زيارة المشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والسفير نبيل فهمى وزير الخارجية إلى روسيا ضربة معلم، وستكون لها تأثيرات مستقبلية كثيرة لمصلحة مصر.
ورغم ذلك نرجو من كل المنفعلين والمتحمسين ومدمنى نظرية «الأبيض والأسود» أن يضعوا الأمور فى نصابها، وان يوقنوا ان الانتصارات الكاملة والهزائم الكاملة لم تعد موجودة فى قاموس السياسة هذه الأيام.
للأسف فإن البعض ــ وبحسن نية شديد ــ لا يزال يفكر بطريقة أن التقارب المصرى والروسى الأخير سيعنى ليس فقط قطع العلاقات مع امريكا بل طردها من كل المنطقة إلى أبد الأبدين، وتبخر إسرائيل وتلاشيها بعد أن ننفخ فيها.
هذا التيار يفكر بطريقة سطحية ومسطحة أو بطريقة أقرب إلى التمنى منها إلى الحقيقة.
ليت الأمور كانت بمثل هذه السهولة ولو كنا اقوياء بهذه الدرجة ما احتجنا الى روسيا او غيرها اصلا. ولو أن التحالف مع قوة عظمى سيحل مشاكلنا كنا قد فعلنا ذلك مع روسيا عندما كانت القوة العظمى زمن الاتحاد السوفييتى حتى تفككه نهاية الثمانينيات.
روسيا نفسها شهدت أياما وفترات عصيبة نهاية حكم ميخائيل جورباتشوف وطوال حكم بوريس يلتسين ولم تبدأ فى التعافى إلا عندما جاء فلاديمير بوتين.
حقائق السياسة فرضت على روسيا الصهينة على الغزو الأمريكى الهمجى للعراق واستباحة المنطقة، بل والتمدد حتى وصلت إلى حدود روسيا نفسها ومحاولات ابتزازها تارة عبر جورجيا وتارة عبر اوكرانيا كما يحدث الآن.
اضطرت روسيا قبل سنوات إلى مسايرة الغرب عندما كانت فى حاجة ماسة إلى قرض صندوق النقد الدولى بقيمة أربعين مليار دولار، وبدأت تفكر بواقعية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.
لا أريد أن ألعب دور من يفسد الفرح أو «يضع الملح على الجاتوه». فقط أريد التنبيه أن نكون واقعين قدر المستطاع، وعقلانيين إلى آخر مدى.
مرة أخرى زيارة السيسى وفهمى إلى موسكو خطوة سياسية بارعة وتوقيتها ممتاز ومختار بعناية وإذا وضعت فى سياق صحيح فربما تقودنا إلى الخروج من النفق الأمريكى الذى تعثرنا فيه منذ زيارة السادات إلى القدس فى نوفمبر 1977.
لكن هل معنى التقارب مع موسكو الابتعاد عن واشنطن والغرب.. بمعنى انه اما ان اكون حليفا لأمريكا وعدوا لروسيا او صديقا لروسيا وعدوا لأمريكا؟.
أى عاقل يدرك أنه لم تعد هناك معادلة بهذا الشكل الذى كان موجودا فى الستينيات والسبعينيات أثناء الحرب الباردة.
التطورات الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وثورة الاتصالات جعلت العالم فعلا قرية واحدة، ولا يستطيع أحد أن ينعزل عن العالم ــ حتى لو اراد ــ بما فيها أمريكا نفسها.
وإذا كنا نقول إن الأشقاء فى الخليج لن يساعدونا ماليا إلى ما لا نهاية، فهل نتوقع ذلك من روسيا؟!.
الأمر وما فيه أن نسعى لتوظيف علاقتنا السياسية مع الجميع من أجل تعظيم مصالحنا «وألا نرمى كل البيض فى سلة واحدة»، لأننا جربنا وصفقة 99٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا، ودفعنا ثمنا غاليا جراء ذلك، علينا ان نتوقف عن سياسة التصنيفات الثنائية العجيبة والتفكير بمنطق الابيض والاسود.
الغرب ليس كله استعماريا، فيه العلم والأبحاث والإبداع والتكنولوجيا والثقافة والفن والديمقراطية، والشرق ليس كله مثاليا.
نريد تطبيقا عصريا لمقولة «نصادق من يصادقنا ونعادى من يعادينا».
تعليقات الفيسبوك