قال الكاتب التركي، عبد الله بوزكورت، إنه من غير المتوقع حدوث إصلاح في العلاقات المصرية التركية في وقت قريب، نظراً للجوء الرئيس رجب طيب إردوغان ومساعديه إلى التعامل مع القيادة المصرية بعنف للتنفيس عن إحباطهم بسبب أخطاءهم (الحكومة التركية) الفادحة في تنفيذ مشروعاتهم ذات الدوافع الأيديولوجية في السياسة الخارجية.
وأضاف الكاتب، في مقال على الموقع الإنجليزي لجريدة توداي زمان التركية، أنه انطلاقاً من الخطاب المعادي بشدة لمصر الذي يستخدمه إردوغان، ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو والآخرون في حكومة حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، يصعب تخيل فرص نجاح لأي مبادرة من طرف ثالث لإصلاح العلاقات بين الدولتين المهمتين في الشرق الأوسط. ولا يبدو أن إردوغان يرى خيراً في القيادة المصرية الحالية، وخاصة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ لا يكف عن التصريح بكرهه الشديد له في خطاباته المحلية التي تصل إلى المنتديات العالمية.
ويذكر المقال أن هناك أصواتا متزايدة في الدولة التركية، في الجيش ووزارة الخارجية والوكالات التجارية والأكاديمية، تعارض السياسة الحالية مع مصر. ولكن الأصوات الأكثر تعقلاً يتم كبحها وتمنع من التأثير على العلاقات مع القاهرة وتطبيعها. وقد بذلت مساع دبلوماسية عديدة منذ يوليو 2013 للتوصل إلى اتفاقات مع القيادة المصرية، وفي كل مرة كان إردوغان ومساعدوه يفسدون الأمر بتوجيه توبيخ علني قاس للقيادة المصرية.
وكان آخر تعليقات إردوغان على هذا النحو في الأسبوع الماضي، إذ صرح أن موقفه من السيسي لم يتغير بأي قدر، مستبعداً إمكانية اجتماع رئيس الوزراء داوود أوغلو مع نظيره المصري، وقال -بتعال- إنه قد يسمح باجتماعات على المستوى الوزاري. وفي يناير الماضي سجل رئيس الوزراء التركي الموقف نفسه، إذ اتهم مصر في خطابه بقمة دافوس باحتجاز شباب كثيرين في السجون، وقال إن تركيا "لن تعترف بالانقلاب العسكري"، مؤكداً على الموقف السابق للقيادة التركية من شرعية السيسي.
وأعلن وزير الخارجية التركي رسمياً، يوم الأربعاء في البرلمان، أن الموقف التركي تجاه مصر لم يطرأ عليه أي تغيير، إذ ذكر الشروط اللازمة للتقارب مع مصر والتي تضمنت وقف أحكام الإعدام، بما فيها الحكم ضد مرسي، وأن تركيا تنتظر أن تتبنى مصر أسلوباً في الحكم يعكس إرادة الشعب، بما يعني ضرورة دمج الإخوان المسلمين في إدارة البلاد واستعادة حكم مرسي.
وليس هناك ما يشير إلى أن الجهد السعودي لإصلاح ما بين البلدين قد يثمر. فالسعودية تحاول إعادة ترتيب صف الأنظمة "السنية" ضد تهديد إيران في الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا، وهو الأمر الذي يتطلب أن تبقى تركيا ومصر في القارب نفسه. ولكن هذه الخطوة السعودية لا تتعامل من المشاكل الأساسية بين القاهرة وأنقرة. وإذا كانت المصلحة المشتركة في مواجهة التحديات الإيرانية شيئاً مهماً، إلا أنها غير كافية كحافز بتطبيع العلاقات بين مصر وتركيا، نظراً للمواقف الحالية للقيادة التركية التي تقوض جهود مصر في تعزيز السياسات المحلية ومواجهة التحديات الداخلية.
وأوضح المقال أن هناك مشكلة ثانية في المبادرة السعودية، وهي أن الإطار العام للتقارب مبني على شروط اتفاق تمليها الرياض، وليس على اعتبارات المصالح الجوهرية للجانب المصري، الأمر الذي حدا بالقيادة المصرية إلى التعامل مع المبادرة بفتور. وما زاد الطين بلة أن الإسلاميين الأتراك لم يتوقفوا عن توجيه الانتقادات القاسية لمصر بعد التوسط السعودي بل تمادوا فيها.
وبالنسبة لما أثير حول دعوة تركيا مصر إلى قمة منظمة التعاون الإسلامي الثالثة عشر المزمع عقدها في إسطنبول من 10-15 أبريل، من غير المرجح حضور شخصيات بارزة من الجانب المصري. وحتى الآن لم ترسل تركيا خطاب دعوة رسمي إلى القاهرة.
وتتشكك القاهرة أيضاً في ازدواجية موقف أنقرة من بعض المثيرات التي تزعج النظام المصري. أولاً، تستمر وسائل الإعلام المعارضة التي تستهدف مصر في تركيا، والتي يزعمون أن الاستخبارات التركية تمولها، في العمل مع تغيير مسمياتها أو أشكالها. وما زال أعضاء جماعة الإخوان المقيمون في تركيا يتلقون الدعم المالي والسياسي والدبلوماسي. وثانيا، يحاول الإسلاميون الأتراك الالتفاف من الخلف بمشروعاتهم في السودان وليبيا المجاورتين لمصر، ويديرون مخططات سرية تعمل ضد مصالح مصر.
ثالثا، يثير إردوغان القيادة المصرية بسبب مصالحه في غزة،ودعمه لحماس على حساب فتح واستغلاله الواضح للقضية الفلسطينية لصالح طموحاته السياسية في الأقليم. ومما يثير القلق لدى مصر أيضاً أن شروط الاتفاق بين تركيا وإسرائيل كجزء من تطبيع العلاقات بينهما -والذي مازال في طور المناقشة- ربما تضمنت بعض التنازلات التي ستثبت تركيا بقوة أكبر في غزة، وتعزز تصور أن تركيا الداعم الرئيسي لغزة في الساحة الخلفية لمصر. وبدلاً من ترك القيادة لمصر -كما كان الوضع لعقود- يتحايل الإسلاميون الأتراك على سرقة دور مصر التقليدي.
كل ما سبق يشير إلى أن التقارب الحقيقي بين تركيا ومصر لن يصبح ممكنا، طالما غلبت الأيديولوجية في صياغة السياسة الخارجية التركية. ولا يعني هذا أن البلدين لن يقيما علاقة تبادلية عندما تكون مناسبة للطرفين. ولكن سيبقى ذلك محدوداً، كما شهدنا في المبادرات السعودية.
المقال كامل منشور على موقع جريدة توداي زمان التركية.
تعليقات الفيسبوك