغارات الجوية، فإنها تعني بالنسبة لداعش عدم القدرة الكافية على استخدام الدبابات التي يسهل استهدافها أو التجمعات الكبيرة للمركبات المحملة بالمقاتلين. بدلا من ذلك يلجأ إلى العبوات الناسفة البدائية والفخاخ والقناصة وفرق المورتر بأعداد أكبر.
كما يلجأ داعش إلى استخدام الانتحاريين سواء مترجلين أو باستخدام أي مركبات بأعداد كبيرة لتدمير الحصون والروح المعنوية للأعداء.
وهناك أنباء عن استخدام نحو 28 انتحاريا في المراحل النهائية من معركة الرمادي. كما أن الحرب النفسية عنصر مهم في عمليات داعش الميدانية حيث يسعى التنظيم لترويع القوات المعارضة من خلال عرض لقطات فيديو لقطع رؤوس جنود عراقيين أو سوريين أسرى أو إطلاق الرصاص على رؤوسهم.
وأحيانا تتلقى أسر الجنود السوريين اتصالا هاتفيا من هاتف الابن ومعه صورة لجثته مفصولة الرأس بعد وضعها على صدره. كما حدث قتل جماعي للأسرى بعد كل الانتصارات التي يحققها داعش.
لا شك أن الغارات الجوية المكثفة ستزيد من خسائر داعش وسيصعب عليه الاستعانة بمتطوعين أجانب عبر تركيا لأن أغلب الحدود مغلقة الآن، لكن داعش يسيطر حاليا على منطقة تضم نحو ستة ملايين شخص أغلبهم من الشباب. وربما يكون هناك 100 ألف مقاتل في صفوف داعش بناء على طول خطوط الجبهة التي يسيطر عليها وقدرته على شن هجمات متعددة متزامنة. وأيا كان دور بريطانيا وحجم القصف الجوي فإنه يواجه آلة عسكرية لا يمكن الاستهانة بها على أي حال.
المقال الأصلي باللغة الإنجليزية منشور بتاريخ 4 ديسمبر 2015 على هذا الرابط
تعليقات الفيسبوك