في الذكرى الثلاثين.. أحداث الأمن المركزي ما زالت بدون تحقيق

الخميس 25-02-2016 PM 02:33
في الذكرى الثلاثين.. أحداث الأمن المركزي ما زالت بدون تحقيق

أحداث الأمن المركزي في فبراير 1986، صورة من موقع ويكيبيديا

رغم مرور 30 عاما، لم يجر تحقيق حتى الآن في احتجاجات جنود للأمن المركزي عام 1986 والتي سقط فيها قتلى ومصابون اختلفت الاحصاءات في تقدير اعدادهم، كما لحق ضرر مادي كبير بالعديد من المنشآت، وتدخل وقتها الجيش لانقاذ حكم رئيس البلاد حينئذ حسني مبارك على العكس من تدخله لاجبار مبارك على التنحي في ثورة يناير 2011 .  

في 25 فبراير 1986 خرج جنود الأمن المركزي من معسكرين في منطقة الأهرامات مندفعين بخوذاتهم وبنادقهم في مظاهرات مسلحة إلى فندق الجولي فيل، وحطم الجنود واجهاته الزجاجية، وبدأوا يحرقون ما فيه، كما قاموا بإحراق فندق هوليداي سفنكس، ومبنى قسم شرطة الهرم، وفندق ميناهاوس، وبعض المحال التجارية الكبيرة في المنطقة، حسبما ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، في تغطيتها للأحداث.

واندلعت الأحتجاجات على خلفية سوء أوضاع الجنود وتسرب شائعات عن وجود قرار سري بمد سنوات الخدمة من ثلاث إلي خمس سنوات، وتخفيض مرتباتهم والتى كانت أصلا تقل عن 6 جنيهات في الشهر.

في الثالثة من صباح الأربعاء 26 فبراير أعلنت حالة الطوارئ وفرض حظر التجول، وفي حوالي السادسة صباحا انتشرت قوات الجيش واحتلت عددا من المواقع التي يتواجد فيها الجنود المتمردون وبدأوا في حصار الجنود.، وفي بداية يوم الأربعاء، بدأت الانتفاضة في الإنتقال إلى أغلب معسكرات الأمن المركزي الأخرى في القاهرة، حسبما رصدت لوس أنجلوس تايمز.

 وتضيف الصحيفة أنه، في شارع الهرم انحازت كتلة من عمال التراحيل والطلاب والعاطلين عن العمل من سكان منطقة الطالبية، إلى جنود الأمن المركزي، وبدأوا يشتركون معهم في تحطيم الكباريهات والفنادق الموجودة في المنطقة، وخلال ساعات استطاع الجنود احتلال منطقة الهرم بأكملها بما في ذلك مداخل طريق الإسكندرية الصحراوي وطريق الفيوم وترعة المنصورية.

وقالت الصحيفة، في تقرير بتاريخ، 27 فبراير 1986، إن جنود الأمن المركزي، تجمهروا في معسكر الهايكستب القريب من مطار القاهرة في الثامنة والنصف،  وحين وصلت القوات المسلحة إلى المعسكر اشتبك معها الجنود وتحول الاشتباك إلى مطاردة في الشوارع الجانبية المتفرعة من جسر السويس.

وأضافت أنه أثناء محاولة الجيش تسلّم معسكر موجود في منطقة طرة، واجهه جنود الأمن المركزي، بإطلاق النار وبدأت طائرات الجيش الهليكوبتر باطلاق الرصاص عليهم، وخرج جنود المعسكر بالآلاف فارين إلى الشوارع.

تأسست قوات الأمن المركزي في عام 1966 بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وذلك للقيام بمهام خاصة في إطار العمل الشرطي بهدف تفادي وضع الجيش في مصادمات داخلية.ويتم اختيار المجندين بالأمن المركزي من الأدني تعليما، وهو ما يطلق عليه (الفرز الرابع)، ويتلقى مجند الأمن المركزي فترة تدريب 6 أشهر، تحتسب من ضمن مدة تجنيده البالغة 3 سنوات.

ويترأس قطاع الأمن المركزي بوزارة الداخلية حاليًا اللواء مدحت المنشاوي، الذي سبق وتولى قيادة عمليات فض إعتصام أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي، بميدان رابعة العدوية، في 14 أغسطس 2013 . وقال اللواء المنشاوي، في تصريحات صحفية مطلع يناير 2016 إن الأمن المركزي قدم 167 قتيلا وما يقرب من 5000 مصاب منذ بداية ثورة يناير 2011.

 

تسلسل زمني للأحداث

وقالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز، إن السفارة الأمريكية بالقاهرة بدأت إجلاء السائحين من المنطقة عقب اندلاع الاحتجاجات، مساء الثلاثاء، فيما طوقت قوات من والشرطة ووحدات من الجيش، الطرق المؤدية إلى الأهرامات.

ونقلت عن مصدر حكومي مصري لم تسمه قوله إن "ما حدث ليلة الثلاثاء خطير جدا في ظل حالة الإحباط التى تملأ مصر بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وهذا قد يؤدي لإنفجارالوضع الداخلي".

وفي صباح الأربعاء، دعا الرئيس حسني مبارك الحكومة إلى اجتماع طاريء، ثم قال في بيان إن مثيري الشغب قاموا بقتل بعض الحراس في هجماتهم على الفنادق والمحلات التجارية والملاهي الليلية بشارع الهرم، ولم يذكر عدد القتلى، فيما نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مصادر شرطية وجود 15 حالة وفاة.

وقالت الصحيفة إنه "على الرغم من أن وسائل الإعلام المصرية صورت الأحداث على أنها نزاع حول مد فترة التجنيد، إلا أن مصادر رسمية أخرى أشارت إلى الخوف من أن يكون الأصوليون الإسلاميون، تسللوا إلى الشرطة ويقودون إنتفاضة المجندين.

الأمريكي كيث هيك، العضو المنتدب لمكتب ترويج الاستثمار الأمريكي، قال للصحيفة، إنه أفلت بأعجوبة من الإصابة عندما هاجمت مجموعة من المجندين سيارته بالحجارة وحطموا زجاجها وهو في طريقه إلى منطقة المعادي.

ومع تصاعد الاشتباكات، أغلق مطار القاهرة الدولي، وأعيد فتحه ظهر الخميس، للسماح برحيل الملكة مارجريت الثانية ملكة الدنمرك، ورئيس الوزراء اليوناني أندرياس باباندريو، اللذين كانا في زيارة رسمية للقاهرة وقت إندلاع الأحداث.

وعلق حظر التجول لمدة ثلاث ساعات نهار يوم الخميس، للسماح للمواطنين بشراء المواد الغذائية والإمدادات الأساسية، ورصدت وكالة أسوشيتد برس، في تقرير لها، ازدحام محلات المواد الغذائية في جميع أنحاء العاصمة واصطفاف طوابير طويلة أمام محطات البنزين.وقال النائب العام المصري حينئذ، محمد الجندي، لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، إنه تم القبض على 2000 من أفراد قوات الأمن المتمردين و700 من مثيري الشغب المدنيين. وفي حديث للصحفيين، قال أسامة الباز، كبير المستشاريين السياسيين لمبارك، إن قوات الأمن استعادت السيطرة على الأوضاع داخل القاهرة والجيزة، وإن 36 شخصا قتلوا بينهم 32 متمردا.

ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، برنارد كالب، في 27 فبراير، قوله إن أعمال الشغب في القاهرة لم تكن موجهة ضد المصالح الأمريكية أو الغربية في مصر، ولم ترد تقارير عن وقوع إصابات للأمريكيين، "لدينا ثقة كاملة في حكومة الرئيس مبارك وقدرته على التعامل مع الوضع".

وذكرت الصحيفة أنه في الساعات الأولى ليوم الجمعة، كانت الاشتباكات مازالت تدور بين قوات الجيش وجنود الأمن المركزي، وسمع دوي إطلاق الأعيرة النارية المتبادلة لمدة 20 دقيقة بالقرب من منطقة الأهرامات، فيما خرج القائد العام للجيش المصري، المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، ليعلن إنتهاء أعمال الشغب، وعودة الهدوء إلى القاهرة.

وفي خطبة صلاة الجمعة أجمع عدد كبير من أئمة المساجد بالقاهرة والمحافظات، على أن الاضطرابات الأمنية في مصر، يقف ورائها محرضون لهم صلات خارجية مع سوريا وليبيا وإيران، ووصف أئمة المساجد أعمال العنف على أنها موجهة ضد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، حسبما نشرت الصحيفة في تقرير بتاريخ، 28 فبراير1986.

مبارك يواجه أزمات الاقتصاد والأمن.. وأبو غزالة ينقذه

قبل 6 أشهر على نهاية ولايته الرئاسية الأولى، كان على حسني مبارك، أن يواجه إنتفاضة جنود الأمن المركزي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي كانت تمر بها مصر.

ففي مطلع عام 1986، بدأت الحكومة المصرية في رفع أسعارالسلع الأساسية ببطء، في محاولة لتخفيف عبء الدعم الحكومي في ظل اقتصاد مصري يعاني من انهيار أسعار النفط عالميًا.

وقالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز، إن الحكومة المصرية كانت تعاني عجزا في الميزان التجاري بلغ 1.3 مليار دولار، إضافة إلى التأخر في سداد ديون خارجية بمليار دولار.في 6 مارس 1986، قال وزير السياحة المصري فؤاد سلطان، إن هناك إنخفاضا حادا في عدد السياح المتواجدين في القاهرة عقب إندلاع أحداث الأمن المركزي، وأن 10000 سائح غادروا البلاد، محذرًا، من أن "استمرار مغادرة السائحين لمصر سوف يزيد من الأزمة الاقتصادية".وقال ديمتري فيلتسوس، المدير العام لفنادق هوليداي الأهرام وهوليداي سفنكس، إن الفنادق تعرضت لخسائر من المستحيل تعويضها، وقد تصل الأضرار التي لحقت بها إلى 250 مليون دولار، حسبما نشرت لوس أنجلوس تايمز.وفي 13 مارس 1986، قررت الحكومة المصرية دفع 500 دولار، تعويضا للسائحين الذين فقدوا متعلقاتهم في أعمال الشغب التى قادها جنود الأمن المركزي.تخوفات مبارك من تزايد نفوذ المشير أبو غزالة، ونجاحه في وضع الأمور تحت السيطرة بعد أحداث الأمن المركزي، وتكرار إنتفاضات شعبية على غرار، إنتفاضة الخبز في 1977، جعلت مبارك يعجل بإقالة أبو غزالة، في العام 1989، وفقًا لما رصده وثائقي لهيئة بي بي سي بعنوان "فراعنة مصر المعاصرون".وكانت مظاهرات شعبية ضد الغلاء خرجت في 18 و 19 يناير 1977، في عدة مدن مصرية رفضا لمشروع الميزانية الجديدة، التى شملت إجراءات تقشفية لتخفيض العجز، بعد اتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين. وفرض حظر تجول بالبلاد ونزلت قوات من الجيش لتأمين القاهرة وبعد ثلاثة أيام، قرر السادات إنهاء الأزمة ورفع حظر التجول وسحب قوات الجيش من الشارع.وفي 5 أغسطس 1986، أعلن وزير الداخلية، زكي بدر، فوز حسني مبارك بفترة ولاية جديدة، في استفتاء شعبي، بنسبة بلغت أكثر من 97% من أصل 12 مليون و700 ألف ناخب أدلوا بأصواتهم.

أحداث الأمن المركزي بدون تحقيقات حتى الآن

في 24 أغسطس 2011، أمر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، بإحالة بلاغ مقدم من شحاتة محمد شحاتة المحامى والمدير التنفيذى للمركز العربى للنزاهة والشفافية ضد الرئيس السابق حسنى مبارك، لنيابة وسط القاهرة لمباشرة التحقيق فى الواقعة، وهو ما نفي، شحاته، حدوثه حتى الآن.

يقول المحامي شحاته محمد، في نص البلاغ، الذي حصلت أصوات مصرية على نسخة منه، كان الوضع خارج القاهرة أقل حدة بكثير، حيث انحصرت انتفاضة الجنود في القليوبية والاسماعيلية وسوهاج داخل المعسكرات، واستطاعت قوات الجيش أن تحاصرهم وتنزع أسلحتهم بسهولة.وجاء في بلاغ المركز العربي للنزاهة، أن أسيوط كانت حالة استثنائية في إنتفاضة الأمن المركزي، حيث كانت الأحداث أشد عنفاً، وان محافظ أسيوط آنذاك زكي بدر، فتح الهويس (القناطر) في أسيوط للحيلولة دون عبور جنود الأمن المركزي من معسكرهم في البر الشرقي الذي أحرقوه مما ادى الى وفاة اكثر من ثلاثة الاف جندى منهم. وعين بدر، وزيرًا للداخلية بعد يومين من إندلاع الأحداث.

ويتهم مقدم البلاغ مبارك بأنه أصدر أوامر للجيش بقصف الأمن المركزي بالمقاتلات الحربيه ما أدى الى تضاعف أعداد القتلى إلى ما يقرب من سبعة آلاف جندى الكثير منهم لم يتوصل ذووهم الى جثثهم حتى اليوم حتى أن العدد الدقيق للقتلى مازال مجهولا حتى اليوم نظرا لشدة العنف والوحشية التى استخدمت لقمع الانتفاضة.

تغطية الجرائد القومية والحزبية لأحداث الأمن المركزي

ورصد كتاب اتجاهات الصحف المصرية نحو أحداث فبراير 1986، الصادر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وصف وتصنيف الأحداث من خلال تغطية الجرائد المصرية، فقد دأبت جريدة الأهرام على الإشارة إلى الأحداث على أنها أحداث شغب بصفة عامة بنسبة 28% مما نشرته حول الوقائع، وجريدة الجمهورية بنسبة 39% من إجمالي المواد المنشورة بها، والأخبار بنسبة 24%.

وحزبيًا تناولت صحيفة مايو الصادرة عن الحزب الوطني، الأحداث بوصفها أحداث شغب بنسبة 67% من الموضوعات المنشورة بها، فيما وصفت جريدة الشعب الأحداث باعتبارها تمردا وعصيانا بنسبة 53%، والأهالي بنسبة 37%، وجريدة الوفد 21%.

الجرائد القومية الثلاث، حملت المعارضة المصرية مسؤلية كونها "شريك" في صنع الأحداث، وتناولت صحيفة الجمهورية، ذلك بنسبة 10% مما نشرته حول الوقائع، والأهرام بنسبة 5%، والأخبار بنسبة 6% وتناولت الأمر ذاته صحيفة مايو بنسبة 65% من المنشور بها.

ويمكنكم الإطلاع على كامل الكتاب من هنا..

كتاب اتجاهات الصحف المصرية نحو أحداث فبراير 1986

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys