بدو رحل محافظة الشرقية مارس 2016 - أصوات مصرية
كان يوم عرسها مختلفاً.. لم تكن فرحتها كاملة.. فهي ليست ككل عروس.. فعلى الرغم من أن هذا هو الزواج الثاني لهبة إلا أنه يبقى مثل كل شيء آخر في حياتها بلا أوراق.
لا تملك هبة شهادة ميلاد، وكذلك والدها المتوفي في عام 2012، وأيضاً والدتها. لم يكن لديهما بالتبعية وثيقة زواج، ولم تحصل هي الأخرى على وثيقة زواج في زيجتها الأولى أو حتى الثانية.
تجلس هبة على كرسي خشبي منكسرة محنية الرأس تضم كتفيها إلى صدرها قدر استطاعتها.. لا تقوى على الحديث إلا بصوت منخفض، تكاد لا تسمعه.. كانت تشعر بالخزي حينما قالت إنها تتزوج للمرة الثانية دون إثبات زواجها رسميا على الرغم من أنها لم تتزوج سرا، ولكن السبب هو عدم امتلاكها شهادة ميلاد.
حق هبة في النفقة ضاع بعد أن طلقها زوجها الأول بعد مرور 8 أشهر على الزواج، فلم تستطع إثبات حقوقها لأن الزواج غير موثق.
تقول هبة إنها لا تعرف عمرها الحقيقي لكن أقاربها يقولون إن عمرها 20 عاما.
ساقطو قيد بالوراثة
تضيف هبة أنها ليست السبب في معاناتها، وأن والدها هو من رفض تسجيلها أو إبلاغ مكتب الصحة التابع له بولادتها لعدم امتلاكه ووالدتها شهادتي ميلاد ما جعلهما يتزوجان دون إثبات زواجهما بأوراق رسمية، وهو ما جعل من الصعب تسجيل هبة بقاعدة بيانات الدولة.
لا يوجد إحصاء رسمي لدى الدولة بعدد ساقطي القيد، إلا أن "مريم علي" مسؤولة الشؤون القانونية بمركز الشهاب لحقوق الإنسان الموجود بعزبة الهجانة التابعة لمحافظة القاهرة تقول إن من بين مهام المركز البحث عن حالات ساقطي القيد ومحاولة تذليل العقبات وتسجيلهم.
ونجح المركز في تسجيل 500 حالة ممن لا يملكون شهادات ميلاد خلال العام الماضي.
وأكدت المسؤولة في مركز الشهاب أن هبة من بين الأفراد الذين يسعى المركز جاهدا لتسجيلهم، ولكن الأمر صعب خاصة بعد وفاة والدها، وزواج والدتها من شخص آخر.
وتضيف أن المركز توصل إلى حل مع إدارة التسجيل بوزارة الصحة ومصلحة الأحوال المدنية، وهو تشكيل لجنة من متخصصين تقوم بتقدير عمر هبة واختيار ثلاثة أسماء (الأب، الجد، جد الجد) تكون وهمية ولا تتشابه مع أي أسماء مسجلة فعليا لدى مصلحة الأحوال المدنية، ومن ثم يتم تسجيل هبة ونسبها لتلك الأسماء الثلاثة واستخراج شهادة ميلاد لها.
وتضيف مريم أنه تم اللجوء إلى هذا الحل لتتمكن هبة من تسجيل أبنائها في حالة الإنجاب مستقبلا وللحد من تزايد أعداد ساقطي القيد.
تقول مريم إن المادة 19 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 تساعد على زيادة ساقطي القيد.
مصدر بمكتب رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة (الجهة المسؤولة عن مكاتب الصحة والتي يتم تسجيل المواليد بها) يقول إن مكاتب الصحة بجميع المحافظات والمدن تسجل ساقطي القيد إذا توافرت لديهم الأوراق اللازمة.
ويضيف المصدر أن لجنة التسنين التي تحدد عمر ساقطي القيد يتم عقدها شهريا بالفروع لبحث الأوراق والأشخاص المتقدمين للتسجيل، وفي حالة وجود شباب من ساقطي القيد يريدون التسجيل يتم تحويلهم إلى منطقة التجنيد لأنها هي الجهة المنوطة بعملية التجنيد لهم وهي التي ستحدد أعمارهم وما إذا كانوا في عمر التجنيد أم لا.
ويشير المصدر إلى أنه في حالة عدم وجود الأوراق المطلوبة للتسجيل يتم مخاطبة الأحوال المدنية بشأن الحالة لأنها تعامل في هذه الحالة معاملة المواليد مجهولي النسب، فيتم عرضها على لجنة التسنين وتختار لها ثلاثة أسماء وهمية لتسجيلها.
وأوضح المصدر أنه لا يوجد قانون يجبر الوالدين على تسجيل أبنائهم، مشددا على ضرورة تعديل بعض مواد قانون الأحوال المدنية خاصة المادة 19 والتي تكون سبباً في سقوط القيد بعد مرور 15 يوما على حالة الولادة.
وطالب المصدر بضرورة فتح مدة 15 يوما إلى شهرين أو ثلاثة لإعطاء الفرصة لتسجيل الآباء لأبنائهم.
محمد زين العابدين "هذا اسمه الذي أطلقه عليه والده" هو الجد الأكبر في عائلة زين العابدين ويبلغ عمره حسب تقديراته 70 عاما.
"أبويا وأمي ماكانش عندهم شهادات ميلاد ولا ورق علشان كده مسجلونيش وكانوا السبب في عدم امتلاكي شهادة ميلاد".
يضيف زين العابدين أن والده كان سبباً أيضا في أن تعيش عائلته المكونة من 12 فردا من الأبناء والأحفاد حتى اليوم دون امتلاك أوراق ثبوتية تحدد هويتهم.
الأحوال المدنية
تشير إحصائيات مصلحة الأحوال المدنية خلال عام 2015 باستثناء شهور (فبراير- يوليو- نوفمبر) إلى أن عدد القرارات الصادرة لساقطي القيد لتسجيلهم بلغت 93 ألفا و575 قراراً بينها 29 ألفا و574 قرارا لساقطي قيد خارج مصر في (الإمارات، أستراليا، كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، الأردن، اليونان، المملكة العربية السعودية).
رباب مصطفى مسؤولة الإعلام بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقول إن الجهاز لا يمتلك أي إحصائيات تخص عدد ساقطي القيد.
وتضيف رباب أن التعداد السكاني لمصر يتم حصره ميدانيا كل 10 سنوات ولا يتم الاعتماد فيه على قاعدة بيانات الأحوال المدنية، علاوة على أن الإحصاء يقسم الجمهورية إلى قطاعات أثناء إجراء التعداد السكاني ويتم حصر المواطنين جميعهم لكن دون سؤالهم من يمتلك شهادة ميلاد من عدمه.
وعلى الرغم من عدم وجود تعداد رسمي لساقطي القيد، فإن وزير التنمية المحلية الأسبق محسن النعماني صرح لجريدة الأهرام في عام 2011 أن عدد ساقطي القيد يقدر بحوالي 3.5 مليون مواطن، إلا أن مراكز حقوق الإنسان التي لديها مشروعات لتسجيل ساقطي القيد تقول إن عددهم يصل إلى 7 ملايين مواطن.
يضيف زين العابدين أنه تزوج في عمر 19 عاما من ابنة صديق والده وهي لا تمتلك شهادة ميلاد أيضا، ونتج عن الزواج جيلين لا تعلم عنهما الدولة أي شيء.
شهادة واحدة تكفي
أحمد "وهذا ليس اسمه الحقيقي" يقول إنه لم يكن من ساقطي القيد ولديه شهادة ميلاد، ووثيقة زواج رسمية عام 1994.
ويضيف أحمد البالغ من العمر 45 عاما أنه أنجب من زوجته طفلة في عام 1996 سجلها واستخرج لها شهادة ميلاد تحمل اسم علياء.
ويؤكد أحمد أن ابنته علياء توفيت بعد 6 أشهر من ولادتها نتيجة مرض صدري، ودفنها دون أن يسجل حالة الوفاة رسميا، ودون استخراج شهادة وفاة لها لأنه كان على خلاف عائلي مع زوجته حين توفيت الابنة.
يقول أحمد إن الله رزقه في عام 1998 بمولودة أخرى اتفق مع زوجته على عدم تسجيلها بمكتب الصحة التابع له، وأطلق عليها اسم ابنته التي توفيت "علياء" وتعاملت المولودة الجديدة بنفس شهادة ميلاد أختها في الحصول على الخدمات من الدولة، مؤكداً أنه فعل ذلك ترشيدا للنفقات وأنه كان قد تخطى الوقت القانوني لتسجيل المولودة ما يدخله في دوامة إجراءات تسجيل ساقطي قيد وخاصة عمل محضر إداري ومحضر تحر عن محل الميلاد والإقامة.
يقول أحمد إن ابنته الثانية علياء عمرها الآن يقترب من العشرين عاما وتعاملت طوال تلك الفترة بشهادة ميلاد أختها واستخرجت حتى بطاقة الرقم القومي وتستعد الآن للزواج.
تؤكد سمية الألفي مدير عام التنمية والنوع بالمجلس القومي للأمومة والطفولة أن علياء لم تكن هي الحالة الوحيد بين ساقطي القيد التي تعاملت بشهادة ميلاد أختها، بل هناك عشرات الحالات، أشهرها رجل أنجب طفلا سجله واستخرج شهادة ميلاد له، وبعدها أنجب طفلين ولم يسجلهما تجنبا لدخول اثنين من الثلاثة التجنيد (الجيش) وظل الأبناء الثلاثة يتعاملون بشهادة ميلاد واحدة للحصول على التطعيم والخدمات الصحية أثناء مرحلة الطفولة.
رفض التسجيل
علي أبو العلا مدير مركز الشهاب يقول إن هناك عددا من الأسباب تؤدي إلى عزوف المواطنين عن تسجيل أبنائهم بقاعدة بيانات الدولة منها المادة 19 بقانون الأحوال المدنية والتي تحول الطفل إلى ساقط قيد إذا لم يتم تسجيله في غضون 15 يوما من حالة الولادة.
ويضيف أبو العلا أن من بين هذه الأسباب الموروث الثقافي لدى البعض في الصعيد والمناطق العشوائية بتزويج البنات في سن مبكر ما لا يمكنهم من توثيق حالة الزواج نتيجة عدم بلوغ أحد الزوجين السن القانونية، علاوة على عدم امتلاك البعض منهم شهادات ميلاد.
ومن بين الأسباب أيضا يقول أبو العلا إن بعض العائلات لا تسجل المواليد من الذكور للتهرب من أداء الخدمة العسكرية، علاوة على أن هناك ساقطي قيد بالوراثة يجدون معاناة كبيرة في حالة اللجوء إلى التسجيل.
ويضيف أن أهم الأسباب التي تحول دون تسجيل الأبناء هي حالات انفصال الزوجين وزواج كل منهما من شخص آخر، علاوة على وفاة الزوج أو الزوجة مع زواج الطرف المتبقي، وهو ما يصعب مهمة تسجيل الأبناء في حالة كان الأبوان غير مسجلين.
منطقة عشوائية
مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان يقول إن المركز سجل 500 حالة ساقط قيد منذ 2000 وحتى 2010 بعزبة الهجانة، وأكد أن ضعف إمكانيات المركز ماليا هي التي تعوقه عن استكمال مسيرة تسجيل ساقطي القيد.
إدارة المعلومات بمحافظة القاهرة تقول إن عدد سكان عزبة الهجانة يبلغ 650 ألف نسمة، لكن مدير مركز الشهاب يقول إنه من خلال عمله بالمنطقة لمدة 15 عاما فإن عدد سكان العزبة يقترب من المليون و100 ألف نسمة، بينهم قرابة 60 ألف ساقط قيد.
سعاد نجيب مدير تطوير عشوائيات القاهرة بصندوق تطوير العشوائيات تقول إن مصر بها 351 منطقة عشوائية تم حصرها حتى يناير 2016.
البدو
ينقسم البدو إلى قسمين، بدو رُحل يرعون الأغنام والماشية ويتنقلون بها بين محافظات مصر للبحث عن مراع لدوابهم ويقطنون بالخيام، والنوع الآخر من البدو هم قاطنو الصحراء.
عطية الطويل 31 عاما من البدو الرُّحل رعاة الماشية، يقول إن آباءه وأجداده لم يكن لديهم أي أوراق ثبوتية ولا يعرفون من أين يتم استخراجها.
"نتجوز ونخلف ونعيش ونموت دون أي تعامل مع الدولة، ودون أن تعلم عنا أي شيء"، هكذا هي حياة العديد من البدو الرحل حسب ما يقول الطويل.
ويضيف الطويل أنهم لا يحتاجون إلى وظائف الدولة، فهم يمتلكون المال متمثلا في دوابهم التي يرعونها، ويوضح أنه في حالة مرض أي شخص منهم يذهبون إلى توقيع الكشف عليه لدى أطباء بعيادات خاصة.
وعلى المستوى التعليمي يقول الطويل إن غالبية البدو الرُّحل لا يهتمون بتعليم أولادهم، لأن لديهم قناعة بأن أولادهم هم من يرثون مهنتهم (الرعي)، ومن يرغب منهم في تعليم أولاده يجلب لهم مدرسا مقابل أجر لتعليمهم القراءة والكتابة فقط.
ويؤكد الطويل أن "الزواج بيننا ليس به أي عقود أو وثائق رسمية وهو يعتمد على الإشهار فقط".
سالم التيهي من البدو القاطنين بصحراء وسط سيناء يرفض تسجيل أبنائه ويقول "إحنا عايشين ومالناش علاقة بالدولة ولا بنستفاد من خدماتها".
وأرجع التيهي عدم رغبته في تسجيل أبنائه إلى أنه ولد، مثل أجداده الذين عاشوا وماتوا دون الحصول على شهادات ميلاد، ويوضح أن من بين الأسباب أيضا تتبع الشرطة للبدو منذ قديم الأزل واتهامها الدائم لهم بأنهم يعملون في أعمال مخالفة للقانون.
لا يوجد إحصاء رسمي لدى أي جهة حكومية أو حقوقية لعدد ساقطي القيد من البدو الرُحل، لكن مؤشرات الشؤون الاجتماعية بمحافظة جنوب سيناء تشير إلى أن هناك حوالي 10 آلاف إلى 15 ألف ساقط قيد.
بحسب الهيئة العامة للاستعلامات يبلغ عدد سكان محافظتي شمال وجنوب سيناء معا 575 ألف نسمه.
سمية الألفي تؤكد أن فريق مشروع الحد من الفقر التابع للمجلس القومي للطفولة والأمومة والذي من بين مهامه البحث عن ساقطي القيد وتسجيلهم ذهب إلى المناطق البدوية التي يتواجد بها ساقطو قيد في محافظتي شمال وجنوب سيناء، ولكن البدو رفضوا التسجيل.
وتضيف أن المشروع نجح في تسجيل عدد 30 ألفا و198 حالة ساقط قيد منذ عام 2007 وحتى عام 2013 في سبع محافظات هي (قنا، القاهرة ، أسوان، سوهاج، المنيا، الجيزة، أسيوط).
تعليقات الفيسبوك