قال باسكال دوفو، محلل الاقتصاد الكلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ببنك بي ان بي باريبا، إن مصر تحتاج لتعويم صادم للجنيه يخفض قيمة العملة المحلية في مواجهة الدولار بما يتراوح بين 15 إلى20% في خطوة واحدة، بهدف القضاء على السوق السوداء.
وقدر دوفو، في حوار مع أصوات مصرية، أن نحو 70% من عمليات سوق الصرف في مصر تتم في السوق السوداء، مشيرا إلى ضرورة إجراء تعويم قوي لتحجيم هذا السوق، "يجب أخذ القرار (التعويم) على المدى القصير.. هذا العام".
70% من مبادلات العملة تتم في السوق السوداء .. وقرار التعويم يحجمها
وخفض البنك المركزي، خلال العام الماضي، الجنيه على 3 مراحل بقيمة إجمالية بلغت 80 قرشا ليصل الدولار إلى 7.93 جنيه. ثم رفع قيمته 20 قرشا بشكل مفاجئ ليصل إلى 7.73 جنيه لكل دولار ، ثم ثبت سعره الرسمي عند هذا الحد حتى الآن، رغم انخفاضه المتواصل في السوق السوداء ليتجاوز سعر العملة الأمريكية 9 جنيهات.
واتخذت مصر مؤخرا عددا من الخطوات لكبح الطلب على الدولار من خلال تحجيم الواردات، في ظل أزمة نقص تدفقات النقد الأجنبي، لكن دوفو يرى أن هذه الخطوات "غير كافية".
وكانت وزارة التجارة والصناعة قد أعلنت عن قائمة من 25 مجموعة سلعية تلتزم الشركات والمصانع المصدرة لها بأن تسجل بياناتها لدى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات المصرية، كشرط للسماح لتلك المنتجات بدخول مصر.
كما قررت الوزارة منذ أيام تخفيض أسعار الغاز الموجه لصناعة الحديد، لتقليل من تكاليف الإنتاج التي كانت قد دفعت المصانع لاستيراد بعض مدخلات الإنتاج من الخارج بدلا من تصنيعها محليا.
وأوضح المحلل الفرنسي إن "عجز الميزان الجاري سيتجاوز 10 مليارات دولار بنهاية العام، ولتمويل هذه الفجوة تحتاج مصر للاستثمارات الأجنبية .. والعديد من المستثمرين ينتظرون التعويم".
وتفاقم عجز الميزان الجاري ليبلغ 4 مليارات دولار في الربع الأول من العام المالي (من يوليو إلى سبتمبر 2015)، نتيجة لانخفائض عائدات السياحة والصادرات في مقابل استمرار الواردات عند معدلاتها المرتفعة، رغم تراجعها نسبيا.
ويضيف دوفو أنه "بعد بضعة أشهر (من التعويم) لن تكون هناك مشكلات في تحويل الأرباح أو شراء مدخلات الإنتاج"، مشيرا إلى أن خطوة التعويم ستجذب مستثمري محافظ الأوراق المالية (الأسهم والسندات) بقوة، مما سيحقق لمصر تدفقات قوية من النقد الأجنبي.
بعد بضعة أشهر لن تكون هناك مشكلات في تحويل الأرباح أو شراء مدخلات الإنتاج
وتلقي أزمة النقد الأجنبي حاليا بظلال كئيبة على أنشطة الأجانب في مصر، سواء في مجال الاستثمار المباشر أو المضاربة على الأسهم، واعتبر البنك الدولي أن اقتصاد البلاد يشهد حالة من "تدهور الثقة والتي ترجع إلى عدم كفاية إتاحة النقد الأجنبي و/ أو تأخر أو عدم القدرة على تحويل الأرباح للخارج"، كما جاء في وثيقة خاصة بقرض من المنتظر أن يمنحه البنك لمصر.
ولكن خطوة التعويم المرتقبة سبقها تخفيض تدريجي للعملة بدأه البنك المركزي في ديسمبر الماضي، مع تطبيق آلية بيع الدولارات في مزاد للبنوك بهدف تحديد سعر استشرادي للجنيه أمام العملة الأمريكية، إلا أن تطبيق هذه السياسة لم يدعم الصادرات والاستثمار الأجنبي بشكل واضح، حيث استمرا في مستوياتهما المنخفضة.
ويرى دوفو أن الخطوات التي تم اتخاذها لتخفيض العملة المحلية في مواجهة الدولار كانت صغيرة، وغير كافية للقضاء على السوق السوداء، إذ تتيح سياسة التعويم التدريجي المجال للمضاربات.
كما واجهت الصادرات مشكلات قللت من الأثر الإيجابي لتخفيض العملة، التي تزيد عادة تنافسية المنتجات المصدرة، ومنها انخفاض قيمة العملة في أوروبا، الشريك التجاري الأكبر لمصر.
وتراجعت قيمة الصادرات المصرية بنحو 4 مليارات دولار في عام 2014-2015، مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 22 مليار دولار.
ولا يتوقع محلل بي ان بي باريبا تأثيرا قويا لخطوة التعويم الصادمة التي يقترحها على معدلات زيادة الأسعار، بالرغم من الاعتماد الكبير لمصر على الاستيراد، "لقد انعكس ارتفاع الدولار في مواجهة الجنيه بالفعل على معدلات التضخم، لأن قطاعا كبيرا من المتعاملين في السوق يعتمد على السوق السوداء للعملة".
وارتفع معدل التضخم خلال عام 2015 بنسبة 10.6%، واستمر الارتفاع السنوي للمؤشر يدور حول الـ10% خلال يناير وفبراير الماضيين.
ويرى دوفو أن الحكومة تستطيع تطبيق سياسات لضخ السلع الأساسية في الأسواق بما يتيح السيطرة على الأسعار نسبيا مع التعويم، مشيرا إلى الجهود الأخيرة للحكومة في توزيع السلع عبر منافذ القوات المسلحة كأحد الأمثلة على هذه السياسات.
التعويم الصادم سيزيد أعباء المعيشة لكن أثر عدم تطبيقه سيكون أكبر
ولا ينكر محلل البنك الفرنسي أن الاقتصاد المصري يواجه تحديات أخرى بخلاف أزمة النقد الأجنبي، من أبرزها مشكلة نقص الطاقة، "لكن هناك أولويات .. وأول هذه الأولويات هي أزمة نقص النقد الأجنبي".
ويشير دوفو إلى أن استيراد مصر للغاز مؤخرا ساهم في تحجيم أزمة الطاقة، متوقعا أن يتحول الميزان التجاري البترولي من عجز إلى فائض في 2018 بفضل اكتشافات الغاز الجديدة في حقل ظهر بالبحر المتوسط.
ولا ينفي دوفو أن خطوة التعويم الصادمة سيكون لها تأثيرات مجتمعية تتمثل في زيادة أعباء المعيشة "لكن تأثير عدم تطبيقها سيكون أكبر.. سيستمر الاقتصاد في التباطؤ".
تعليقات الفيسبوك