كانت الجمعية الوطنية للتغيير إحدى القوى الأساسية التي ساهمت في ثورة 25 يناير، وقد تشكلت في فبراير سنة 2010، وضمت ممثلين لمعظم القوى السياسية والحركات الاجتماعية والائتلافات الشبابية، وكانت بحق مظلة للحركة الشعبية المصرية المعارضة لنظام الحكم في ذلك الوقت وكنت عضوا بقيادتها.
ساهمنا بقدر ما نستطيع في معارضة نظام الحكم، وكان للجمعية دور أساسي في أحداث ثورة 25 يناير، التي تعتبر بحق أوسع الثورات الشعبية في التاريخ، حيث شارك عشرات الملايين في الاعتصام في ميدان التحرير وميادين المدن الكبرى ثمانية عشر يوما، للضغط من أجل خلع رئيس الجمهورية رأس النظام السلطوي، وتحقق لهم ما أرادوا يوم 11 فبراير2011.
وعلى عكس ما يردده البعض من أن قوى الثورة لم تكن تملك رؤية سياسية واضحة للمستقبل، فإن الجمعية الوطنية للتغيير قررت يوم 17 فبراير أي بعد أقل من أسبوع من خلع حسني مبارك، أن توجه رسالة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى السلطة في البلاد برؤيتها للمستقبل، وقمت شخصيا بصياغة هذه الرسالة التي تضمنت خريطة طريق لمستقبل الثورة والبلاد.
وقام بتسليم هذه الرسالة إلى المجلس العسكري لجنة ثلاثية تضم الدكتور حسام عيسى وشاهندة مقلد والدكتور محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وكان تشكيل اللجنة على هذا النحو مقصودا، بحيث يمثل كافة التيارات السياسية في مصر (القومية- الاشتراكية- الإسلامية)، وقد وقع على هذه الرسالة حركة كفاية، والبرلمان الشعبي وغيره من الحركات الاجتماعية.
كنا في هذه الرسالة نطالب المجلس العسكري أن يحكم البلاد مجلس رئاسي من خمسة أشخاص أحدهم شخصية عسكرية يختارها المجلس، وأن تشكل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات ذات مصداقية تمثل كافة الاتجاهات، وأن تكون هناك مرحلة انتقالية لمدة عامين، تبدأ بحل كل مؤسسات النظام القديم (الحزب الوطني- مجلس الشعب- المجالس المحلية)، وإطلاق الحريات للجماهير تمارس حقها في التعبير والتنظيم دون قيود، وأن تشكل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد.
ويتم خلال السنتين السماح بحرية تأسيس الأحزاب، ومحاكمة المسؤولين في النظام القديم، واستعادة أموال الشعب ممن نهبوها، وتشكيل محاكم خاصة لمتابعة كل أشكال الفساد، وتنتهي الفترة الانتقالية بالاستفتاء على الدستور الجديد، وتطبيق أحكامه بانتخاب المؤسسات الدستورية التي ينص عليها من سلطة تشريعية، وسلطة تنفيذية، ورئاسة جمهورية.
ورغم أن الإخوان المسلمين كانوا ضمن الأطراف الموقعة على هذه الرسالة وعلى هذا التصور لمستقبل البلاد، إلا أنهم سرعان ما تراجعوا عن هذا الموقف، وطالبوا المجلس العسكري بتشكيل لجنة لتعديل دستور 1971، وإجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وإرجاء وضع الدستور الجديد إلى ما بعد الانتخابات، وتحقق لهم ما أرادوا.
فقد كانوا أكبر قوة منظمة في هذا الوقت واستجاب لهم المجلس العسكري، وسارت البلاد نحو تطبيق رؤيتهم، لتجري انتخابات مجلس الشعب ويفوزون فيها بالأكثرية، ويشاركون في تشكيل الحكومة الجديدة.
وسارت الأمور على النحو الذي أرادوه وانتهى الأمر بإجراء انتخابات رئاسية ليفوزوا بها أيضا، ونجحوا بذلك في اختطاف ثورة 25 يناير من أصحابها الأصليين جماهير الشعب المصري وأدخلوا البلاد في مأزق كبير انتهى في 30 يونيو بأزمة حادة كادت أن تدخلنا في حرب أهلية.
ويؤكد لنا هذا التطور السياسي بعد خلع حسني مبارك، إن القوى الثورية مهما امتلكت من رؤية سليمة لمستقبل البلاد بعد الثورة، إلا أن ضعف قدراتها التنظيمية حال دون أن يتحقق لهم ما يريدون من الثورة.
ويلقي هذا الدرس علينا مسؤولية أن تنظم القوى الثورية نفسها وأن توحد صفوفها إذا كانت تريد أن تشكل قوة حقيقية في تحقيق مسار الثورة ومستقبل البلاد.
تعليقات الفيسبوك