أعلنت مصر يوم الخميس الماضي عن تفاصيل اتفاق قرض روسي ضخم وقعته في نوفمبر الماضي، والذي سيمول مشروعا لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، وتبلغ قيمته 25 مليار دولار، بما يقارب نصف قيمة الديون الخارجية للبلاد.
ووفقا للاتفاق، الذي اعتمده رئيس الجمهورية في 24 ديسمبر الماضي، قبل أيام من تشكيل البرلمان، سيتم تقديم القرض الروسي لمصر على أقساط لمدة 13 عاما، تبدأ من العام الجاري، بينما ستسدد الحكومة المصرية أصل القرض على مدار 22 عاما، من خلال 43 قسطا نصف سنوي ، في 15 أبريل و15 أكتوبر من كل عام، على أن يكون أول سداد في منتصف أكتوبر 2029 .
وستبدأ مصر في سداد فوائد القرض مع بدء استلام أقساط القرض من الطرف الروسي.
واختلفت الآراء حول القرض، حيث يرى البعض أن فائدته، البالغة 3%، منخفضة مقارنة بالقروض التجارية بينما يحذر البعض من ضخامة حجمه ومخاطر تركز الاستدانة لدى روسيا.
ويهدف القرض، الذي نُشرت تفاصيله في الجريدة الرسمية منذ ثلاثة أيام، إلى تمويل أعمال إنشاء وتشغيل محطة الطاقة النووية المعروفة باسم محطة الضبعة والتي ستضم أربعة مفاعلات تبلغ طاقة كل منها 1200 ميجاوات.
وستستخدم مصر القرض لتمويل 85% من قيمة كل عقد توقعه مع الجانب الروسي يتعلق بالمحطة النووية، بينما ستتحمل مصر وحدها سداد النسبة المتبقية من التمويل، والبالغة 15% من قيمة المشروع، لصالح المؤسسات الروسية القائمة على تنفيذ أعمال الضبعة.
وتقول سلمى حسين، باحث أول بوحدة العدالة الاقتصادية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن "هذا الاتفاق يُظهر أن مصر تتجه للاعتماد على قروض ثنائية ضخمة بدلا من قروض متعددة الجنسيات .. وهي خطوة تتسم بالتسرع وقد تكون مدفوعة بالرغبة في كسب الولاء السياسي".
وتوضح سلمى أنه من مخاطر تركز الاقتراض لدى بلد واحد هو أن الموقف التفاوضي الروسي على شروط إنشاء المشروع سيكون قويا للغاية نظرا لأن روسيا هي من تقوم بتمويله،" ومن الطبيعي أن تعمل روسيا على وضع كل الشروط التي تفيد شركات بلدها " حتى وإن كان ذلك ضد المصالح المصرية في مجالات مثل الشروط البيئية.
سلمى حسين : خطوة متسرعة قد تكون مدفوعة بالرغبة في كسب الولاء السياسي
وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، فإن أكبر كتلتين أقرضتا مصر حتى سبتمبر الماضي هما الدول العربية بنسبة 38.6% من إجمالي الديون الخارجية، والمؤسسات الدولية بنسبة 26.8% من الديون.
بينما لا تُظهر نشرة المركزي روسيا كأحد أكبر مقرضي مصر التي بلغ إجمالي ديونها الخارجية بنهاية العام الماضي 47.7 مليار دولار.
ويقول يوسف بشاي، مدير علاقات العملاء ببنك بي إن بي باريبا، إن القرض الروسي من نوعية "قروض التصدير" التي تقدمها الدول الراغبة في تحفيز تصدير التكنولوجيا الخاصة بها.
وأشار إلى أن مصر أبرمت العديد من التعاقدات المماثلة للقرض الروسي "كان هناك قرض أمريكي مماثل لإنشاء محطة كهرباء شمال القاهرة سنة 2004، ومن التعاقدات الأخيرة قرض مع ألمانيا خاص بمحطات كهربائية تشيدها شركة سيمنس في مصر، وقرض فرنسي خاص باستيراد طائرات الرافال الحربية".
ويقول بشاي "على حد علمي (القرض الروسي) هو أكبر قرض في تاريخ مصر من هذا النوع".
يوسف بشاي : مصر أبرمت العديد من التعاقدات المماثلة للقرض الروسي
وتشترط الاتفاقية سداد "كافة المبالغ لصالح الجانب الروسي بالدولار الأمريكي أو أي عملة أخرى" بالاتفاق بين وزارة المالية ووزارة التعاون الدولي المصريتين، ووزارة مالية روسيا الاتحادية، وطبقا لتعليمات السداد المعمول بها لدى البنك الروسي فنشيكونوم.
لكن الاتفاق يمنح مصر أيضا اختيار سداد نسبة الـ 15% التي لن تقترضها مباشرة من روسيا بالجنيه المصري، إذا أرادت ذلك.
وتعاني مصر من ضعف تدفقات النقد الأجنبي منذ اندلاع ثورة 2011 الأمر الذي هبط باحتياطاتها من النقد الأجنبي من أكثر من 36 مليار دولار قبل الثورة إلى 17 مليار دولار في إبريل الماضي.
فائدة جيدة
يرى محمد أبوباشا، محلل الاقتصاد الكلي في بنك استثمار هيرميس، أن الفائدة على القرض الروسي تعتبر "جيدة جدا" خاصة بالنظر إلى فترته التي تمتد 35 سنة.
وقال "هذا نوع خاص من القروض يكون له هدف تنموي ويأتي في إطار العلاقة بين دولتين..وهو يختلف عن القروض التجارية أو السندات الدولية التي عادة تكون تكلفتها أعلى كثيرا".
محمد أبو الباشا :الفائدة على القرض الروسي تعتبر "جيدة جدا" خاصة بالنظر إلى مدته التي تمتد 35 سنة.
ويقول بشاي "إن فائدة القرض الروسي تقل عن القروض الأوروبية المماثلة التي تتراوح بين 3-4% في قروض بأجال أقصر".
ويشير محلل هيرميس إلى أن أحدث سندات طرحتها مصر العام الماضي في السوق الدولي مدتها 10 سنوات وصل سعر الفائدة عليها 6%، وذلك قبل رفع الفائدة على الدولار وهو ما يعني أن التكلفة ستصبح أعلى إذا طرحت سندات بهذه الآجال الطويلة حاليا.
ولفت أبو باشا النظر إلى ضرورة أن يكون البنك المركزي ووزارة المالية منتبهين إلى "تراكم الديون التي ستسدد الحكومة أقساطها خلال السنوات المقبلة بالدولار".
وقال إن مصر حصلت خلال الفترة الأخيرة على مجموعة من القروض سواء من مؤسسات دولية أو خليجية بالإضافة إلى اتفاقيات قروض بالعملة الأجنبية لتمويل مشروعات من بينها على سبيل المثال مشروع سيمنس.
وأضاف "أعتقد أن البنك المركزي سيكون متنبها إلى جداول سداد هذه القروض والاتفاقيات لأنه المسؤول عن تدبير العملة الصعبة لها".
وفي حالة تعثر مصر عن سداد فائدة القرض الروسي البالغة 3% خلال 10 أيام من تاريخ استحقاقها، فإنها ستدفع متأخرات تبلغ 150% من هذه الفائدة، بحسب الاتفاق المنشور في الوقائع المصرية.
تعليقات الفيسبوك