حين جلس الخبير الأمنى والذى كان يعمل لواء سابقا فى إحدى الجهات الأمنية فى مواجهة ممثل نقابة الصحفيين فى أحد البرامج الحوارية التى تناقش الاعتراضات على قانون الارهاب المزمع إقراره قال الرجل ما معناه: (لو الصحفيين هيعترضوا على قانون الارهاب هنقعد الصحفيين فى البيت).
عَبر الرجل فى تهديده هذا عن اتجاه قائم فى مصر الآن يهدر فكرة الحريات ويتجاوزها تحت دعاوى حماية الأمن بل ويذهب لأبعد من ذلك بمخالفة مواد دستور 2014 الذى صاغته السلطة القائمة وحصل على تصويت شعبى كبير لإقراره كدستور للبلاد.
•••
هذه المدرسة التى تنتج هذه الأفكار القاصرة لا تعيد النظر فيما حدث فى مصر خلال عامين من انتهاكات بالغة وتجاوز للقانون والدستور تحت نفس المبررات وكانت النتيجة تصاعد الإرهاب وتطور عملياته النوعية الذى كان يجب أن يكون سببا لاستفاقة الجميع لمراجعة المسار وليس استكمال السير بنفس النهج الذى أوصلنا للبؤس الحالى، منذ تعالت خطابات (افرم واقتل) و(تسقط حقوق الإنسان) وغيرها من هذه الترهات والارهاب ينتشر ولا ينحسر، ولا نجد تفكيرا موضوعيا يحلل أسباب استمرار الارهاب وتصاعده بل يفاجئنا مقترح قانون يحوى عددا من المواد الكارثية التى لا يمكن تفهم العقلية التى صاغتها!
المادة 6 من القانون ــ على سبيل المثال ــ هى دعوة للقتل ويمكن تسميتها (مادة التصفية) إذ تنص على التالى (لا يسأل جنائيا القائمون على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضروريا وبالقدر الكافى لدفع الخطر) وهذا يعنى بوضوح تصريح دائم بالقتل لمأمور الضبط، وجعل القاتل فوق المساءلة وتحصينه من العقاب خاصة مع عدم تقييد المادة بمعايير تحمى الناس من إفراط أو نزق أو سوء تقدير محتمل يؤدى لسفك دماء أبرياء.
يقول الفقيه الدستورى الشهير الدكتور ثروت بدوى: أن قانون الإرهاب ما هو إلا إهدار لجميع ضمانات الحرية للمواطنين، وإهدار سيادة القانون فى الدولة، والرغبة الصريحة والمعلنة لإزالة جميع الضوابط المقيدة لسلطات الحكام وأن القوانين التى كانت قائمة من قبل كفيلة بالحفاظ على مصر وحماية الحاكم والمحكوم، علاوة على أننا لسنا فى حاجة لقانون الإرهاب للحفاظ على مصر.
أما نقابة الصحفيين المصرية فقد قالت إن مشروع قانون «مكافحة الإرهاب» حفل بما وصفته بـ«العديد من المواد التى تخالف بشكل صريح المادة (71) من الدستور، وما نصت عليه من «حظر توقيع أى عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى تُرتكب بطريق النشر أو العلانية.
ووصفت النقابة المادة (33) بـ«الخطيرة» التى تخالف النص الدستورى، وتعيد من جديد عقوبة الحبس، بل وتصادر حق الصحفى فى الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة وتحصرها فى جهة واحدة، الأمر الذى يُمثل ارتدادا واضحا على حرية الرأى والنشر التعبير، إذ لم تكتف المادة المذكورة بإعادة الحبس فى قضايا النشر بالمخالفة للدستور، بل جعلت من السلطة التنفيذية رقيبا على الصحافة وحريتها، ومعيارا للحقيقة، وفتحت الباب لمصادرة حرية الصحافة، وإهدار جميع الضمانات التى كفلها القانون للصحفى. وقالت النقابة إن هذا القانون جاء ليغلق الباب أمام كل المحاولات التى تسعى إلى أن تكون الصحافة معبرة عن المجتمع بكل طوائفه، ويفتح الباب أمام عودة الرقابة على الصحافة والإعلام عبر نصوص قانونية تضرب حرية الصحافة فى مقتل، وإنها إذ تعلن عن مساندتها للدولة المصرية ومؤسساتها فى حربها على الإرهاب، فإنها تؤكد أن محاربة الإرهاب لا تكون بمصادرة الحريات العامة، وفى القلب منها حرية الصحافة والإعلام، بل بإطلاق الحريات العامة وإدخال المجتمع كشريك رئيسى فى مواجهة جماعات التطرف والعنف.
•••
من المؤسف أن تجربة عامين فى مصر لم تكن كافية لنتوقف بل يصدمنا تعالى هذه الأصوات المعادية للحريات والمبررة للقمع رغم أن خطابها المتهافت سبب رئيسى فيما نحن فيه الآن، لم يكن هناك ما يغل يد الدولة على مدى عامين لمحاربة الارهاب فقد كان لديها كل الصلاحيات التى لم تكتف بها وتجاوزتها فى كثير من الأحيان، حتى الحديث عن أن العدالة غير ناجزة والدعوات لتعديلات غريبة تهدر حق المواطن فى محاكمة عادلة تجافى حقيقة الواقع الذى يؤكد من خلال احصائيات موثقة ــ كان من بينها تحقيق جريدة الشروق المميز عن العدالة الناجزة فى مصر عقب 30 يونيو بالمقارنة بما حدث عقب ثورة يناير من محاكمات نظام مبارك ــ أننا لسنا بحاجة لهذه التعديلات وأن المشكلة ليست فى انجاز العدالة بقدر ما هى مشكلة فى طريقة معالجة الأمور وإدارة المشهد العام.
الحجة الجاهزة والمملة هى اتهام كل المدافعين عن الحريات بأنهم يدعمون الإرهاب وأنهم يشاركون فى إسقاط الدولة المصرية ومرتبطون بأجندات أجنبية وغيرها من التهم البلهاء التى صارت بلا قيمة، نحن لا نخوض حروب الجيل الرابع والخامس بل نخوض حروب الجيل الفاشل الذى يصر على فرض وجهة نظره التى تكبدنا بسببها كل هذه الخسائر، لسان الحال يقول لقد جربنا طريقتكم فجربوا طريقتنا فربما تنجحون فيما فشلتم فيه وتحمون مصر من مستقبل بائس تمضى إليه عبر مسارات دموية تطال الجميع، نحن ضد الإرهاب وضد كل ما يصنعه ويهيئ له المناخ.
تعليقات الفيسبوك