كتب: خالد أبو بكر
تابعت الضجة التي أثارها إعلان قبيلة «الترابين» لمواجهة الإرهابيين في سيناء، واعتبار البعض ذلك بداية النهاية للقضاء على الإرهاب، ووصف الآخرين له بالكارثة، وأنه خطوة ستزيد من جراح شبه الجزيرة التي ستصبح مرشحة للدخول في موجة من الاحتراب الأهلي، مع وصلات في رثاء الدولة التي أعلن وفاتها بمساندة القبائل للجيش.
وقبل عرض رؤيتى لهذا الإعلان أقول لك: إذا كنت قلقا من دخول القبائل على خط مواجهة الإرهاب على حضور الدولة فى سيناء، دعنى أطمئنك.. فلا دولة موجودة على الأراضى السيناوية باستثناء الرجال الذين يحاربون الإرهاب دون أى دعم من بقية المؤسسات، فى ظل حكومة «الأنفار» التى تدير مصر بمنطق عمال التراحيل (على ما تفرج).
وإذا كنت خائفا من انتشار السلاح فى يد القبائل.. دعنى أزيدك اطمئنانا بأن السلاح فى يد كل سيناوى، باعتباره من مكونات الشرف والفخر عند البدوى، فكل القبائل تحمل السلاح وبعلم الأجهزة الأمنية.
والآن يأتى السؤال.. هل إعلان «الترابين» وغيرها الدفاع عن أعراضهم وأبنائهم ضد الإرهابيين، من خلال تأمين ما أسميه «النطاق الدفاعى للقبيلة» معناه أن الجيش «عمل للخلف در» وترك سيناء؟
الإجابة حتما بـ«لا» فلا الجيش المصرى سيترك سيناء تحت أى ظرف «مش هنسيب سيناء.. الجيش مش هيسيب سيناء»، وهى كلمة أثيرة للرئيس، ولا كل قبيلة ستشكل ميليشيا تحت زعامة شيخها، فى دولة من أهم سماتها المركزية الحديدية التى لا تسمح بهوامش للحركة حتى فى المحليات.
كل ما فى الأمر ــ من وجهة نظرى ــ أن تغييرا طرأ فى تعاطى أهالى سيناء مع المعركة الدائرة على أراضيهم، فبعد أن اعتبروا أنه لا ناقة لهم فيها ولا جمل والتزموا الحياد؛ لرواسب غضب من إهمال الدولة وتعاملها القمعى مع أبنائهم منذ 2004، بدأوا يتأكدون من أن خطر الإرهاب يهدد حياتهم نفسها، فبدأوا يميلون إلى صف الدولة، عبر إعلان «الترابين» وغيرها رفع الغطاء عن الإرهابيين الذين يهربون من ملاحقة القوات بقراهم ومزارعهم، وهو كثيرا ما غل يدها فى التعامل معهم.
وعلينا الانتباه لنقطة مهمة وهى أن وجود هذه التنظيمات الإرهابية ــ التى تقطع رأس كل من يخالفها ــ يخل بموازين القوى فى المجتمع السيناوى وبنيته الاجتماعية التى تحكمها أعراف وتقاليد صارمة، فقد عشت هذه الحالة فى أسيوط مع «الجماعة الإسلامية» فى التسعينيات، ذلك أن نفوذها وقوتها تخطى نفوذ العائلات الكبيرة فى المراكز والقرى، وهو ما أدى لسخطهم عليها.
وبالتالى أتصور أن الجهد الذى يمكن أن تقدمه القبائل سيظل محصورا فى تأمين نطاق كل قبيلة من دخول الإرهابيين والاحتماء به، مع تقديم المعلومات التى تساعد الجيش على دحر هؤلاء المجرمين.
وأقول لمن قارب بين حماية قبائل سيناء لديارها وتجربة باكستان فى الاستعانة بقبائل «البشتون» على الحدود الافغانية فى دحر الإرهاب: لعلك لا تعرف أن هذه القبائل الباكستانية تتمتع بحكم شبه ذاتى فى مناطقها، ولديها ميليشيات منذ عشرات السنين، لمكافحة العصابات الاجرامية؛ وبالتالى فهى مختلفة عن سيناء التى لم تعرف قبائلها الميليشيات، وتخضع لدستور وقوانين الدولة.
وأقول لمن قارب بين إعلان «الترابين» و«صحوات العراق»: شتان بين عشائر كونت ميليشيا تحت حكم احتلال أجنبى فكك الدولة العراقية وحل جيشها الوطنى، وبين قبائل تحاول الدفاع عن النفس فى ظل حماية أوسع وأشمل من قواتها المسلحة الوطنية. أما من قارب بين إعلان قبائل سيناء وتجربة البشير فى استقوائه بالقبائل العربية ضد القبائل الأفريقية بدارفور، فلا رد عليه، لأنها مقاربة غير منطقية.
وأخيرا إلى الرئيس السيسى: حكومة «الأنفار» تخصم من رصيدك.. نريد حكومة تعرف إحداثيات سيناء على الخريطة.. وتندفع فى اتجاهها.. وتنتزع بالتنمية مرارة السيناوية من الحلوق.. بدون ذلك.. دعنا نستقبل طويلا مواكب الشهداء.
تعليقات الفيسبوك