بعيدا عن الشعارات البراقة، هناك معضلة رئيسية تواجه الحكومة الجديدة.
وهي أن الشعب نزل الشوارع بالملايين ضد الإخوان، ثم تدخل الجيش لتنفيذ إرادة الشعب، لكن الذى يواجه، ويتحمل عبء المواجهة اليومية ضد الإخوان وأنصارهم ــ بجانب الجيش ــ هو وزارة الداخلية التى يعتبرها البعض قلب هجوم الثورة المضادة.
إذن كيف يمكن حل هذه المعضلة؟!.
بالطبع لا يمكن إلغاء وزارة الداخلية، وإلا لكان الثوار قد فعلوا ذلك يوم 11 فبراير 2011، فثورتهم في 25 يناير كانت في الأساس ضد الوزارة الداخلية وبعض ممارساتها القمعية.
الآن نسمع الإخوان يصرخون ويولولون صائحين: «الحق انقلاب 30 يونيو أعاد وزارة الداخلية وممارساتها».
لسوء الحظ فإنهم ينسون اختراعا مهما اسمه الأرشيف واليوتيوب، الذي يقول لنا إنه طوال عام كامل من حكم الإخوان لم يفعلوا شيئا لهيكلة الوزارة أو تغيير عقيدتها الأمنية، بل ــ ولمن نسي منهم ــ فإن محمد مرسي قال على الهواء إنهم «إخواننا وحبايبنا.. وكانوا في القلب من ثورة يناير».
من يقول ذلك لا يحق له الآن الادعاء بأنه كان ضد هذه المؤسسة.
هل معنى ذلك أن نتوقف تماما عن المطالبة باحترام الشرطة لحقوق الإنسان؟! المؤكد أن الإجابة هي لا.
نعود للمعضلة ونسأل ثانية: هل تستطيع القوى السياسية المؤيدة للحكومة الجديدة أن تقول للشرطة: «توقفوا عن عملكم حتى نطهركم»؟ .
بالطبع هذا حل مستحيل، والمسئول الرئيسي عنه هو الإخوان وسوء أدائهم.
جزء من المعضلة أنه ـ لا قدّر الله ـ إذا استمر الصراع في المجتمع لفترة طويلة بين الدولة وأجهزتها من جهة وبين الإخوان، فإن فكرة إجراء أى تعديلات حقيقية على أداء الشرطة سيكون صعبا، لأنها عندما ستواجه جماعات العنف، ويسقط لها بعض الشهداء، سوف ترد فورا على كل من ينتقدها وتقول له: التزم الصمت أو تعال لتحارب بدلا منا.
مرة أخرى: ماذا يمكن القوى المدنية أن تفعل لتخرج من هذا المأزق؟.
أولا: أن تسعى بكل السبل لحل المشكلة سياسيا فتريح الشرطة وتريح كل المجتمع، وإذا تعثرت لأي سبب فلا تجعل الحل أمنيا فقط، بل حلا شاملا.
لكن إذا لم ينجح كل ما سبق وكان قدرنا هو أن المواجهة ستكون أمنية فقط، فالمطلوب أن تدرك الحكومة أن الشرطة قد تتحول إلى «كعب أخيل» الذي ينفذ منها كل أعداء النظام الراهن كي يشوهوا صورته.
في هذه الحالة يمكن للحكومة أن تبادر إلى الطلب من وزارة الداخلية في إعادة تأهيل وتدريب كل كوادرها من جندي الأمن المركزي الغلبان إلى بعض اللواءات الذين يظنون أنفسهم آلهة.
في الماضي كانت الشرطة تتعلل بأن القوى السياسية تريد تدميرها، الآن هناك فرصة تاريخية، فالشعب سامح الشرطة على ممارسات ما قبل 28 يناير 2011، ورفع بعض جنودها فوق كتفيه يوم 30 يونيو الماضي، ولا يوجد ضغط أو محاولة إذلال لها.
كل ما يطلبه الشعب أن تعمل الشرطة طبقا لقواعد واضحة وشفافة، وأن تدرك أن العودة إلى قواعد يوم 24 يناير 2011 مستحيلة، ولا حل سوى أن تكون شرطة مدنية محترفة، عملها هو خدمة الشعب ومعاملة الجميع باحترام حتى لو كان متهما بالتجسس للعدو.
تعليقات الفيسبوك