عودة إلى الحديث فى الشأن السياسى الداخلى، بعد الإعلان الرسمى عن توقيت الانتخابات البرلمانية القادمة بمرحلتيها، يبقى السؤال الأهم مطروحا: «ما طبيعة الدور المتوقع للبرلمان القادم، أو بصورة أكثر تحديدًا، ما طبيعة الدور الذى يفضله أو يرسمه النظام الحالى للبرلمان القادم؟»
نظريًا اقتطع الدستور الجديد وحتى بعد تعديله للبرلمان المصرى صلاحيات واسعة غير مسبوقة جعله بها مهيمنا على السياسة العامة للدولة تشريعًا وتوجيهًا ومراقبة وتصويبًا ؛ ونظريًا أيضًا فإن مجلس نواب كهذا لابد أن يرتكز فى أغلبيته على بناء حزبى ناضج وقوى، قوامه حزبان أو ثلاثة، يمتلك رؤية متكاملة لإدارة الدولة تنسجم مع أجندة تشريعية جاهزة ليس فقط لتغطية خمس سنوات قادمة، بل لتأسيس عمل برلمانى تبنى عليه الدفعات المستقبلية وتنسج على منواله.
لكن المراقب المحايد يرى أن الواقع العملى لحال الأحزاب المصرية فى مجموعها ومستوى نضوجها السياسى وطريقة تعاطيها مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المزمنة لا يعطى حتى الآن انطباعًا مطمئنًا لجماهير المصوتين بقدرتها على استغلال هذه الصلاحيات منفردة، اللهم إلا أقل القليل منها.
وليست جماهير المصوتين فقط بل النظام الحالى نفسه، يتأكد له يوما بعد آخر، وهو يرقب فشل الأحزاب فى مجرد التوافق على تحالف أو أسماء مرشحين بأعينهم، يتأكد له أن القانون الانتخابى المعيب المؤدى إلى مجلس مهلهل لا يعكر على السلطة التنفيذية صفوها هو الأنسب لواقع كهذا.
ولأجل التغلب الجزئى على الآثار السلبية لهذا الواقع، طرحت أكثر من مرة قبل ذلك، بدافع الحرص على المصلحة العامة، رغم انحيازاتى الحزبية، إنه من الضرورى التقاء النخبة السياسية على أرضية مشتركة فيما يتعلق على الأقل بالتشريعات الاقتصادية المنتظرة من البرلمان المقبل، بعيدا عن الاختلافات الأيدولوجية، ورغم معرفتى بصعوبة تحقيق اتفاق كهذا، لكن النتيجة المرجوة تستحق على الأقل المحاولة.
المشكلات الاقتصادية الطاحنة التى نقاسيها «اليوم» كانت مجرد تهديدات تلوح فى أفق «الأمس» إما أنها لم تأخذ على محمل الجد أو لم يلتفت إلى إيجاد حلول لها أو لم يستشعر وجودها أحد من الأساس، فلا يمكن للعقلاء الجزم بأن اقتصاد مصر تدهور على هذا النحو فى غضون أربع سنوات فقط أعقبت ثورة يناير.
وقس الأمر نفسه على مشاكل الطاقة والتعليم والمشكلات الاجتماعية والسياسية وغيرها.
والحقيقة أن التربة الاقتصادية المصرية، قد زحف إليها التصحر وجُرفت على مدى سنين، وما أفلحت معها المعالجة العشوائية التى جرت فى أعقاب الثورة، بل ربما ساعدت فى مزيد من التجريف دون أن تقصد من كثرة التجارب غير المكتملة والجهود المتضاربة التى لا ينظم عملها خطة استراتيجية موحدة.
والتربة السياسية كانت عاقرًا بدورها، فلقد عانت التجريف حتى ما عادت تُنبت إلا قادة مبلغهم من العمل الصياح بالشعارات الرنانة ومنافسة الأقران فى علو الصوت والتشغيب على الخصوم بالحق والباطل والمراوحة بين تهويل وتهوين، دون القدرة على الاطلاع بقيادة عمل عام تنضج فيه خبراتهم وتتراكم.
الحل الأمثل الآن يتلخص فى صياغة أجندة تشريعية موحدة تشمل القضايا الاقتصادية والسياسية الأكثر أهمية، والتى لا تقبل المزيد من التأجيل، أجندة تشريعية تمثل دليلاً استرشاديًا ملزمًا لكل نائب فى مجلس الشعب، لنضمن تحقيقًا تدريجيًا لمطالب الثورة أيًا كان الفائز.
تعليقات الفيسبوك