بلهجتين مصرية وسورية تبارى المذيعان صالح مهران وفؤاد شحاده في كيل المدح لأم كلثوم وعبد الناصر وللعروبة والعرب. كان ذلك في زمن الوحدة بين البلدين، الوحدة التي ذهبت هباء منثورا لأسباب سياسية واجتماعية كثيرة.
تتوالى الأخبار كثيرة عن سوريا وعما يحصل فيها وعما سيحصل فيها، والكل يحبس أنفاسه بعد التصريحات التي أدلى بها أوباما قبل نحو عشرة أيام مؤكدا على وجوب معاقبة النظام السوري على "استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه".
في مارس 2011 دخلت سوريا على خط التحولات العربية التي وقعت في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتابع المصريون إخوانهم السوريين يلتحقون بثورتهم التي سبقهم إليها إخوانهم التونسيون. وكان القرار السياسي المصري ساعتها دعم الشعب السوري في ما يختاره لنفسه.
وحينما تولى الرئيس المعزول محمد مرسي السلطة في يونيو 2012 كان حادا في انتقاد النظام السوري، واغتنم كل مناسبة دولية للتأكيد على ذلك، متسلحا بدعم دولي وخليجي يميل إلى التخلص من نظام اعتبره المجتمع الدولي مزعجا له.
مرسي زاد على ذلك معلنا قطع العلاقات مع سوريا في خطاب حرص على إلقائه بين "أهله وعشيرته" في إطار "مؤتمر الأمة المصرية لدعم الثورة السورية"، وذلك قبل أسبوعين من الإطاحة بنظامه.
"لقد قررنا اليوم قطع العلاقات تماما مع سوريا.. إغلاق سفارة النظام السوري بالقاهرة، وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق."
بهذه البساطة سحق مرسي ما بين البلدين من تاريخ وتراث وعروبة ولغة وقرابة ومصاهرة، بل ووحدة تاريخية.
واعتبر ساعتها أن سياسة مصر تعتبر "سوريا الجديدة جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية بعد أن تتحقق.. آمال الشعب السوري في إقامة دولته الحرة بإرادته الذاتية."
أي إن سوريا لن تكون عربية ولا إسلامية إلا حينما ينتصر المعارضون لنظام بشار الأسد (ومن ضمنهم الإخوان المسلمون طبعا) عليه في المواجهة القائمة.
وبهذه البساطة أيضا ارتهنت هوية سوريا من وجهة النظر المصرية المرسية بانتصار المعارضة على النظام.
هناك من قال إن ذاك الخطاب لمرسي كان القشة التي قصمت ظهر البعير وإن صبر الجيش المصري بعده قد نفد.
وحينما تدخل الجيش وعزل مرسي فتحت السفارة السورية لكن دونما تغيير في الموقف الرسمي القائم. ربما اعتبرت القيادة الجديدة المؤقتة في مصر أن إعادة العلاقات خطوة سياسية لابد أن تتخذ استنادا إلى شرعية دائمة، وربما رأت الوضع القائم فرصة للتحلي باللاموقف ريثما تتضح الأمور في بلاد الشام.
وعندما وقع الهجوم بالأسلحة الكيماوية في منطقة الغوطة بريف دمشق، كانت تلك لحظة لا بد فيها للجميع أن يتخذ موقفا.
وبدأ الخناق يضيق على حكم بشار الأسد، وبدأت المساعي الدولية تتكثف من الجانب الأمريكي والفرنسي من ناحية والروسي من ناحية أخرى. أما على الجانب العربي فمصر أعلنت رفضها التدخل الأجنبي في سوريا لكن حين اجتمعت المنظومة العربية وقررت تحميل الحكومة السورية المسؤولية عن الهجوم الكيماوي، لم تتحفظ على ذلك إلا الجزائر ولبنان والعراق.
وكانت جامعة الدول العربية قد منحت في مارس الماضي مقعد سوريا فيها لائتلاف المعارضة.
أيها الساسة.. إن كان ضرب سوريا وتدميرها لا يحرك عندكم ساكنا.. إن كانت الضرورات والأولويات السياسية تملي عليكم ما تمليه عليكم، فالفخر كل الفخر لغير الساسة.
أنا لا تهمني طائفة الأسد ولا طائفة معارضيه، ولا أعقد مقارنة بين دكتاتوريته وارتهان مصير المعارضة بفكر ومقاتلين من الخارج. ولا أسمي ما يحصل ثورة ضد طاغية ولا تمردا عميلا للخارج.
ففي سوريا نبت التاريخ وفي سوريا ترسخ مجد العرب للمرة الأولى في تاريخهم، وعلى سوريا بكى قيصر...
بل إن في سوريا ولدت جارتنا التي بكت من قبل فلسطين ولبنان والعراق.
وعلى دمشق ذرف شوقي دمعا لا يكفكف. وفيها قال شاعر النيل حافظ ابراهيم قولته التي أعشقها:
لمصر أم لربوع الشام تنتسبُ.. هنا العلا وهناك المجد والحسبُ
وفي دمشق حيث يشم السائر في شوارعها رائحة العطور والتاريخ والحضارة قال قباني "كانت أمي تحب الله والفل الدمشقي".
وسواء كان ضرب سوريا قد حسم أو لم يحسم في الدوائر غير الرسمية لصنع القرار فإن سوريا التي نعشقها محفوظة في قلوبنا، زرناها أو لم نزرها.
أكاد أرى المعلم رضا يعانق المعلم أبو صياح، ودريدا يمازح عادل إمام وأبو عنتر يصافح سلومة الأقرع وصباح فخري يبسم لآهٍ كلثومية.
كلنا سوريا.. كلنا سوريا!
تعليقات الفيسبوك