أثار قرار البنك المركزي بوضع حد أقصى لمدة رئاسة البنوك في مصر استياء بعض العاملين والمساهمين في هذا القطاع، معتبرين أنه تدخل في مهام تخص الجمعيات العمومية للمساهمين في البنوك دون غيرها.
وأكد هؤلاء أن القرار ليس له مثيل في دول العالم المتقدم، فهل يحق للمركزي قانونا أن يضع مثل هذه القواعد؟
القرار الجديد، الذي صدر منذ نحو أسبوع، يسري على الرئيس التنفيذي للبنك العام أو الخاص الذي يقضي 9 سنوات متصلة أو منفصلة في منصبه في نفس البنك، ويترتب عليه خروج 8 رؤساء تنفيذيين لبنوك خاصة عاملة في مصر من مناصبهم.
ويعلق عضو سابق في مجلس إدارة البنك المركزي على القرار، معتبرا أن القانون ينظم طريقة اختيار المسؤولين التنفيذيين في البنوك، مشيرا إلى أن "بقاء رؤساء البنوك الخاصة في مناصبهم لمدد طويلة يفتح الباب لتربيط المصالح مع رجال أعمال معينين".
وتنص المادة 43 من قانون البنك المركزي على ضرورة أخذ رأي محافظ المركزي عند تعيين أعضاء ورؤساء مجالس إدارة أي من البنوك العاملة في السوق، وكذلك مديريه التنفيذيين، "دون الإخلال بسلطة الجمعية العامة للبنك".
"ويتم عرض قائمة بالمرشحين للمناصب على مجلس إدارة البنك المركزي، وللمحافظ أن يطلب تنحية واحد أو أكثر.. إذا ثبت من خلال التفتيش على البنوك مخالفتهم لقواعد السلامة لأموال المودعين وأصول البنك"، بحسب نص المادة.
لكن القانون لا يتضمن إشارة للفترة الزمنية التي يشغلها أصحاب المناصب في البنوك التجارية.
ويقول مسؤول عن البحوث في أحد البنوك، طلب عدم نشر اسمه، إنه لا توجد بنوك مركزية في دول أخرى، في حدود ما يعرف، تطبق مثل هذه القواعد بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين، "لكن بعض الدول تطلب تحديد مدة لعضوية مجالس إدارات البنوك، لأن تجاوزها يجعل الأعضاء غير محايدين كما يقتضي موقعهم".
وتشير قواعد حوكمة البنوك في مصر، الصادرة في 2003، إلى أنه لا يجوز للعضو غير التنفيذي في مجلس إدارة البنك أن يستمر في موقعه لأكثر من ست سنوات بدون مبرر قوي، لأن المطلوب من العضو أن يكون محايدا تجاه الإدارة، لأنه يمثل مصالح المساهمين، وبقائه لفترة طويلة يخلق روابط ومصالح بينه وبين الإدارة التنفيذية للبنك.
ويقول قانوني، شغل سابقا مناصب قيادية في الدولة، فضل عدم نشر اسمه نظرا لحساسية الموضوع، إنه بالفعل لا يوجد نص قانوني متعلق بمدة رئاسة البنوك، لكنه يرى أن تدخل المركزي ليس خاطئا من حيث المبدأ لأن هناك انتهاكا كبيرا للمعايير المتعارف عليها في الإدارة الرشيدة.
ويضيف المصدر القانوني "أدهشني أن أجد أحد رؤساء البنوك يشغل منصبه منذ 23 عاما، وأن آخر يتولى، هو واثنان من أبنائه، رئاسة ثلاثة من البنوك العاملة في السوق".
ويرى المصدر القانوني أن الأولوية تكون عادة لإرادة المساهمين في الشركات والمؤسسات المختلفة في اختيار مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، "لكن هذا الوضع ينطبق على أي مجال باستثناء البنوك، لأنها تعمل بأموال الغير".
فإذا كان البنك يدير أموالا تبلغ مثلا 10 مليارات جنيه، فإن نصيب أموال المساهمين منها لن يتجاوز 500 مليون جنيه، لذلك يراقب البنك المركزي عمل البنوك وينظمه على النحو الذي يحقق مصالح المودعين كأولوية على المساهمين، "وهذا ما يعطي المركزي صلاحيات استثنائية في العالم كله".
وأرجع البنك المركزي هذا القرار إلى "إعداد صف ثان، والدفع بالشباب والصفوف الثانية للأمام وضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسات"، بحسب المنشور الذي تضمن نص القرار.
لكن هاني سري الدين، رئيس مكتب سري الدين للاستشارات القانونية، يعترض على القرار لأنه "لا يجوز للمركزي إنهاء خدمة الرؤساء التنفيذيين للبنوك إلا للأسباب التي حصرها القانون"، ولأن القرار "لا نظير له في الأعراف المصرفية الدولية"، كما قال في مقال نشره في عدد الخميس الماضي من جريدة الأخبار.
ويقول هشام عز العرب، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للبنك التجاري الدولي، الذي يشغل المنصب التنفيذي الأعلى في البنك منذ ما يزيد على 13 عاما، في كلمة له أمام مؤتمر منذ بضعة أيام، إن "المساهمين الأجانب في البنك طلبوا مني البحث عما إذا كانت هناك قرارات مشابهة عالميا.. وبحثت وسألت زملائي في البنوك الأجنبية ولم أجد مثيلا إلا في نيجيريا عام 2010 عندما أقرت الحكومة قرارا مشابها للإطاحة برؤساء بنوك، بسبب الفساد والرشاوى".
لكن المصدر القانوني، الذي فضل عدم نشر اسمه، يوضح أنه بالفعل لا توجد في النظم المصرفية المتقدمة قواعد لتحديد مدة رئاسة البنوك، إلا أن كونها نظما متقدمة يجعلها أقرب لتطبيق قواعد الحوكمة التي ترى في تغيير الإدارة كل فترة أمرا إيجابيا، دون الحاجة لقانون.
ويرى سري الدين أنه إذا كانت هناك "مصلحة مشروعة تسعى الجهة الإدارية لتحقيقها، وأعني هنا البنك المركزي، فليس له بديل سوى الرجوع للبرلمان، واقتراح تعديل القانون، بإضافة تعديل تشريعي يخول للبنك المركزي وضع حد أقصى لعضوية مجالس الإدارة بالبنوك".
ويتفق المصدر القانوني مع سري الدين في أن قرار المركزي لم يصدر بالآلية المناسبة، قائلا "كان من الأفضل مثلا أن تتم إضافة بند لقواعد حوكمة البنوك على سبيل المثال، يشير إلى مراعاة البنوك لتغيير مسؤوليها التنفيذيين بعد 9 سنوات على الأكثر".
ويضيف المصدر أنه كان من الأفضل إعطاء مهلة مناسبة للتنفيذ، كأن يكون بعد عامين على سبيل المثال، وليس مباشرة عقب تنفيذ القرار.
وقال المركزي، في نص القرار الذي أصدره، إنه في حالة تجاوز المسؤول التنفيذي لمدة تسع سنوات، في 31 ديسمبر 2015، فإنه يستمر (في عمله) لحين انعقاد أول اجتماع للجمعية العامة للبنك لاعتماد القوائم المالية السنوية عن العام المالي 2016، شريطة الحصول على موافقة البنك المركزي.
وأبرز المسؤولين التنفيذيين الذين يؤدي تنفيذ القرار إلى خروجهم من مناصبهم هو هشام عز العرب، رئيس مجلس إدارة البنك التجاري.
كما يترتب على القرار خروج إسماعيل حسن، رئيس بنك مصر-إيران للتنمية، ونجليه ياسر إسماعيل حسن، العضو المنتدب ببنك الكويت الوطني مصر، وأحمد إسماعيل حسن، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب في بنك أبو ظبي الوطني مصر.
ويشمل القرار أشرف الغمراوي، نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك البركة مصر، وعبد الحميد أبو موسى، محافظ بنك فيصل الإسلامي، وحاتم صادق، رئيس مجلس إدارة بنك عودة.
تعليقات الفيسبوك