لدى مشروع مؤجل منذ قرابة عام للكتابة عن الرئيس جمال عبدالناصر بعيون زوجته السيدة تحية فى كتابها الممتع « ذكريات معه». فى كل مرة أمسك بالقلم لأكتب عنه وأيضا عنها أمتنع، فكل بلاغة الدنيا لا تصف حبها له واقتناعها به.
بينما كان كتابها يلتهمنى رحت أعد عدد المرات التى ذكرت فيها تحية كم كانت سعيدة مع عبدالناصر، بل فى غاية السعادة، بل لا ترى معه إلا السعادة، فأحصيت 18 مرة استخدمت فيها تحية هذا اللفظ، وبعد ذلك توقفت عن العد.
كان رئيسنا وزوجها فى زمن فاض فيه إشعاع مصر سياسة وثقافة على الإقليم، ومع ذلك تقول عنه تحية إنه لم يقبل منها قط أن تساعده فى خلع سترته بعد يوم عمل طويل ولم يكن أطول من أيام عمل عبدالناصر. يذهب لإجراء جراحة الزائدة ويخفى عنها حتى يفيق من المخدر فيهاتفها وتهرول إليه. لا يضع قطعة واحدة من الكباب فى فمه قبل أن يطلب لها مثله لأنه لا يصح أن يتناول عشاء فاخرا خارج بيته ولا تتناول تحية إلا الجبن.
يدارى عنها نبأ وفاة شقيقها الأعز حتى تنتهى من وجبة الغداء فيصارحها وتجهش باكية. يوما ما سأتحرر من شعورى بالضعف أمام هذا الطوفان من الحب لأكتب عن عبدالناصر كما عاشت معه تحية 26 عاما، منهم 8 قبل الثورة و18 بعدها.
لكن حتى يأتى هذا اليوم سأحاول أن أدخل إلى الموضوع نفسه من مدخل مختلف، مدخل يتناسب مع اقتراب موعد أول إنتخابات رئاسية تنافسية تشهدها مصر، وأسأل : كيف تنظر زوجات المرشحين المحتملين للرئاسة ــ كما تطلق عليهم وسائل الإعلام- إلى أزواجهن؟. يقينا لا موضع للمقارنة بين ظرف تحية كاظم وظرف أى امرأة أخرى ممن سأعرض لهن، فتجربة تحية موثقة فى كتاب وتجارب زوجات المرشحين أحاديث صحفية. وذكريات تحية لا تشوبها شبهة الدعاية لزوجها لأنها كتبتها بعد ثلاثة أعوام من رحيله بينما حكايات زوجات المرشحين الحاليين تساهم فى رسم صورنا الذهنية لهم، فليس بالسياسة والاقتصاد وحدهما يصوت الناخب. أما عنوان المقال فإنه مشتق من عنوان مشابه لمسلسل عربى شهير هو « نصف ربيع الآخر» عرضه التلفزيون المصرى فى منتصف التسعينيات.
●●●
بداية عندما نقرأ عن المرشحين، سنجد أن أيا من الزوجات عدا زوجة المرشح خالد على لم تتحمس لترشح زوجها للرئاسة عندما عرض عليها الأمر، خوفا من أعباء المنصب ربما، حرصا على وجوده فى الأسرة ربما، تحسبا من الفشل ربما، أو ربما لأن الزوجة تفضل زوجها فى موقع آخر غير موقع الرئيس. ولكون المبرر الأخير له دلالته الخاصة أتوقف عنده وأستعيد ما قالته نجلاء محمود زوجة محمد مرسى عن أنها كانت تتوقع زوجها رئيسا للوزراء لا رئيسا للجمهورية، وأنها سعدت جدا لاختيار خيرت الشاطر مرشحا للرئاسة ثم كان ما كان والرأى فى النهاية للمؤسسة. بدورها زينب عبدالرحمن زوجة أبو العز الحريرى كانت تفضل أن يكون زوجها نائبا للرئيس لا الرئيس نفسه. أما نجلاء هاشم زوجة خالد على فوحدها التى تحمست من البداية للفكرة وأيدتها بسؤال: ولم لا؟ وأظن أن هناك دخلا كبيرا لمتغير العمر ضمن أسباب أخرى فى هذا الفارق بين مواقف الزوجات الثلاث.
الزوج المرشح لا يكل من العمل، وقته قليل للأسرة وربما كلامه أيضا كما تقول ليلى بدوى زوجة عمرو موسى. أما كيف يتصرف فى وقته داخل البيت ففارق بين حالة وأخرى، متعاون جدا ويمكن أن يقوم بجميع المهام المنزلية مثل أبو العز الحريرى، متعاون ويساعد فى بعض الأعمال المنزلية مثل محمد سليم العوا ومحمد مرسى، يلاعب أطفاله الشطرنج والبلاى ستيشن ويشاهد الكارتون مثل خالد على، غير متعاون لأنه مشغول مثل حمدين صباحى. وفى تعداد الصفات الإيجابية للزوج ستجد زوجة محمد مرسى تكثر من استخدام أفعل التفضيل فهو أحسن أب وأحسن زوج وأحسن أخ وأحسن إبن. وزوجة أبو العز الحريرى تصفه بأنه كريم الخلق ،عف اللسان، سخى فى ماله وعواطفه، محب لوطنه لا يغادره حتى معها حين تعار للخارج، بلا نزوات شخصية وتلك هى الإشارة الوحيدة لهذه النقطة فى كل ما قرأت. ستجد أيضا زوجة محمد سليم العوا تصفه بالصراحة وتعتبره صديقا. وزوجة خالد على تتحدث عن طيبته وحنانه وتفهمه وبعده عن السيطرة.
أما الزهد سواء فى وصف الزوج أو فى وصف الزوجة لنفسها فسوف تجده قاسما مشتركا بين الجميع، والمعنى المراد إيصاله هو أن المرشح المحتمل غير قابل للإفساد ولا أيضا شريكة حياته. لذلك كان طريفا أن تتبرأ الزوجات من فكرة الانتقال إلى قصر الرئاسة وكأن فى الأمر سبة وأن تتمسك أكثرهن بالبقاء فى منزل الزوجية إلا إذا اقتضت المراسيم البروتوكولية غير ذلك. لقد طارد شبح زوجة الرئيس السابق التى كانت ترفل فى النعيم زوجات المرشحين الرئاسيين الحاليين فلجأن لتعريف أنفسهن بعكسه. وبطبيعة الحال فإن ذلك يصدق بدرجة أكبر على مسألة الدور السياسى لزوجة الرئيس المقبل، فثمة اتفاق بين كافة زوجات المرشحين من أقصى اليمين لأقصى اليسار على عدم التدخل فى السياسة، مع أن بعضهن سياسيات مخضرمات وربما حتى مرشحات برلمانيات. واللافت أنه مع أن نموذج الزوجة غير المسيسة كان هو ذلك الذى قدمته تحية كاظم بامتياز، إلا أن أيا من زوجات المرشحين لم تشر له فيما جرت مثلا إشارة لزوجتى رجب طيب أردوغان ومحمود أحمدى نجاد.
فى استحضار التاريخ السياسى للرئيس المحتمل تبرز تجربة السجن كعلامة مهمة على دوره فى المعارضة وعلى ثقل موازينه مقارنة بسواه من المرشحين. إن كثيرين يعرفون أن أبو العز الحريرى تعرض للاعتقال لكن منهم من لا يعرف أنه اعتقل 17 مرة، وهذا يعنى أن عداء النظام السابق هو مع فكرة المعارضة فى حد ذاتها وليس مع فكر المعارضة يمينا أو يسارا بالتحديد، وهناك فارق كبير جدا بين هذا وذاك. ومن بين المرات التى تعرض فيها حمدين صباحى للسجن تتوقف سهام نجم أمام مرارة تجربة عام 1997 عندما رفض حراس سجن طرة أن تدخل بما تحمل فى السيارة فيما كانت تمرق بجانبها سيارة مرسيدس فارهة تنقل للجاسوس الإسرائيلى عزام عزام كل ما لذ وطاب، كنا أغرابا فى وطننا. ومن المؤكد أن لزوجة عبدالمنعم أبو الفتوح قصصا عن معاناتها من سجن الزوج، لو قدر لها أن ترويها. وعندما يطول الاعتقال الإبن ويتخذ أداة للضغط على والده، تكون للمعاناة بعض الأبعاد الجديدة، وعن هذا تحدثت نجلاء محمود زوجة محمد مرسى.
●●●
أن تقول لنا زوجة المرشح أى رجل هو فى علاقته بها وبأهله وبناسه وبأصحابه، أقول لكم أى رئيس سيكون لبلده وشعبه وإلى أى مدى سيخلص فى خدمته، فقط كل المطلوب هو أن تصدقنا الزوجة القول فيما لا نعلم
تعليقات الفيسبوك