لا تلتمسوا الأعذار للإرهابيين

الثلاثاء 30-06-2015 AM 11:50
كتب:

كتب: عماد الدين حسين

في اللحظة التي تلقيت فيها خبر تعرض موكب النائب العام المستشار هشام بركات لمحاولة اغتيال إجرامية ــ قبل أن يلقى وجه ربه ــ كنت أقرأ مقال غسان شربل في الصفحة الأولى من جريدة الحياة اللندنية.

شربل ــ وهو رئيس تحرير الحياة أيضا ــ كتب مقالا بديعا على هامش الجريمة الإرهابية الأخيرة فى تونس يوم الجمعة الماضى، خلاصتها أنه لا أحد فى المنطقة العربية والإسلامية بمنأى من هجمات وأفعال الإرهابيين، وعلى البعض أن يفيق من وهم أن شخصا أو جماعة أو دولة سيكون بعيدا عن هجمات الإرهاب، أو أن النار لن تصل إليه.

المقال بعنوان «لا تغسل يديك» ويدعو فيه الكاتب الجميع إلى عدم التماس أى عذر للإرهاب والإرهابيين والمتطرفين والتعلل بأى حجة من قبيل أن الضحايا ليسوا من جماعتنا أو بلدنا أو ديننا، وأى صمت عن هذا الإرهاب هو عمليا يعنى التحالف مع القتلة والإرهابيين.

هذا المقال لا ينطبق فقط على الذين يبررون ويلتمسون الأعذار للإرهاب فى تونس أو الكويت أو فرنسا، بل فى كل مكان.

تعرضت تونس للإرهاب وهى التى طبقت كل ما يقوله الكتاب عن ديمقراطية الصناديق، اختارت الإخوان بالصندوق ورفضتهم بالصندوق، وتعرضت الكويت للإرهاب وهى واحدة من أغنى البلدان العربية ولديها تجربة متميزة ومحترمة فى الديمقراطية مقارنة بجيرانها الخليجيين. وتعرضت فرنسا للإرهاب وهى بلد التسامح والحرية والمساواة والعلمانية. إذن الإرهابيون لا يحاربون من أجل الديمقراطية أو التنمية أو الحريات والتسامح بل من أجل إقامة نموذج خيالى فى عقولهم فقط.
قد يختلف البعض أو يتفق مع أداء النيابة، أو حتى مع القضاء المصرى بأكمله، لكن هذا شىء ينبغى أن يتم عبر الوسائل القانونية، أما إعطاء مبررات للإرهابيين فشىء مختلف تماما.

الذين اغتالوا هشام بركات لا يؤمنون أساسا بفكرة الديمقراطية من أساسها، ورأيهم أن القضاء الوضعى بدعة تقترب من الكفر، ونموذجهم الملهم هو دولة داعش فى الرقة والموصل.

لو أن هؤلاء الإرهابيين تمكنوا من حكم مصر ــ لا قدر الله ــ فهم لن يكتفوا بتكفير الحاكم والحكومة والأحزاب المدنية والمجتمع المدنى، بل سوف ينقلبون فى اليوم التالى مباشرة على الأحزاب والقوى والجماعات الإسلامية التى يراهن بعضها على الوصول للحكم عبرهم.

يعتقد الذين فكروا وخططوا ونفذوا العملية الإرهابية الجبانة ضد هشام بركات أنهم ينتقمون من النيابة العامة ضد مجمل أدائها منذ ٣ يوليو ٢٠١٣، وأن هذا الحادث سوف يجعل النيابة والقضاة يغيرون موقفهم ويخافون أو يترددون وبالتالى يستفيد أهل العنف والتطرف.

أغلب الظن أن النتيجة الأساسية التى سوف تترسخ عند وكلاء النيابة والقضاة أنهم فعلا يحاربون تنظيمات إرهابية لا تؤمن لا بالقانون أو الدستور، ولا بالدولة أصلا، ولكن ما يشغلهم هو دولة أبوبكر البغدادى فى العراق وسوريا.

درس ما حدث صباح أمس هو أنه لا ينبغى بأى حال من الأحوال التماس الأعذار للإرهابيين. علينا أن ندافع عن دولة القانون وتطبيق الدستور، والتمسك بحقوق الإنسان، وحق المقبوض عليهم فى محاكمات عادلة، بغض النظر عن أفكارهم ومعتقداتهم، علينا أن نفعل ذلك من دون يأس أو وجل أو خوف، وفى الوقت نفسه، ألا نتورط فى تقديم أى دعم للإرهابيين والمتطرفين.

الرهان على أن داعش سوف تمهد الطريق لهدم وتدمير وإسقاط الأنظمة، وأن قوى وجماعات أخرى يمكنها أن تستفيد من ذلك هو محض وهم ينبغى على أصحابه أن يفيقوا منه سريعا.

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys