نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريرا عما قالت إنه "التراجع المحزن" للجامعة العربية التي كانت مؤسسة مقدامة في وقت ما، لكن أصبحت تغفو والدخان يتصاعد من المنطقة.
وفي تقرير بعنوان "ما فائدة الجامعة العربية؟"، قالت المجلة إن ليبيا وسوريا مشتعلتان، وإيران تتحدى دول الخليج العربية في السيطرة على المنطقة، وأمريكا تتساءل عن دورها كضامن نهائي للاستقرار، وهو ما قد يجعل المرء يظن أنه الوقت المناسب للجامعة العربية لتأكيد نفسها. لكن الجامعة بدا أنها توغل في انقطاع صلتها بالواقع. ويبدو أن فكرة التجديد هي ببساطة أن يحل أمين عام سبعيني محل أمينها العام الثمانيني، وهو تغيير غير ملهم من المقرر أن يحدث في أول يوليو.
وأضافت أنه في وقت ما وعدت الجامعة بأن تجمع الدول العربية المختلفة سويا، وأن تشكل دولة كبرى مثلما فعل بسمارك لألمانيا أو حركة ريزورجيمنتو لإيطاليا. وتأسست الجامعة في 1945 في القاهرة حين كانت مصر منارة لمناهضة الإمبريالية، وساعدت المنظمة مسيرة عمالقة في القرن العشرين مثل جمال عبد الناصر وهواري بومدين. وحشد كثير من زعماء الجامعة العربية الجماهير ضد الحكم الاستعمار البريطاني والفرنسي.
وقال التقرير إنه يمكن للجامعة الآن أن تستجمع بشق الأنفس الطاقة لاختيار أمين عام جديد. وأضاف أنه حين أصرت مصر في وقت سابق هذا العام على وزير خارجية متقاعد آخر هو أحمد أبو الغيط، طالبت دول عربية أخرى -بقيادة قطر- صراحة بطرح بديل. واعتبرت أن من الأفضل اختيار مرشح أقرب إلى متوسط الأعمار العربي البالغ 22 عاما بدلا من اختيار سبعيني لا يحظى بالكاريزمية ويمثل أحد بقايا عهد مبارك المتيبس الذي أطيح به خلال أسابيع من الربيع العربي. لكن لم يظهر أحد وانتخب أبو الغيط دون معارضة.
وقالت المجلة إن التشاحن العربي ليس جديدا. واستنكر منتقدون الفجوة بين الكلام والواقع منذ البداية. وكانت أول معركة للجامعة العربية من أجل فلسطين في 1948 مسارا سيء التنسيق. وسرعان ما تفككت المحاولات المتتالية لتوحيد الأعضاء والقوى ضد إسرائيل. لكن يبدو الآن أن شيئا ما فسد ليس فقط في المؤسسة لكن أيضا في الفكر الذي تمثله.
ونقلت إيكونوميست عن الكاتب اللبناني المخضرم خير الله خير الله قوله إن الجامعة بالية. وأضاف أنها "شكلت لتتجاوب مع الأربعينيات ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين. إن فكرة القومية العربية ماتت".
ومن الناحية الاقتصادية، لم يتحقق مطلقا وعد إقامة منطقة عربية للتجارة الحرة. فالتجارة البينية بين الدول العربية أقل من عشرة في المئة من حجم تجارة العالم العربي. ومن الناحية السياسية، لم تعد إسرائيل -التي كانت سبب أول دعوة للحشد- تمثل الكثير كسبب لتلاحم الصفوف. وأصبحت مقاطعة الكيان الصهيوني جاذبة في أوروبا أكبر مما هي في كثير من الشرق الأوسط، وتمنح بعض الدول العربية تأشيرات دخول لإسرائيليين أسهل مما تمنحها للفلسطينيين. ويتسرب الأجانب عائدين عسكريا أيضا. فأمريكا تسيطر على أجواء العراق، ولم يتعد الجيران العرب على صلاحياتها، وأصبح الأكراد يحكمون أنفسهم تقريبا. ويتوج كل ذلك أنه من المقرر أن تعيد بريطانيا افتتاح أول قاعدة بحرية لها شرقي السويس في وقت لاحق هذا العام، وستكون في البحرين. وفي القمة الأخيرة للجامعة العربية، قال زعيم عربي إن لغتهم هي الشيء الوحيد الذي ما زال يشترك فيه العرب.
وقالت المجلة إنه حتى هذا يبدو الآن مهددا. وأضافت أنه بعد ستة عقود من برامج التعريب، تتخلى المستعمرات الفرنسية السابقة في شمال أفريقيا عن هذا الجهد. وعلى غير هوى رئيس وزراء المغرب الإسلامي، تعيد البلاد استخدام الفرنسية كلغة تدريس للعلوم والرياضيات. وأعلنت الجزائر اللغة الأمازيغية التي يتحدث بها البربر في شرق البلاد لغة رسمية، وقد تكتبها بحروف لاتينية. ويبدو أن المستعمرات البريطانية السابقة في الشرق الأوسط تسير على نفس الخط إلى حد كبير مع اللغة الإنجليزية. وأكدت دراسة لشركة العلاقات العامة أصداء بيرسون مارستيلر -ومقرها دبي- العام الماضي أن الشبان العرب في الخليج يستخدمون الإنجليزية أكثر من العربية.
وذكرت إيكونوميست أن الجامعة العربية ليست وحدها التي تصارع نهاية عصر الأبطال، وتآكل الأيديولوجية متعددة الأطراف مع صعود النزعة الوطنية. لكن على عكس الإتحاد الأوروبي، فقد فشلت في إيجاد آلية لإدارة المنافسة. وشلت الخلافات الطائفية والإقليمية الجامعة العربية لدرجة أنها وقفت مكتوفة الأيدي في حين تجتاح الحرب أعضاءها. وتطلعت الجامعة التي كانت تحمل لواء مناهضة الاستعمار إلى القوى الأوروبية لإنهاء الفوضى، بل ودعت في حالة ليبيا القوى الغربية لإرسال طائرات. وبلغ إحباط المغرب من احتمال استضافة قمة أخرى تولد ميتة في مارس أنها ألغت الدعوات لحضور القمة. وقالت المجلة إنه ربما يكون الاستخدام الحقيقي الوحيد للجامعة العربية هذه الأيام أنها بيت تقاعد للسياسيين المصريين.
تعليقات الفيسبوك