شريف شاب في نهاية الثلاثينات من عمره، يرتدي ملابس أنيقة، يقف بين مجموعة من الشباب من أعمار مختلفة، يحمل كل منهم في يده مغلفا عليه شعار معمل المختبر، بداخله نتيجة "تحليل مخدرات"، لتقديمها ضمن مسوغات العمل كسائقين على سياراتهم الخاصة مع شركة أوبر.
يمتلك شريف، وهو متزوج ولديه طفلان، شركة لتوزيع الأدوات المكتبية، لكن الأحوال الاقتصادية السيئة التي تشهدها البلاد دفعته للعمل بسيارته مع شركة أوبر التي تقدم خدمات نقل للركاب تنافس التاكسي التقليدي داخل القاهرة.
"السوق غير مستقر..ومشكلة الدولار وقفت حالنا..ويبدو أن الموضوع هيطول ومفيش حلول جذرية.. فكرت في العمل مع أوبر لزيادة دخلي وفي نفس الوقت أحافظ على شركتي بدل ما أضطر أقفلها خالص" يقول شريف لأصوات مصرية.
وتعرضت مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى أزمات اقتصادية نتيجة الاضطرابات السياسة والأمنية، أدت إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي، وتراجع مستويات المعيشة في ظل ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات.
وأظهر مؤشر بنك الإمارات دبي الوطني، الصادر أمس الثلاثاء، أن شركات القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر لازالت تعاني من انكماش مستمر في نشاطها، نتيجة تراجع الطلبيات الجديدة والإنتاج.
وقال شريف لأصوات مصرية، إنه لا يجد حرجا في العمل كسائق مع أوبر، بل إنه يعتزم أن يعمل عدد ساعات أكبر من زملائه الذين دلوه على هذه الفكرة من أجل زيادة دخله.
"الشغل مش عيب..المهم إني أوفر دخل جيد لأسرتي".
وتروج صفحة لسائقي أوبر على فيسبوك لهذه الفكرة باستخدام هاشتاج #الشغل_مش_عيب.
وتقول الصفحة "شير خلي الرجاله تشتغل.. للناس اللي مابتتكسفش من الشغل لو عندك عربية وعندك وقت فاضي دوس بنزيييين".
وشركة أوبر Uber هي واحدة من 3 شركات تعمل في مصر حاليا عبر تطبيقات على الهواتف المحمولة لتقديم خدمات بديلة للتاكسي التقليدي.
وتتيح تطبيقات أوبر وكريم وأسطى إمكانية طلب سيارة عن طريق الإنترنت لتصل للعميل في المكان الذي يختاره، وتوصله إلى وجهته، وتكون تكلفة وخط سير الرحلة محددة عن طريق التطبيق الإلكتروني.
لكن هذه الشركات أثارت غضب سائقي التاكسي الأبيض الذين اتهموها باستقطاع 30% من إيراداتهم، ونظموا وقفات احتجاجية ضدها مطالبين الحكومة بالتصدي لها.
وشكل مجلس الوزراء في شهر مارس الماضي لجنة لبحث الوضع القانوني للشركات الثلاث التي تشغل سيارات خاصة في أغراض تجارية تتمثل في نقل الأفراد بأجر.
مايكل موظف في وزارة الزراعة طلب أجازة بدون مرتب من وظيفته، وهو واحد من الشباب الذين التقتهم أصوات مصرية أثناء وقوفهم أمام مقر أوبر، بعد انتهاء محاضرة تنظمها الشركة للسائقين عن كيفية استخدام التطبيق والإرشادات الخاصة بالتعامل مع العملاء.
ويقول مايكل إن "العمل كسائق مع أوبر يختلف عن إني أكون سواق تاكسي عادي، لأن العميل عارف إن السيارة ملكي والتعامل بيكون على هذا الأساس".
وأضاف أن التطبيق الإلكتروني يتيح للسائق أن يقيّم العميل كما يقوم العميل بتقييم السائق، "إذا كان العميل غير مهذب أو يتعامل بشكل سيئ، فلن نقدم له الخدمة".
ولم يقتصر العمل مع أوبر على وقت الفراغ لدى مايكل لكنه تحول إلى عمل دائم يعتمد عليه تماما في دخله للإنفاق على أسرته وأطفاله الثلاثة.
وتوصل مايكل بعد العمل مع أوبر إلى "أنني يمكنني أن استغنى عن المرتب الحكومي والمعاش، وأن أعمل بشكل كامل من خلال سيارتي".
وتحصل أوبر على 20% من الأجرة التي يدفعها العملاء فيما تذهب النسبة الباقية للسائق.
وتشترط أوبر ألا يقل عمر المتقدم للعمل معها عن 21 سنة، وأن يكون حاصلا على رخصة خاصة أو مهنية سارية، وأن يجتاز الاختبار الطبي (تحليل مخدرات)، وأن تكون صحيفته الجنائية خالية من أي أحكام سابقة و غير مطلوب على ذمة أي قضية، وأن تكون السيارة موديل حديث، 2008 على أقصى تقدير.
وليد (28 سنة) موظف حكومي بعقد مؤقت، مرتبه لا يزيد على 900 جنيها في الشهر، وينتهي عمله في الساعة الثانية والنصف كل يوم، "عندي وقت طويل بعد الشغل، فكرت استغله واشتغل مع أوبر بعربيتي".
وإلى جانب رغبته في زيادة دخله كغيره من المتقدمين للعمل في الشركة، يقول وليد إن "هذا العمل أفضل كثيرا من وظيفة في شركة خاصة..لأنك مدير نفسك..مش هتلاقي مدير يتحكم فيك".
ويعلق وليد آمالا عريضة على عمله الإضافي الجديد في تدبير تكاليف الزواج، "أنا مش متزوج.. ويارب الشغلة دي تساعدني".
وأضاف "أصدقائي كلهم منتظرين إني أخذ الخطوة دي وأجرب، علشان يشتغلوا هما كمان بسياراتهم".
أما محمد محمود (39 سنة) فكانت أوبر بالنسبة له ملاذا للحصول على دخل بعدما فقد عمله كسائق في شركات السياحة.
"كنت بشتغل سواق في السياحة، لكن بعد ما السياحة اتضربت اقترحت على صديق أن أعمل على سيارته الخاصة، ونقتسم الربح بالنصف"، كما يقول محمد.
وتعرضت السياحة لضربة عنيفة بعد تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء في نهاية أكتوبر الماضي، والتي أسفرت عن وقف بعض الدول، منها روسيا وبريطانيا وتركيا، رحلات الطيران إلى شرم الشيخ.
وتراجع عدد السياح في الربع الأول من 2016 إلى 1.2 مليون سائح مقارنة بنحو 2.2 مليون سائح قبل عام.
ورغم حماس محمد محمود للعمل مع أوبر إلا أنه أبدى قلقه من احتمال توقيفه من قبل شرطة المرور بسبب نقله للركاب بأجر في سيارة رخصتها ملاكي وليست أجرة، وعبر للشركة عن قلقه خلال المحاضرة، إلا أن العاملين بالشركة طمأنوه.
ولجأت أوبر إلى التعاقد مع مكاتب لديها ترخيص تأجير سيارات، بحيث يتم التعامل مع السيارات التي تعمل مع شركة أوبر كسيارات مستأجرة من هذه المكاتب.
المتقدمين للعمل في خدمات نقل الركاب الخاصة ليسوا فقط شبابا يبحث عن وظيفة أو دخل إضافي، وإنما اتخذه البعض كبيزنس خاص لتشغيل السيارات.
عادل (50 سنة) موجه لغة عربية كان يعمل في الخليج، وبعد عودته في عام 2007 قرر شراء سيارات خاصة وتأجيرها للشركات ومكاتب تأجير السيارات.
"أنا بتعامل مع مكاتب تأجير، لكن أوقات كثيرة مش بيكون في شغل.. ففكرت أسجل سياراتي مع أوبر بحيث تعمل مع الشركة في وقت الفراغ.. أو في الفترات ما بين المشاوير التي تقوم بها مع مكاتب التأجير".
تعليقات الفيسبوك