الكل مشغول بقضية الدولار حتى أن سعر صرف الجنيه أصبح موضوعا عاما تتم إثارته في الجلسات الاجتماعية، ويتحدث عنه الجميع بصرف النظر عن مستوى تعليمهم، أو القطاع الذي يعملون به. ولعل السبب في ذلك هو إدراك الناس أن سعر الصرف له تأثيرات على أداء الاقتصاد، أبرزها ارتفاع أسعار السلع المختلفة مع كل موجة انخفاض للجنيه. ويطرح الناس عدة أسئلة عن قضية الدولار تسعى "أصوات مصرية" للإجابة عليها بشكل مبسط.
- كيف يتم تحديد السعر الرسمي للجنيه؟
من المفترض أن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه يتم تحديده في السوق بناء على عوامل العرض والطلب، مثل أي من السلع الأخرى، لكن بسبب حساسيته وأثر تغيره على أسعار السلع والخدمات يتدخل البنك المركزي في السوق لضمان عدم تحرك السعر بشكل كبير. فإذا زاد الطلب على الدولار، يستخدم البنك المركزي احتياطي النقد الأجنبي المتراكم لديه لسد الطلب وضمان عدم انخفاض قيمة الجنيه بشكل كبير، لتجنب موجة تضخمية كبيرة.
أما إذا انخفض الطلب على الدولار، فإن البنك المركزي يتدخل لشراء العملة الأجنبية من السوق وزيادة الاحتياطي منها، بما يضمن عدم ارتفاع الجنيه بشكل كبير، يترتب عليه ارتفاع أسعار الصادرات المصرية. وتسمى تلك السياسية "التعويم المدار"، وتهدف لوجود مساحة لارتفاع وانخفاض سعر الصرف بناء على عوامل العرض والطلب، لكن في إطار متوازن يمنع الاضطرابات الكبيرة.
- ماذا يعني التعويم الكامل للجنيه؟ ما المقصود بالقيمة العادلة للعملة؟
التعويم الكامل للجنيه يقضي بأن يرفع البنك المركزي يده عن سعر الصرف ويترك تحديده للسوق، بناء على عوامل العرض والطلب، وهذا يعني أن سعر صرف الجنيه أمام الدولار قد يتذبذب ارتفاعا وانخفاضا بشكل كبير.
وسينتج عن ذلك تداول الجنيه بالقيمة العادلة له، وهي القيمة التي تحددها عوامل العرض والطلب في السوق، وليس بناء على ما يراه المركزي سعرا عادلا. وبناء على العديد من التحليلات، فإن السعر العادل للجنيه إذا ما ترك للعرض والطلب سيتخطى ٩ جنيهات للدولار.
- لماذا خفض البنك المركزي الجنيه أكثر من مرة خلال العام الماضي؟
قبل ٢٠١١ كان هناك توازن بين ما يدخل الاقتصاد من عملة صعبة وما يخرج منه. فالفجوة المستدامة بين الواردات والصادرات تعوضها الاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج.
وعندما اتسعت الفجوة بين الواردات والصادرات، في الفترة بين ٢٠١١ و٢٠١٥، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة بعض الشيء، فإن المساعدات الخارجية، خاصة الدعم الخليجي السخي منذ منتصف ٢٠١٣ وحتى بداية ٢٠١٥، كانت كفيلة بسد تلك الفجوة. ولعل هذا ما ساعد البنك المركزي على الدفاع عن الجنيه خلال تلك الفترة.
لكن ٢٠١٥ شهد تراجعا كبيرا في الدعم الخليجي بسبب انخفاض أسعار البترول العالمية، والذي أثر أيضا على تحويلات المصريين بالخارج، بينما لم تتدفق الاستثمارات الأجنبية كما كان متوقعا بعد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة.
وكذلك أثر تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي سلبا على حركة التجارة العالمية وإيرادات قناة السويس. وبالإضافة لذلك، ضُربت السياحة في مقتل بعد سقوط الطائرة الروسية مما زاد من المخاوف بخصوص الأعمال الإرهابية.
كل هذه الأسباب أثرت على موارد الاقتصاد من الدولار، بينما ظلت الواردات في ازدياد مما عمّق من الفجوة بين ما يدخل الاقتصاد من عملة صعبة وما يخرج منه. ولم يستطع البنك المركزي معادلة تلك الفجوة بسبب انخفاض حجم الاحتياطي لديه، لذلك لجأ لتخفيض قيمة الجنيه أكثر من مرة خلال ٢٠١٥.
- لماذا تعدى الدولار ٩ جنيهات في السوق السوداء؟
تخفيض الجنيه أكثر من مرة خلال ٢٠١٥ لم ينعكس بشكل إيجابي على زيادة موارد الاقتصاد من الدولار والعملات الصعبة، مما جعل الضغط على العملة المحلية يستمر ويتزايد.
فلم يشجع تخفيض الجنيه على زيادة الاستثمارات الأجنبية، لأن تراجعها لا يرتبط بقيمة العملة، وإنما يعود لأسباب سياسية وأمنية بالإضافة لتباطؤ النمو العالمي.
كما أن تراجع السياحة ليس سببه أنها مرتفعة التكلفة ولكن نتيجة لمخاطر الإرهاب. أما الصادرات فتواجه أزمة تراجع الطلب العالمي نتيجة انخفاض النمو.
بينما تأثرت تحويلات المصريين بتراجع أسعار البترول والأزمة الاقتصادية في دول الخليج، التي يعمل بها الجزء الأكبر من المصريين بالخارج.
بالإضافة لتلك العوامل الخارجية، ساهمت بعض العوامل الداخلية في زيادة الضغط على الجنيه حيث أن سياسات البنك المركزي التي فرضت حدا أقصى لإيداع الدولار بالبنوك قد حولت مسئولية تدبير العملة من التجار إلى البنك المركزي، وأوصلت رسالة واضحة أن المركزي غير قادر على الدفاع عن الجنيه، مما زاد من المضاربة على الدولار وأثر على توافر العملة الصعبة المطلوبة لاستيراد السلع المختلفة، ومنها الكثير من السلع الأساسية.
وساهمت المضاربات في رفع سعر الدولار أمام الجنيه مؤخرا في السوق الموازية، خاصة بعد الأنباء التي تم تداولها عن تقدير الحكومة أن يكون السعر الرسمي للدولار ٨٫٢٥ جنيه في موازنة السنة المالية الجديدة، مقابل 7.73 جنيه حاليا.
- هل لابد فعلا من تخفيض الجنيه.. وهل يستفيد الاقتصاد المصري؟
وجود فجوة تزيد على ١٥٪ بين السعر الرسمي والسعر الموازي للجنيه أمام الدولار وضع يصعب استمراره، وفي الأغلب سيلجأ البنك المركزي للتخفيض في الأشهر القليلة القادمة، وقبل بداية العام المالي الجديد.
لكن من غير المتوقع أن يقوم المركزي بتعويم الجنيه أو بتخفيضه بنسبة كبيرة مرة واحدة. انخفاض الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي أمر ضروري لكن من الصعب توقع أن ينعكس ذلك إيجابيا على أداء الاقتصاد، لأن انخفاض الاستثمارات الأجنبية والسياحة بقوة وغيرهما من مصادر النقد الأجنبي يرجع لأسباب سياسية أو أمنية أو عوامل مرتبطة بالاقتصاد العالمي، وبالتالي خارجة عن سيطرة الاقتصاد المصري ومن يديره.
- ما هي التأثيرات السلبية لخفض الجنيه ومن يتحملها؟
ارتفاع سعر صرف الدولار دائما ما تصاحبه موجة زيادة في الأسعار، حيث أن الكثير من المنتجات التي نستهلكها يوميا مستوردة، وحتى المنتجات المحلية يدخل في تصنيعها الكثير من المواد الخام المستوردة.
ولذلك هناك تكلفة اجتماعية كبيرة لانخفاض قيمة الجنيه، تتحملها الشرائح المختلفة في المجتمع، لكن الفئات الميسورة لديها فائض في دخلها يمكنها من امتصاص أثر ارتفاع الأسعار، أما الفقراء ومحدودي الدخل فليست لديهم المساحة لذلك، وسيكون عليهم التخلي عن بعض احتياجاتهم الأساسية.
- ما هي التوقعات للفترة القادمة؟
من المتوقع أن يقوم البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه قبل بداية العام المالي الجديد، في يوليو، لتصل إلى ما يتراوح بين ٨٫٢٥ و٨٫٥٠ جنيه للدولار في البنوك. ومن المنتظر أيضا أن يسرع المركزي من اتفاقات التمويل مع المؤسسات المالية العالمية، مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وغيرها، لتوفير العملة الصعبة.
كما يُتوقع أن تبدأ الحكومة في خصخصة بعض الشركات الحكومية، من بنوك وشركات تأمين، لتوفير العملة الصعبة. إضافة لذلك ستلجأ الحكومة للحلفاء الخليجين في أوقات الشدة لضخ الدولار سواء في صورة قروض أو استثمارات مباشرة.
تلك الإجراءات والمبادرات ستتيح للبنك المركزي عملات أجنبية تساعده على الدفاع عن الجنيه. كما يتوقع أن يحافظ المركزي على أسعار الفائدة البنكية مرتفعة، ويوجه البنوك الحكومية لإصدار مزيد من الشهادات مرتفعة الفائدة لتشجيع الأفراد على تحويل مدخراتهم من الدولار للجنيه.
من المتوقع أيضا أن يعمل البنك المركزي على تقليص فاتورة الاستيراد، كما سيستمر في الهجوم على شركات الصرافة وتحميلها مسئولية المضاربة على الدولار. تلك الإجراءات المتعددة قد تساعده على السيطرة على سعر الصرف دون الحاجة لتخفيض كبير، أو للجوء للتعويم والذي يعتبر خطا أحمر، نظرا لردة فعله الاجتماعية والسياسية.
لكن تلك الإجراءات لن تقضي على السوق الموازية التي ستستمر بل وستشتعل من فترة لأخرى.
كما أن الفترة القادمة ستشهد ليس فقط غلاء في الأسعار بل أيضا نقصا في توافر العديد من السلع والمنتجات، ولن يقتصر ذلك على السلع الرفاهية بل سيطال العديد من السلع الأساسية، نتيجة توجه ترشيد الاستيراد.
في النهاية، سيظل الضغط على الجنيه في ازدياد حتى تستقر الأوضاع السياسية والأمنية، ويتم وضع سياسة اقتصادية متكاملة، وتتحسن أوضاع الاقتصاد العالمي وتستقر أسعار البترول.
* المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
تعليقات الفيسبوك