كتب فهمي هويدي (الشروق) - أكلما اقترف فلسطينى ذنبا أو اشتبه فيه عوقب الجنس كله وحلَّت عليه اللعنة؟. قد أفهم أن يُصلب فرد تكفيرا عن ذنب شعب، لكنها المرة الأولى التى نرى الوضع فيها معكوسا، بحيث يُصلب شعب تكفيرا عن ذنب فرد أو بضعة أفراد.
ولئن توقعنا ذلك من إسرائيل التى اغتصبت الأرض وبقى الشعب شوكة فى حلقها، ولذلك تمنت أن يختفى من على وجه البسيطة لتضفى الشرعية على جريمتها، إلا إننا لابد أن نعرب عن الدهشة حين تلجأ بعض الدول العربية إلى ذات الأسلوب، وإن اختلفت الدرجة، وهو ما يحدث فى مصر إلى عهد قريب على الأقل.
أقول هذا الكلام بعد الهجوم الغادر الذى استهدف نقطة حدودية مصرية فى رفح يوم الأحد الماضى 5/8، وأدى إلى مقتل 16 شخصا وإصابة 7، حسب البيانات الرسمية، وأشيع فى الساعات الأولى أن الذين قاموا بالعملية إرهابيون تسللوا من قطاع غزة.
وتبنت الشائعة بعض الأبواق الإعلامية، الأمر الذى ترتب عليه اتخاذ مجموعة من الإجراءات التى استهدفت الفلسطينيين. إذ منعوا من دخول الأراضى المصرية، وأعيدوا من المطارات والموانئ إلى الجهات التى جاءوا منها. وفى ذات الوقت أغلق معبر رفح بالكامل، ولم يسمح لأحد بالخروج من القطاع أو الخروج منه.
وإذا لاحظت أن هذه الأيام تصادف موسم رحلات العمرة التى تتزايد فى العشرة أيام الأخيرة من رمضان، كما انه موسم العطلات، فلك أن تتصور الكرب الذى حل بآلاف المعتمرين الذين لم يمكنوا من العودة إلى القطاع ونظائرهم الذين احتجزوا ولم يسمح لهم بأداء المناسك. ناهيك عن الخسائر التى منيت بها شركات السياحة، التى دفعت ملايين الدولارات، لحجز الفنادق وبطاقات السفر للمعتمرين.
ثم لك أن تتصور موقف آلاف المرضى الراغبين فى العلاج بالخارج، أو العاملين والدارسين ومن أبناء القطاع الذين أرادوا قضاء رمضان والعيد مع أسرهم فى القطاع، ثم منعوا من المرور بمصر لكى يصلوا إلى أهاليهم. (لاحقا خفف القرار بحيث سمح للقادمين بدخول القطاع وظل حظر الخروج منه قائما).
المفاجأة أن ذلك العقاب الجماعى تم استنادا إلى الشائعة التى لم تثبت صحتها. وقد أدركت مصر أن المشكلة فى سيناء وليست فى غزة، بدليل أن طائراتها شنت هجوما شديدا على بعض المواقع فى سيناء، التى يشتبه فى ان تكون مصدرا لبؤر الإرهاب. فى حين لم نعرف أن أى إجراء اتخذ بحق أى طرف فى غزة، رغم ان حكومة القطاع رحبت ببذل أى جهد من جانبها للمساعدة على تتبع الجناة أو ضبطهم.
لا نريد أن نستبق التحقيقات التى مازالت جارية حتى الآن. لكن بوسعنا ان نقول باطمئنان إن الجهات الرسمية فى مصر تسرعت وأقدمت على اتخاذ الإجراءات القاسية، التى أضرت بمصالح آلاف الفلسطينيين، دون أن تتوافر لديها دلائل أكيدة تثبت ضلوع عناصر من القطاع فى الجريمة التى ارتكبت.
للأسف، فليست تلك هى المرة الأولى التى يتعرض فيها الفلسطينيون للعقاب الجماعى ــ الذى يحظره القانون الدولى ويدينه ــ جراء ما نسب إلى نفر منهم، ويتضاعف الأسف إذا علمنا أن ذلك العقاب الجماعى أصبح من التقاليد المستقرة ليست فى السلوك الإسرائيلى فحسب، وإنما فى الأداء السياسى المصرى أىضا. وهذا التحول فى السلوك المصرى بدأ فى عصر الرئيس الأسبق أنور السادات، بوجه أخص بعدما قتلت مجموعة فلسطينية السيد يوسف السباعى فى قبرص عام ١٩٨٧، حين ذهب إليها لحضور اجتماع لمنظمة التضامن الآسيوى الأفريقى. وكانت تلك رسالة موجهة إلى السادات بعدما وقع اتفاق السلام مع إسرائيل فى عام 1979.
وقد رد السادات على ذلك بالانقلاب على الفلسطينيين فى مصر، والتضييق عليهم فى الإقامة والعمل والمرور، وبالغائه كل الميزات التى تمتع بها الفلسطينيون فى الجامعات والمعاهد، وانعكس ذلك الانقلاب على معاملة الفلسطينيين فى المطارات والمعابر، حيث اسيئت معاملتهم وتعمدت السلطات اهانتهم، ومع طول المدة وظهور جيل من الإعلاميين الساداتيين والمطبعين مع إسرائىل تفشت واستقرت ظاهرة «الفلسطينو فوبيا»، بمعنى النفور منهم والعداء لهم. وهى الظاهرة المستمرة إلى الآن فى بعض الأوساط.
نقطة التحول الثانية فى ذلك المنحنى تمثلت فى تولى حركة حماس السلطة فى غزة عام 2008، الأمر الذى ضاعف من مشاعر العداء، لذا لم يعد أهل القطاع فلسطينيين فقط وإنما صار أولو الأمر فيه من الحمساويين ذوى الجذور الإخوانية، أى أنهم ينتسبون إلى الخصم التقليدى لأجهزة الأمن المصرية ونظام مبارك، وهو الذى لم يقصر فى تحويلهم إلى مشجب علقت عليه مختلف الكوارث والبلايا، من كارثة كنيسة القديسيين فى الإسكندرية إلى حوادث القنص والقتل فى ميدان التحرير مرورا بفتح السجون والاعتداء على أقسام الشرطة.
لست أنسى ما قاله لى أحد الفلسطينيين ذات مرة من أنهم باتوا يتمنون أن يعاملوا فى مصر بمثل معاملة الإسرائيليين، وهو تعليق أشعرنى بالخزى والعار، حتى أزعم أن ثورة مصر ستظل منقوصة إذا لم تخرج من طور الفلسطينو فوبيا، لتعود إلى سابق عهدها حضنا للفلسطينيين وعونا لهم لا عونا عليهم.
تعليقات الفيسبوك