كتب: عمرو عبد القوي
في أواخر شهر رمضان الكريم.. خرجت إلينا مصادر تؤكد نية وزارة الإسكان إسناد مشروع تطوير العاصمة الإدارية الجديدة إلى المهندس حسين صبور على رأس تحالف من خمسة مكاتب استشارية مصرية من جامعة عين شمس. وذلك مؤشر كاشف عن إخفاق المفاوضات مع العبار.
في مقال سابق كنا قد تساءلنا عن جذور فكرة العاصمة الجديدة، خاصة أن الرؤى الاستراتيجية لمصر ٢٠٥٢ ولإقليم القاهرة الكبرى -واللذين تم تطويرهما بمعرفة هيئة التخطيط العمراني التابعة لنفس الوزارة- كانت تخلو من هذه الفكرة لتناقضها مع أولويات الرؤية التنموية للإقليم التي كانت ترى استخدام محور قناة السويس كجاذب مستقل يساعد في إضعاف قوة الجذب لإقليم القاهرة، لا أن يتم الوصل بينهما من خلال توسيع رقعة القاهرة.
ومع ذلك تفهمنا (وإن لم نتقبل) أن الجذور تبدو وأنها نبتت من فرصة جلب هذا المشروع لاستثمارات أجنبية بواقع ٤٥ بليون دولار، مما دفع الإدارة السياسية بغض الطرف عن الرؤية الاستراتيجية للتنمية العمرانية... (مفيش مشكلة نعدل الاستراتيجية!)
ولكن ماذا بعد اكتشافنا بأن العبار لم يقصد أن كل هذه البلايين ستجلب من الخارج، وبأن رؤيته لدور الحكومة ليست كشريك حقيقى كما ارتأته الحكومة؟ ماذا بعد هذه الاكتشافات؟ هل نعود إلى الاستراتيجية الموضوعة لتنمية الوطن بما أن البلايين الأجنبية طارت؟
كنت أتصور أن هذه فرصة لإعادة المواضيع لنصابها الصحيح، خاصة أن الكثير من المشاريع الدعائية التى ملأت السحب الإعلامية أثناء المؤتمر الاقتصادى قد تبخرت.. وهو شىء طبيعى ولا يستغربه الشعب المصرى واعتاد عليه.
ولكن هذا ما لم يحدث فهناك إصرار على استكمال المشروع...
***
ماشى... نشوف مطور عالمى ثانى يعمل على جلب تلك البلايين الدولارية التى أنبتت الفكرة فى الأساس وكذلك يضيف البعد الدولى للرؤى التخطيطية اللازمة لمثل هذا المشروع العملاق (كما كانت تبرر قنوات الترويج للمشروع).
طبعا، سعى الحكومة التقليدى وراء المطور والمخطط الأجنبى ينبع من افتراض قائم لا يُزعزع بأن المطور والمخطط المصرى «محلى» وليس بمقدوره التعامل مع مثل هذه المشاريع الدولية، ويظهر ذلك بانتظام فى كل اشتراطات المشاريع الكبيرة.
فلماذا الآن اكتشفنا أن المطور والمخطط المصرى قادر على القيام بمشروع بمثل هذا الحجم والتحديات؟
هل لأن قدراتهم تطورت فى السنوات الأخيرة أم لأن الحكومة قررت تغيير سياستها وستبدأ العمل على تنمية القدرات المحلية وتطوير البيئة الصحية لنموها السليم لقيادة قاطرة التنمية الوطنية؟
يجب أن أوضح قبل الخوض فى هذا السؤال بقناعتى الشخصية أنه لا يوجد قصور فى قدرات المخططين والمصممين المصريين فقد أثبت أغلبهم قدراتهم الفنية فى محافل وجامعات عالمية، حيث استكملوا دراساتهم، ولكن القصور موجود فى باقى المنظومة التى يجب أن يعمل من خلالها المخطط. فالدولة هى الشريك الأساسى فى العملية التخطيطية وهى التى تحدد الأولويات التى يعمل من خلالها المخططون. وأولويات الدولة فى العقود الماضية واضحة ومتجلية فى المخرجات العمرانية التى أصبحت الواقع الذى نقطنه: مدن حديثة بالاسم فقط، أحياء راقية افتقرت، وعشوائيات فى كل مكان.
الرؤية الاستراتيجية الراغبة فى تنمية حقيقية يجب أن تتسم بالتكامل والالتزام. لا قيمة للحديث عن استراتيجيات اذا ما سمحنا لأنفسنا بالتذبذب وبتغيير المسار فقط لأن الاولويات أو التحالفات السياسية تغيرت، فلهذا السبب تقوم المنظومة الإدارية للدولة الحديثة على أساس وجود هيكل إدارى فنى قائم على تنفيذ تلك الاستراتيجيات وتذكرة الجهاز السياسى بعواقب ذبذبتها.
والتكامل فى تطبيق الاستراتيجيات يعنى التعامل مع خطط لتطوير مشاريع تنموية تساهم فى خلق فرص عمل وجلب استثمارات من جانب، ومن الجانب الآخر العمل على استثمار تلك المشاريع فى بناء منظومة تنمية محلية قادرة على الاستقلال بإرادتها وبإدارتها. والمنظومة المتكاملة تشتمل على منظومة إدارية شفافة وذات كفاءة، تعمل إلى جانب سياسة بناء قدرات موارد بشرية فى جميع المجالات، وبالطبع داخل إطار قانونى يتسم بالعدل والتحفيز على الأداء الصائب الناجز.
***
نحن لا نشكك فى نوايا أصحاب القرار، ولكن إن تعلمنا شيئا فى الأربع سنوات العنيفة الماضية، فقد تعلمنا أننا جميعا نفتقر لقدرات إدارة دولة حديثة بنجاح، وأعتقد أن أكذوبة أن المركز يعطى صاحبه الرؤية والعلم الكافيين لاتخاذ القرارات الصائبة نيابة عن الشعب قد تواهت هى الأخرى. ومن ثم فلا بديل من إقرارنا بهذه الحقيقة المرة واستغلال جميع الإمكانيات والعقول التى تزخر بها مصر. واستغلالها لن يكون بدون التركيز على بناء قنوات تحاور تفتح الباب لجميع الآراء وتجمعهم حول مسار واحد فيه مصلحة الوطن ومصلحتنا ومصلحة أولادنا وأحفادنا.
فهذا هو جوهر ما تم سلبه مننا كمجتمع فى العقود الماضية: الاتفاق على احترام الآخر للتوافق على المصلحة المشتركة.
تعليقات الفيسبوك