تحليلات وآراء

أخيرا يبدو أن هناك نية من جانب الدولة لتعديل قانون التظاهر رقم ١٠٧ لسنة ٢٠١٣، بعد أن بدأت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في تلقي مقترحات بهذا الشأن من الحكومة ومن أعضاء البرلمان ومن المجلس القومي لحقوق الإنسان.

وهذا أمر جيد في حد ذاته وينبغي أن يكون محل ترحيب لأن صدور هذا القانون كان من البداية خطأ فادح، أدى إلى تقييد حرية الاحتجاج السلمي المكفولة بالدستور، وشق صف تحالف ٣٠ يونيو مبكرا، والدفع بالشباب المتمسك بحقه في التعبير إلى السجون.

 

شخصيا، فإن اعتراضي على القانون ليس جديدا، بل كان صدوره فى نهاية شهر نوفمبر ٢٠١٣ سببا نهائيا لاستقالتى من الحكومة فى يناير ٢٠١٤ بعد أن باءت كل محاولات تعديله بالفشل، ولذلك يسعدنى أن يعاد النظر فيه وفيما سببه من أضرار بالغة بالمسار السياسى ولو بعد حين. ولكن لكى يتحقق الغرض من هذا التعديل فيجب أن يتناول كل العيوب التى تضمنها القانون وليس مجرد بعض الرتوش هنا وهناك، كما يجب أن يقترن بمراجعة أشمل لعدد من القوانين الأخرى الصادرة خلال العامين الماضيين والمتعارضة مع الدستور والتى ساهمت بدورها فى تقييد المناخ السياسى.

وللتذكرة فإن قانون التظاهر يتضمن أربعة عيوب رئيسية: العيب الأول أنه من الناحية الواقعية يجعل تنظيم المظاهرة السلمية مشروطا بالموافقة المسبقة لوزارة الداخلية وذلك بالمخالفة لنص المادة (٧٣) من الدستور والتى تشترط فقط إخطار الجهة المعنية وليس موافقتها. والعيب الثانى أن القانون يعتبر مجرد التقاء أكثر من عشرة أشخاص فى مكان واحد تظاهرة يعاقب عليها القانون وذلك فى مخالفة أخرى للدستور والتقييد لحقوق التجمع والتنظيم وحرية التعبير.

أما العيب الثالث فهو أنه يضع قيودا إدارية غير ممكنة التحقيق على التظاهر السلمى ومنها قيام كل محافظ بتحديد الأماكن العامة التى يجوز فيها التظاهر دون إخطار مسبق بينما لم يصدر ــ فى حدود علمى ــ سوى قرار واحد بتحديد منطقة الفسطاط بالقاهرة لتكون ساحة تظاهر للمواطنين من كل أنحاء الجمهورية. وأخيرا فإن العيب الرابع هو أن العقوبة المقررة للتظاهر تصل إلى خمس سنوات حبس ومائة ألف جنيه غرامة ولو لم يترتب عليه اعتداء على شخص ولا مساس بممتلكات، وفى هذا مخالفة للمبدأ الدستورى بضرورة تناسب العقوبة مع الجريمة وخروج على المنطق والعدالة والمبادئ المستقرة فى القانون الجنائى. لذلك فإن أي تعديل لقانون التظاهر لن يكون جادا ولا قاصدا إلى غلق صفحة هذا القانون المشئوم لو لم يتناول هذه العيوب الأربعة بالتصحيح الجذرى.

من جهة أخرى فقد كان قانون التظاهر ــ حينما صدر ــ العلامة الأكثر بروزا على خروج البلد عن المسار الديمقراطى، ولكنه للأسف لم يعد الوحيد. فقد صدرت خلال العامين الماضيين عدة تشريعات أخرى قيدت جوانب مختلفة من العمل السياسي والأهلي.

ولذلك فإن مجرد تعديل قانون التظاهر لم يعد كافيا، بل يلزم أن يصاحبه مراجعة أربعة قوانين أخرى على الأقل: أولها القانون رقم ١٢٨ لسنة ٢٠١٤ (المعروف باسم «قانون الأشياء الأخرى») والذى يعاقب كل من يتلقى تمويلا من الخارج أو الداخل أو يحصل على أية أشياء أخرى غير محددة بدقة فى القانون بعقوبة تصل إلى حد السجن المؤبد للمواطن العادى والإعدام للموظف العام. والثانى ضرورة مراجعة التعريفات الفضفاضة الواردة فى قانون الإرهاب رقم ٩٤ لسنة ٢٠١٥ والتى تخالف مبدأ الدقة والوضوح فى تعريف الجريمة. أما الثالث فهو القانون رقم ١٣٦ لسنة ٢٠١٤ والذى توسع فى حالات إحالة المتهمين المدنيين إلى القضاء العسكرى بالمخالفة للمادة (٢٠٤) من الدستور والتى حددت اختصاص القضاء العسكرى بدقة.

أما الجانب الرابع فهو إلغاء المواد المتناثرة فى قانون العقوبات والتى تسمح بحبس أصحاب الآراء المعارضة تحت مسميات وتعبيرات واسعة ومختلفة مثل ازدراء الأديان وتهديد السلم العام وإشاعة معلومات غير صحيحة.

وأخيرا فإن معالجة الأضرار البالغة التى تسبب فيها قانون التظاهر والقوانين الأخرى المقيدة للحريات تقتضى مراجعة أوضاع المحبوسين بسبب مشاركتهم فى مظاهرات سلمية مختلفة خلال الأعوام الماضية ولكن تمت إدانتهم بجرائم أخرى متنوعة مرتبطة تجعلهم لا يستفيدون من إلغاء أو تعديل قانون التظاهر وحده، كما تستلزم احترام الضمانات القانونية للحبس الاحتياطى كى لا يتحول هذا الإجراء الاحترازي إلى عقوبة في حد ذاتها.

هل يعني كل ما سبق التساهل مع الجريمة أو السكوت على العنف والإرهاب أو تشجيع الفوضى؟ بالعكس، فالقوانين الجنائية العادية فيها ما يكفى لضبط الأمن وتحقيق الانضباط دون انتهاك الحقوق والحريات ولا تجاهل مبادئ العدالة، كما أن اللجوء إلى تشريعات وممارسات مخالفة للدستور لم يحقق الاستقرار المنشود بل حرم المجتمع من طاقات الشباب ومن الاستفادة بتعدد الآراء ومن مشاركة المجتمع المدنى والسياسى على نحو يحتاجه البلد لكي يتجاوز أزماته الراهنة.

تعديل قانون التظاهر تأخر كثيرا، ومن الضروري ألا يتم تجاهله مرة أخرى. ولكن أتمنى ألا يقتصر على مجرد تعديلات طفيفة وشكلية يكون الغرض منها تجميل الصورة داخليا أو خارجيا، بل يعبر عن اعتراف الدولة بأن أسلوب غلق المجال العام وتقييد الحريات وإسكات الأصوات المعارضة لم ينجح فى تحقيق الأمن والاستقرار المنشودين، ويؤكد نية الحكومة فى فتح صفحة جديدة تطلق طاقات المجتمع وتعيد الأمل والثقة للشباب وتزيل الاحتقان والانقسام اللذين يعطلان كل محاولات التقدم والتنمية. 

 

* المقال منشور بصحيفة الشروق في عددها الصادر اليوم الثلاثاء

تعليقات الفيسبوك

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys