بدأت الأحداث الديمقراطية المهيبة بمشهد الانسحاب العاصف من اجتماع ائتلاف دعم مصر، ومن الائتلاف نفسه. كان النائب يهرول بين الكاميرات وأجهزة التسجيل، وهو يصرخ: «طبعا فيه تدخل من جهات معينة، لكن زمن التوجيهات انتهى».
وحكى النائب للرأى العام أنهم «جابونى من الصبح وقالوا لى اتنازل لمرشح آخر». جاء لى عدد من النواب وقالوا لى: «إلحق، فيه تعليمات جوه بفلان وفلان، اللى نجحوا. واسألوا النواب والناس الموجودة».
لا يحتاج الرأى العام أن يسأل عن طبيعة وتفاصيل التوجيهات التى صنعت برلمان الثورتين، فهناك اعترافات من نوع «شاهد الملك» الذى يهدم المعبد على شركائه، كما أن «الميكروفون المفتوح» لم يكشف عن مفاجآت مدوية. استمع الناس عن طرق الخطأ للنائب الذى يسأل عن الأكل، «العملية ناشفة، لا غدا ولا عشا، وسيادة الأمين بيقول ما فيش فلوس». استمعنا لنائب يصرخ: «يلعن ميـ.. أم لايحة البرلمان، كل اللى حافظ له كلمتين ومادتين يطلع ميـ.. أبونا؟».
تواصلت الأحداث المهيبة بواقعة رفض أداء القسم الأصلى، من نائب لا يعترف بثورة يناير، وبالتالى يحتقر ديباجة الدستور، التى هى جزء أصيل من الدستور. وعلى صفحة «طرائف برلمانية مصرية» على يوتيوب، يمكن مشاهدة الفاصل الكوميدى الأسود، «أنا حاحلف اليمين التانى، بس اللى فى ضميرى هو اليمين الأولانى».
يكتسب النائب عضويته فى البرلمان بأداء القسم، وكان يجب إسقاط عضوية النائب وتحويله للمحاكمة بتهمة إهانة الدستور والدولة والشعب، كما كتب الزميل وليد الشيخ.
ثم فتح نائب «اليمين الأولانى» النار على الجميع: «سيرك إيه يا ولد، تكلم عن مجلس النواب باحترام، بتتكلم عن أسيادك فى مجلس النواب؟. احترم نفسك يا قليل الأدب، يا عيل يا تافه، حاقطع لسانك. لما تتكلموا عننا اتكلموا بأدب؛ لأننا أسيادكم، أى عيل أو عيلة صايعة أيا كان هياخد بالجزمة».
بعد استعراض تفاصيل مشابهة، سأل زميل صحفى على صفحته: «من أين جاء هؤلاء؟»
جاء هؤلاء من «توضيبات الأمن» والتوجيهات السياسية الإحادية. خرجوا من بيوتنا، كما يخرج رجل الشرطة المرتشى والموظف المختلس وعصابات التثبيت والسرقة. جاءوا كما يأتى مذيعو التوك شو، «وجوه كالحة نضح القبح والسفالة على قسماتها، وأفواه تضخ السباب والكراهية ونهش الأعراض»، كما كتب الأستاذ أحمد الجمال قبل أيام.
خرجوا من بيوتنا، كما يخرج المتحرشون، الذين اشتكت منهم وزارة السياحة قبل شهر، لأن «التحرش يؤثر على الصورة الذهنية لمصر بالخارج». وأضيف: ويؤثر على معنويات بناتنا أيضا، وهو الأهم، وعلى الإحساس بالفرق بين الوطن وعشة الفراخ.
ومن نفس البيوت يخرج معارضو النظام، الذين يتندرون من تركيا على ما يجرى بنفس اللغة الخطابية الفارغة. على قناة الشرق صرخ المذيع: «مجلس البلالة والمعرضين والعوالم والرقاصين. حارة العوالم والعهر السياسى. الجيل الجديد من الحرامية وخدامين السلطة».
ما الفارق بين هذه اللغة و«توك شو» مدينة الإعلام؟ لا يترك الإخوان فرصة للمعارضة الواقعية إلا وأفسدوها وأفقدوها زخمها، لأنهم «إما متآمرون على أنفسهم، أو مغيبون عن الواقع على أحسن تقدير»، كما كتب الباحث خليل العنانى.
خرج هذا المجلس ومعارضوه من بيوتنا التى لم تعد تهتم بالتربية والأخلاق، من شوارعنا التى تحولت لغابات يكسر فيها القوى عنق الضعيف ويتحرش به علنا، ومن مدارسنا التى تصنع أجيالا بلا تربية، ولا تعليم.
خرج هذا المجلس من عشة فراخ كبيرة، تديرها «جهات معينة»، على مساحة مليون كيلومتر مربع.
تعليقات الفيسبوك