البداية كانت يوم الخميس 18 يوليو 2013، خلال الاجتماع الأسبوعي للجنة انتخابات جبهة الإنقاذ والذي يعقد في مقر حزب الوفد.
كان السؤال الذي يشغل أعضاء اللجنة خلال ذلك الاجتماع هو التالي: ما دور اللجنة الآن بعد نجاح 30 يونيو وبعد أن تحقق الهدف الرئيسي لتشكيل جبهة الانقاذ، ألا وهو التخلص من حكم الاخوان؟
فبعد أن تكونت جبهة الإنقاذ كرد على الإعلان الدستوري الديكتاتوري لمحمد مرسي في 22 نوفمبر 2012، تم تشكيل لجنة الانتخابات كوسيلة لتجميع كل القوي الانتخابية في تحالف انتخابي واحد والعمل على الفوز بالانتخابات النيابية كوسيلة للحد من رغبات الاخوان المسلمين للسيطرة التامة على كل مفاصل الدولة بأي شكل لتحقيق الحكم الشمولي الذي لا يختلف عن سابقه إلا في إضافة الصبغة الدينية.
وفي ذلك الاجتماع الذي جاء بعيد 30 يونيو قررت اللجنة أنه لابد من الاستفادة من الخبرات المكتسبة طوال السبعة أشهر السابقة وهذا التجمع الكبير للقوي المدنية، للعمل سويا على اختيار نظام انتخابي يحقق طموحات الشعب المصري واهداف 25 يناير في تشكيل مجلس نيابي قوي تشريعيا شرس رقابيا يساعد على تداول السلطة بدون الحاجة للعودة للشارع في كل مرة يحيد فيها رئيس الجمهورية وجهازه التنفيذي عن مصلحة الوطن لتحقيق مصالح جماعة أو فئة معينة.
وقد تم تكليف المجموعة الفنية للجنة برئاسة م. عادل اديب من الحزب المصري الديمقراطي وعضوية م. نبيل سلطان ود. أحمد حسني من حزب المصريين الأحرار وا. شكري أسمر من حزب مصر الحرية وم. شريف بهجت من حزب الوفد على وضع التصور الأمثل لنظام انتخابي يحقق ما سبق ويراعي الواقع المصري.
ملامح النظام الأنسب لمصر
بدأت المجموعة بالبحث عما يحدث عالميا عند تغيير النظام الانتخابي القائم وبالأخص في الحالات المماثلة بعد الثورات والتحول الديمقراطي؛ وكان أول ما توصلت اليه المجموعة هو عدم وجود نظام انتخابي محدد من الممكن اعتباره الأفضل والأمثل بشكل مطلق، وإنما يجب ان يتم اختيار النظام الانتخابي المناسب لظروف كل بلد على حدة في إطار نظم واهداف محددة وبناء على الواقع الراهن.
وتوصلت المجموعة إلي انه ثمة معايير محددة للحكم على جودة وصلاحية النظام الانتخابي أهمها افراز برلمان يحمل الصفات التالية:
1) ان يكون ممثلا لأكبر نسبة ممكنة من الشعب.
2) فرص متكافئة للمواطنين لإمكانية الترشح وامكانية الفوز.
3) استقرار الحكومة وفعاليتها.
4) ان يكون الاختيار بناء على الافكار والبرامج وحسن السمعة.
5) مجلس ذو دور تشريعي ورقابي قوى.
ومن ثم كان علينا وضع الواقع المصري الحالي عين الاعتبار:
1- لدينا قدر عالي من الأمية مما يوجب تسهيل عملية التصويت على الناخبين والبعد عن التعقيد.
2- الوطن يعاني من ضائقة اقتصادية في الوقت الراهن لذا تقليل مصاريف الانتخابات هو أم مرحب به.
3- العالم يترقب انتهاء المرحلة الانتقالية لذا فإن تقليل فترة الانتخابات هي خطوة محمودة.
4- لدينا أكثر من 80 حزب منهم القديم من قبل الثورة ومنهم حديث الاشهار، ومن الجائز أن نعتبر أن الأفراد أو المرشحين في مناطقهم قد يكون تأثيرهم على الناخبين أكبر من تأثير الأحزاب.
5- طبقا لما هو قائم على أرض الواقع لم تتكتل الأحزاب لتكوين تيارين رئيسيين أو أكثر وهو أمر طبيعي في الديمقراطيات الناشئة ومع مرور الوقت تتجه كل هذه الأحزاب للتكتل والاندماج مما يجب التشجيع على تحقيقه.
6- وجود معضلة فنية في استحالة عمل دوائر صغيرة لاختيار نائب واحد حيث ان القسم أو المركز يشكل أصغر وحدة إدارية في قاعدة بيانات الرقم القومي المأخوذة عنه قاعدة بيانات الناخبين ودوائرهم وهناك اقسام ودوائر تحتوي على أكثر من 500 ألف ناخب أي أكثر من أربعة نواب لتمثيلهم.
7- تحقيق اشتراط التمثيل العادل للسكان والمحافظات والتمثيل المتكافئ للناخبين المحددة في دستور 2012 وتم الابقاء عليها في دستور 2014.
ومن هنا وقع اختيارنا على النظام الفردي التفضيلي (القائمة النسبية التفضيلية المفتوحة) الذي يقوم علي:
1- يكون حجم الدوائر متوسط ليتراوح نصيبها بين ثلاث وسبع مقاعد كحد اقصى طبقا لعدد الناخبين بأقسام الشرطة والمراكز المختلفة (مما يتلاءم مع طبيعة الدوائر المقسمة حسب أقسام الشرطة كما هو موضح أعلاه).
2- يخصص حد أدنى 4 مقاعد للمحافظات الحدودية وقليلة الكثافة لضمان التمثيل المناسب.
3- يسمح بتكوين قوائم للأحزاب / الائتلافات / المستقلين كاملة بعدد مقاعد الدائرة او منقوصة دون حد أدني (أي من الممكن ألا تحمل القائمة سوى اسم مرشح واحد فقط).
4- يسمح للناخب بالتصويت لقائمة او لأي عدد من المرشحين داخل قائمة واحدة أو لمرشح منفرد.
5- تمنح المقاعد بشكل نسبى لكل قائمة أو للفردي طبقاً لما حصلت عليه من اصوات.
6- ترتب القائمة داخلياً طبقاً للأصوات الحاصل عليها كل مرشح.
وعليه رأينا أن هذا المقترح قد غطى تماماً النقاط التالية:
1- الدستورية من ناحية الفرص المتكافئة للأحزاب والمستقلين.
2- عدم تحديد نسبة ما بين نظامي القائمة والفردي وتركها للناخب كل في دائرته.
3- تلافي الدوائر الفردية الصغيرة التي يتصارع فيها اثنان على مقعد واحد مما يسبب توتر أمني وبروز دور المال والبلطجة الانتخابية.
4- انتخابات من جولة واحده لتوفير نصف النفقات والجهد الأمني والقضائي المضاعف.
5- سهولة وسرعة الفرز.
6- خلق توازن في التمثيل البرلماني لجميع فئات المجتمع ((Pluralism.
بعد التوصل لذلك النظام الانتخابي من قبل مجموعة العمل، تم تقديمه للجنة انتخابات جبهة الإنقاذ للنقاش حوله وعرضه على كل الأحزاب وبالفعل كان التوافق كبيرا حيث وجدت الأغلبية في الطرح الجديد حلا بعيدا عن الموروثات الضيقة من فردي أو قائمة أو خلط بين الإثنين.
حل يراعي مستوي التعليم والثقافة لدي الشعب المصري، بالنسبة للمرشح كل ما عليه هو أن يتقدم للترشح منفردا في قائمة أو من خلال قائمة حزبية مع آخرين أو قائمة من عدة مستقلين، وبالنسبة للناخب كل ما عليه هو اختيار المرشح الذي يفضله سواء كان مرشحا منفردا أو من خلال قائمة، وان لم يفضل مرشح بذاته يختار القائمة التي يفضلها بدون تحديد لمرشح معين داخلها، أما الفرز فيكون علي مرحلتين، الأولي لمعرفة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة بما فيها القوائم التي تتضمن مرشحا واحدا لتحديد القوائم الفائزة بالمقاعد، ثم تأتي المرحلة الثانية والتي يتم فيها ترتيب المرشحين داخل القائمة الواحدة لتحديد الحاصل أو الحاصلين علي المقاعد في القائمة الواحدة.
حل يعطي الفرصة للمستقلين الذين لا يرغبون في الترشح من خلال الأحزاب بالتنافس أمام القوائم الحزبية بدون تمييز لأي من الطرفين مع وجود قوي للبرامج والأيديولوجيات.
حل من مرحلة واحدة بدون إعادة أي نصف التكلفة ونحن في اشد الحاجة لتوفير المصاريف.
حل يضمن تمثيلا نسبيا يتيح تواجد الجميع داخل مجلس النواب كل حسب شعبيته.
مصير الاقتراح أمام لجنة الخمسين
وكان الحماس أكبر من قبل مجموعة العمل لعرض النظام الانتخابي على لجنة الخمسين التي تشكلت في ذلك الوقت لتعديل دستور 2012 (دستور الأخوان) وقد قمنا بطرق جميع الأبواب وحضور الكثير من حلقات النقاش والذهاب لمبني مجلس الشورى مكان انعقاد اجتماعات لجنة الخمسين للتواصل مع أكبر عدد من الأعضاء لشرح النظام الانتخابي وأهدافه كما هو مبين أعلاه؛ وكان الملحوظ في ذلك الوقت أن الأعباء علي أعضاء اللجنة كبيرة للغاية بسبب وجود العديد من النقاط الخلافية والتناحر المستمر في كل أبواب الدستور لكل فصيل وفئة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة وليس الوصول للتوافق الذي يرضي جميع أطياف الشعب وترك التفاصيل الخلافية للقوانين التي سيتم وضعها من قبل المجالس النيابية المقبلة.
ولكن بفضل مساعدة العديد من الأعضاء سمح لنا بعرض النظام رسميا أمام لجنة الخمسين مجتمعة قبل اتخاذ قرارها بشأن المواد ذات الصلة بتشكيل مجلس النواب، ولكن بكل أسف تم انهاء العرض بدون السماح لنا بالرد علي الأسئلة بسبب اعتراض المجموعة الداعية لإقرار النظام الفردي، مما افقدنا الكثير من قوة طرحنا وذلك بسبب عدم تمكننا من الإجابة علي كل الأسئلة والتخوفات مما كان سيزيد من موضوعية الطرح.
انتهت هذه الجولة من محاولة إقرار النظام الانتخابي بتحويله لرئيس الجمهورية ليقرره بنفسه مما اعتبرناه نصرا منقوصا لنا، حيث كان الاتجاه العام معظمه في اتجاه النظم الفردي بسبب الاعتقاد في أن ذلك النظام سيضعف من حظوظ الإخوان في المجلس القادم أو بسبب ايحاءات غير مباشرة أن النظام الفردي هو المطلوب لتحقيق الاستقرار.
وبدأنا بعد ذلك مرحلة جديدة من العمل، بدأت بتعديل النظام ليوائم المادة 243 و244 من الدستور التي تعطي تمييزا إيجابيا للفئات ذات الفرص القليلة للفوز بمقاعد نيابية (المرأة والشباب والأقباط والعمال والفلاحين وذوي الاحتياجات الخاصة والمصريين في الخارج) وبعد ذلك استأنفنا المحاولات لتوصيل النظام الانتخابي المقترح لرئيس الجمهورية ومستشاريه لدراسته وخلق نقاش حوله من الناحية الفنية والمصلحة العامة للوطن.
إلا أن محاولاتنا لم تلق النجاح المطلوب وذلك بسبب انشغال الجميع بوضع قانون الانتخابات الرئاسية بعد تعديل المرحلة الانتقالية والتوافق علي أن تسبق الانتخابات الرئاسية الانتخابات النيابية.
الضغوط تحيط باللجنة التي شكلها الرئيس
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة الحسم بعد قرار رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة سباعية لتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب الذي يتم من خلاله وضع النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر، ومن جديد استمرت محاولاتنا في توصيل وجهة نظرنا للجنة السباعية لدراسته ووضعه بعين الاعتبار، وكذلك تذكير الأحزاب بالنظام المقترح وشكله النهائي المطابق لدستور 2014، و حاولنا تعبئة مجهودات وهمم الأحزاب لتوفير غطاء سياسي مناسب يوضح مدى التوافق السياسي حول مقترحنا.
وفي الأربعاء السابع من مايو قامت اللجنة السباعية مشكورة بدعوتنا لعقد اجتماع مع بعض أعضائها للتعرف علي النظام عن قرب والاجابة علي كل الأسئلة والتأكد من وضوح الطرح بشكل كامل.
لكن بعد جلسة استماع مليئة بالنقاش والشرح بين مجموعة العمل وبعض أعضاء اللجنة الأفاضل، تشكل لدينا انطباع بأنه من المستبعد تماما أن تتبنى اللجنة اقتراحنا.
توصلنا لهذه النتيجة بسبب الضغط الكبير المفروض علي اللجنة من مختلف الاتجاهات مما يضعها في مساحة ضيقة جدا من الحركة والخوف من عمل أي تغيير جذري في ما هو متوارث من السابق رغم اتفاق الجميع بدون استثناء علي فشل الموروثات السابقة في تحقيق مجالس نيابية نفتخر بها ونتكل عليها لبناء مصر المستقبل.
فمن ناحية نجد أحزابا كثيرة لا ثقل لها ولا وزن تذهب لمقابلة اللجنة في اللقاء المفتوح وتنادي بالفردي بدون أي سند أو دليل، وآخرين يظهرون في القنوات المختلفة ليقولوا إن القوائم ستعيد الاخوان، رغم أن الاخوان في قمة شعبيتهم كان نصيبهم الأكبر في مجلس 2011 من الفردي وليس القوائم، ونواب كثيرين من الزمن البائد يضغطون لتطبيق النظام الفردي معتقدين في أمكانية عودة عقارب الساعة للوراء رغم اختلاف الظروف وشكل الدوائر والمنظومة بأكملها. وكان تصريح أحد أعضاء اللجنة الضمني أنه بدون غطاء اعلامي وضغط خارجي معاكس لا حظوظ لنظامنا الانتخابي.
بالفعل صدرت مسودة القانون متضمنة ما توقعناه من اعتماد كما في السابق على النظام الفردي مختلطا مع قوائم مطلقة لتحقيق متطلبات الدستور ولكن مع جمع مساوئ كلا النظامين.
فالنظام الفردي يشجع المرشح علي الترشح كمستقل بدون أي وضوح لأيديولوجياته أو انتماءاته السياسية معتمدا علي العصبية أو المال لضمان النجاح، كما أنه يقضي علي أية فرصة للفئات الأقل حظا من اقباط ومرأة وشباب وخلافه للفوز وذلك بسبب انعدام فرصهم دائما في جولات الإعادة، مما أجبر اللجنة علي عمل قوائم إقليمية كبيرة تضعف فيها تماما العلاقة بين المرشح والناخب أي عكس سبب اختيار النظام الفردي.
وتتضمن تلك القوائم الفئات ذات التمييز الإيجابي بإرضائهم ب 4% للأقباط ومثلهم للمرأة و2.6% للشباب ومثلهم للعمال والفلاحين و1.3% لذوي الاحتياجات الخاصة ومثلهم للمصريين بالخارج، وجعلت اللجنة تلك القوائم مطلقة أي يفوز مرشحو القائمة الواحدة جميعا أو يخسرون جميعا، مما يفقد أهم مميزات أي نظام مبني علي القائمة وهو التمثيل النسبي لجميع تيارات الشعب واطيافه واقلياته.
ولا ندري ما شكل النتيجة مع تطبيق ذلك النظام وماذا نفعل ان كان معظم الفائزين في الفردي من المستقلين فكيف يتم تشكيل الحكومة وكيف نضمن استقرارها بدون وجود كتلة برلمانية متماسكة تقف وراءها؟
درس في واقع السياسة المصري
ورغم احباطنا الكبير من النتيجة التي توصلت لها اللجنة، إلا أن التجربة ككل أتاحت لنا فرصة ذهبية لرؤية الوضع القائم في مصر حاليا، ليس في مجال النظام الانتخابي فحسب ولكن في كل القوانين والمشاريع وكيفية وضعها.
لقد وضح لنا جليا الاختلاف الكبير بين جيل من الشباب أو السياسيين المنضمين للعمل السياسي بعد 25 يناير 2011 تملؤهم الرغبة في احداث تغيير فعلي للماضي الذي أثبت فشله أكثر من مرة، وذلك عن طريق وضع حلول جريئة وغير تقليدية، وبين عقليات محافظة طبقا للسن أو الوظيفة أو التعود تستطيع وضع قوانين ممتازة من الناحية الفنية أو التقنية، ولكنها بعيدة كل البعد عن خلق التغيير المناسب لانتشال الوطن من وضعه الحالي.
هؤلاء بينهم الكثير من السياسيين بالأحزاب القديمة أو الجديدة من الذين انخرطوا في العمل السياسي لسنوات عديدة وأصبحوا طبقا للواقع تحكمهم البرجماتية الشديدة في الكثير من تحركاتهم، فتجاربهم السابقة أقنعتهم بأن التغيير الكبير أمر غاية في الصعوبة وأن الوصول لبعض المكاسب البسيطة هو أقصي المتاح.
كل ما سبق يجعلنا نشعر بصعوبة التغيير الإصلاحي بدون قرارات جريئة وشجاعة بضرورة التحرر من قيود الماضي المحافظ الذي يضع المشرع أو صاحب القرار في مربع ضيق يمنع تغيير الواقع الأليم، ويجعلنا نتفهم بعض الاتجاهات شديدة الثورية التي تؤمن باستحالة التغيير في ظل المؤسسات والتركيبة القائمة.
تعليقات الفيسبوك