«إنها وظيفة أفخر بالحصول عليها»
كان ذلك قبل خمس سنوات، عندما تولى بيتر أوبورن منصب كبير المعلقين السياسيين لصحيفة ديلى تليجراف الانجليزية، الصحيفة المفضلة لجده. لكنه كتب قبل أيام هجائية نادرة فى الصحيفة، وصفها البروفيسور جاى روزن من جامعة نيويورك، بأنها «أهم ما كتبه صحفى عن الصحافة أخيرا».
كانت الصحيفة تعانى فى 2010 أزمة مالية، دفعتها لفصل دفعات متوالية من المحررين، وانعكس الأمر على المحتوى الذى أصبح فقيرا، مليئا بالأخطاء المعلوماتية واللغوية. ووصل تهافت الصحيفة على الانتشار بأى ثمن، إلى نشر خبر على موقعها عن سيدة أمريكية بثلاثة أثداء، لمجرد زيادة أعداد الزائرين، رغم أن إدارة الصحيفة كانت تعرف أن الخبر كاذب قبل نشره.
وما حدث كان المزيد من السقوط المهنى والجماهيرى، لأن هذا النوع من التسابق المحموم على إرضاء الرغبات «الفرويدية» للقارئ، قد ينعش انتشار المواقع مؤقتا، لكنه يسحبها إلى القاع بالتدريج، كما نرى فى مصر.
وقائمة العار من المواقع والإعلاميين هنا أكبر مما يتصور أوبورن.
بالفيديو: حصريا ريهام سعيد وأول لقاء مع فتاة معاقة ذهنيا اغتصبها أمين شرطة.
لن تصدق ماذا سترى من فضيحة، إحراج، سفالة، ضرب، وقلة أدب. شاهد قبل الحذف للكبار فقط +18.
ضحية اغتصاب والده يروى تفاصيل بشعة أثناء الاعتداء عليه.
وائل الإبراشى يعرض فيديو اغتصاب فتاة الثانوية فى شبرا الخيمة.
ضحية محاولة الاغتصاب فى شبرا تروى تفاصيل الواقعة.
فيديو.. ضحية لاعب الزمالك تكشف تفاصيل اغتصابها وتصويرها عارية.
عينات حقيقية من أسلوب إعلامنا فى جذب الزائرين على جثث الضحايا، على طريقة السيرك: قرررب. يسقط الجميع مادام الإعلامى الكبير والإعلامية القنبلة ومن وراءهما، يحصدون المشاهدة.
فى العام الماضى اتفق بيتر أوبورن مع الإدارة على كتابة تقرير عن إغلاق حسابات لبريطانيين مسلمين فى بنك HSBC، دون أسباب معلنة، لكن الصحيفة رفضت نشره. ويحكى أوبورن عن أمثلة أخرى لمجاملة للبنك دفعته للاستقالة، ونشر بيانه الذى أشعل أوساط الصحافة فى بريطانيا.
«سببان دفعانى لنشر البيان، الأول خوفى على صحيفة تليجراف، والثانى ـ وهو الأهم ـ مصير الصحافة الحرة، التى هى ضرورة للمجتمع الديمقراطى».
الصحافة الحرة فى مصر لم تكن، ولم تولد من الأصل فى هذا البلد، باسثناءات نادرة، كما حدث فى فوران ما بعد يناير 2011. الصحفى المصرى يعرف منذ يومه الأول أنه هنا لمداهنة أصحاب المصالح، وإذا التفت إلى قارئه، يرمى له «نكتة أو قلشة» أو جريمة جنسية، على سبيل التسلية.
فى عام 2010 كنت أراهن زملائى على وضع كومة الصحف اليومية على المكتب فى صورة مروحة، لنحصى كم مانشيتا يبدأ بكلمة مبارك، فهل تغير الوضع كثيرا الآن؟.
ليست ديلى تليجراف التى وقعت وحدها فى خطيئة الانحياز لمصالح معلنيها، يضيف أوبورن أن «السنوات الأخيرة للإعلام شهدت صعود المسئولين التنفيديين «المريبين، الذين يحددون الحقائق التى يجب أو لايجب نشرها فى التيار الرئيسى للإعلام».
تخضع الصحيفة المصرية غير الحكومية لتدريبات ترويض قاسية، على غرار ما يحدث لحيوانات السيرك أيضا، حتى تصبح «على كيف» النظام السياسى، والمعلنين، وأصحاب المصالح، وجماعات الضغط.
«هناك هدف للصحافة، يتجاوز مجرد التسلية، أو مداهنة القوى السياسية وكبار الفاسدين والأثرياء»، يقولها أوبورن وهو يذكرنا بحقيقة مقدسة: «على الصحافة واجب دستورى، بأن تخبر قارئها بالحقائق».
عن أى واجب دستورى يتحدث الرجل؟.
تعليقات الفيسبوك