كتبت: مي قابيل
دفع الإقبال على شراء الوحدات السكنية الفاخرة بأرباح الشركات العقارية لمستويات استثنائية، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، بينما ظلت مشروعات الإسكان المتوسط والاجتماعي، التي تمثل النسبة الأكبر من الطلب في السوق العقاري، تراوح مكانها.
وتظهر نتائج أعمال أكبر الشركات العقارية الخاصة المدرجة في البورصة، طلعت مصطفى وبالم هيلز وسوديك، تحقيق أرباح صافية فاقت توقعات المحللين، تزيد قيمتها على 1.6 مليار جنيه، ومبيعات تجاوزت 12 مليار جنيه خلال التسعة شهور الأولى من العام.
وحققت بالم هيلز أعلى زيادة في الأرباح بلغت نسبتها 215%، لتصل إلى 828 مليون جنيه، وهو أعلى صافي ربح منذ تأسيسها في 1997، كما تقول الشركة.
وبلغت قيمة مبيعاتها خلال التسعة أشهر نحو 4.6 مليار جنيه، مدعومة بزيادة الطلب على الوحدات الموسمية بالساحل الشمالي، في مشروعات "هاسيندا باي" و"هاسيندا وايت"، وبالإضافة لزيادة الحجوزات في مشاريع "جولف فيوز" و"امتداد الجولف" بالسادس من أكتوبر، و"بالم هيلز القطامية" بالقاهرة الجديدة.
ويقول ياسين منصور، رئيس مجلس إدارة بالم هيلز، في بيان الشركة عن نتائج أعمالها، "لاحظنا انتقال أعداد أكبر من سكان وسط القاهرة إلى شرق وغرب القاهرة، مما يدعم نسبة الطلب على الوحدات السكنية الأولية (التي تطرحها الشركة في هاتين المنطقتين)".
وحققت بالم هيلز حققت أيضا مبيعات وصفها منصور بأنها "قياسية" في الساحل الشمالي خلال الربع الثالث من العام، بإجمالي حجوزات 1.4 مليار جنيه.
أما شركة سوديك (السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار)، فقد زادت أرباحها الصافية بنحو 112% في التسعة أشهر الأولى من العام، لتصل إلى 224 مليون جنيه.
وبلغت مبيعات الشركة خلال تلك الفترة نحو 3 مليار جنيه، بسبب الطلب القوي على مشروعاتها في شرق القاهرة، وأهمها "وست كايرو" و"فيليت" في القاهرة الجديدة.
و"أليجريا"، التي تقول الشركة إن مبيعات الوحدات الفاخرة فيها أحد أسباب زيادة أرباحها بشكل كبير خلال الشهور التسعة الماضية، فتقع على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، غرب القاهرة.
كما حققت الشركة حتى نهاية سبتمبر الماضي ما يزيد على 500 مليون جنيه مبيعات من مشروعها الأول في الساحل الشمالي، "سيزر"، والذي أطلقته فقط في منتصف شهر أغسطس الماضي، ورغم ذلك حقق لها هذا القدر من المبيعات اعتمادا على "السمعة القوية، وقاعدة العملاء الكبيرة" كما قالت سوديك في البيان الخاص بنتائج أعمالها.
وكانت سوديك قد اشترت في شهر فبراير الماضي قطعة أرض مطلة على البحر المتوسط، مساحتها 100 فدان، في صفقة بلغت قيمتها 191 مليون جنيه.
بينما لم ترتفع أرباح شركة طلعت مصطفى سوى بـ9% مقارنة بالتسعة شهور الأولى من العام الماضي، إلا أن أرباحها الصافية زادت على ضعف ما حققته سوديك، لتبلغ قيمتها 531.4 مليون جنيه. كما وصل حجم مبيعاتها إلى 5.1 مليار جنيه.
وتنفذ مجموعة "طلعت مصطفى"، مشروعات سكنية، ومجتمعات عمرانية متكاملة على أطراف القاهرة، مثل الرحاب ومدينتي، وتقوم بتنفيذ مشروعات تتضمن مجمعات فندقية وشقق سكنية وفيلات ومساحات إدارية وتجارية.
من أين يأتي الطلب؟
يقول هاني سري الدين، الرئيس الأسبق لهيئة سوق المال، إن معظم الشركات العقارية الكبيرة تتوجه لشريحة معينة من المستهلكين، حيث تتركز استثماراتها في المناطق السكنية الجديدة المحيطة بالقاهرة، بالإضافة لمنتجعات الساحل الشمالي وبعض المناطق الساحلية.
هذه الشريحة تمثل نحو 7 أو 8% من الطلب في السوق المصري، كما يوضح سري الدين، لأصوات مصرية، إلا أن عدد الوحدات التي توفرها سنويا لا يزيد على 14 ألف وحدة، وبالتالي فإن العرض لا يزال محدودا بالنسبة للطلب داخل هذه الشريحة نفسها.
"لذلك فإن الشركات العقارية التي تستهدف تلك الشريحة المرتفعة ستستمر في النمو خلال العامين أو الثلاث المقبلين، قبل أن يحدث نوع من التشبع".
ويُقدَّر إجمالي الطلب السنوي على العقارات بنحو مليون وحدة. ولا يغطي كل المعروض في السوق، والذي يصل إلى 300 ألف وحدة سنويا، سوى ثلث هذا الطلب، بحسب دراسة صادرة عن شركة بريميير القابضة للاستثمارات المالية، خلال الربع الثالث من العام الجاري، بعنوان "اتجاهات السوق العقاري في مصر".
ومن جهة أخرى فإن الأراضي المتاحة للاستثمار العقاري تعتبر محدودة نسبيا، كما يقول سري الدين.
وأشار إلى أن "هيئة المجتمعات العمرانية تطرح الأراضي بنظام المزايدة، وهذا يؤدي لارتفاع الأسعار. وتضع الهيئة سعرا استرشاديا تستهدفه في المزايدة، فإذا جاء المتقدمون بأسعار أقل تلغى المزايدة. وهذا خطأ. فمن المفترض أن تترك المسألة للعرض والطلب".
وتتجه هيئة المجتمعات العمرانية نفسها للشرائح الأعلى لأنها "تحقق لها إيرادات أكبر" كما يقول الرئيس الأسبق لهيئة سوق المال، مشيرا إلى أن سعر متر الأرض يصل إلى 3 آلاف جنيه، قبل البناء وما يرتبط به من تكاليف. "إذا طرحت الدولة أراضي بأسعار أرخص ستساهم في خفض الأسعار".
ويقول يحيى شوكت، باحث عمراني، إن الإقبال على العقارات لا يلبي فقط الاحتياج للسكن، وإنما يعتبر "واحدا من أهم طرق الاستثمار للأفراد والشركات"، مدللا على ذلك بأن هناك 30% من الوحدات القائمة غير مسكونة، ومعظمها من فئات الإسكان الفاخر وفوق المتوسط.
"ثقافة تسقيع العقارات سائدة، فعلى سبيل المثال أغلب المصريين العاملين في الخارج ممن يحولون أموالهم لمصر بغرض الاستثمار يلجأون للعقارات. هناك فائض من الأموال لا يجد مجالا آخر يحقق نفس الربحية ليستثمر فيه"، كما يوضح شوكت.
ويقول بنك الاستثمار بلتون في تقرير له بعنوان "استرايجية مصر 2015"، إن المواطنين الراغبين في الحفاظ على قيمة مدخراتهم يقبلون على شراء العقارات، في ظل تزايد معدلات ارتفاع الأسعار، مع ثبات نسبة الفائدة على الودائع البنكية عند مستويات منخفضة نسبيا، بالإضافة لمخاطر تراجع قيمة العملة المحلية.
وفقد الجنيه نحو 60 قرشا من قيمته أمام الدولار منذ بداية العام، وهو مرشح لمزيد من الانخفاض نتيجة الضغوط التي يعانيها الاقتصاد المصري بسبب تراجع موارده من النقد الأجنبي.
ويحتفظ البنك المركزي بأسعار ثابتة للفائدة على الودائع البنكية منذ عدة شهور، عند 8.75%، بينما وصل آخر معدل للتضخم إلى 9.7% في أكتوبر، أي أن استثمار الأموال عن طريق البنوك لا يحافظ على قيمتها الحقيقية من التراجع في ظل معدلات الفائدة الحالية.
إلا أن مصرفيين وباحثين يتوقعون اتجاها لرفع سعر الفائدة الرسمي خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية بالمركزي الشهر المقبل، وذلك بعد أن رفعت كل البنوك الحكومية بالإضافة لبعض البنوك الخاصة أسعار الفائدة على شهدات الادخار لديها لمستوى 12.5% خلال نوفمبر الجاري.
ويساهم الطلب من غير المصريين أيضا في رفع أسعار العقارات، كما يقول شوكت موضحا أنه منذ عام 1996 تمت إزالة كل القيود على تملك الأجانب والعرب للأراضي. وساهم ذلك في طفرات متتالية لأسعار العقارات.
وأشار الباحث العمراني إلى أن "معظم الدول تضع ضوابطا للسوق، حتى لو كان اقتصادها قائما على الاستثمار العقاري، فلا توجد دولة خليجية تسمح لغير مواطنيها بالتملك، حتى دبي التي تعتمد على الاستثمار العقاري بشكل رئيسي، غير مسموح فيها بملكية الأجانب إلا في مناطق مخصصة لذلك".
أزمة الإسكان المتوسط
تؤكد دراسة لشركة الاستشارات العقارية جون لانج لاسال عن إسكان متوسطي الدخل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن "القاهرة تعاني من مشكلة حقيقية نتيجة لعدم توافر السكن بسعر مناسب".
وتعرف جون لاسال، التي يقع مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة، إسكان متوسطي الدخل بأنه المسكن المتاح لأصحاب الدخول المتوسطة، الذين تتراوح دخولهم العائلية الشهرية ما بين 5 آلاف و12 ألف جنيه شهريا، بافتراض أنهم لا ينفقون أكثر من 30% من دخلهم على السكن.
وتقدر الدراسة، الصادرة في سبتمبر الماضي، قيمة السكن المناسب لأصحاب الدخول المتوسطة بنحو 285 ألف جنيه في حالة الشراء، وبنحو 32 ألف جنيه سنويا في حالة الإيجار (نحو ألفين وستمائة جنيه شهريا). إلا أن عددا محدودا جدا من المشروعات التي أطلقها القطاع الخاص توجه لهذه الفئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما تقول لاسال.
ويرى سري الدين أن الشركات التي تستهدف فئات الدخل العليا سيحدث لديها تشبع خلال السنوات القليلة القادمة، وعندها ستبدأ في استهداف الشرائح المتوسطة العليا، "لكن حاليا تكلفة الأرض المرتفعة تجعل الإقبال كبيرا على الإسكان الأكثر ربحية".
وأعلنت الحكومة عن أكثر من مبادرة خلال السنوات الأخيرة لسد هذه الفجوة بين الطلب المتزايد على الإسكان المتوسط والإسكان الاجتماعي الموجه لمحدودي الدخل، إلا نتائج تلك المبادرات جاءت أقل كثيرا مما وعدت به.
فقد وقعت الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية مع شركة أرابتك الإماراتية، في النصف الأول من عام 2014، برتوكول تعاون لإنشاء وتمويل مليون وحدة سكنية كاملة المرافق والخدمات في مصر، على مدى خمس سنوات لصالح متوسطي الدخل.
وبعد مرور أكثر من عام ونصف على توقيع الاتفاق، مازال التفاوض جاريا ولم يبدأ التنفيذ، بالإضافة إلى تقليص عدد الوحدات المتفق عليها من مليون إلى 100 ألف فقط خلال 5 سنوات، في مدينتي بدر والعبور، كما قال وزير الإسكان في تصريحات صحفية، وذلك بدلا من 13 موقعا كان متفق عليها في عدة محافظات بحسب ما تم إعلانه في 2014 عند توقيع البروتوكول.
وأكد وزير الإسكان في تصريحات له في سبتمبر الماضي، أن الحكومة لن تبنى مليون وحدة بديلة لمشروع أرابتك، وستكتفي بإنشاء 150 الف وحدة إسكان متوسط خلال عام ونصف العام.
كما أطلق البنك المركزي في أبريل من العام الماضي مبادرة بقيمة 10 مليارات جنيه، لتشجيع البنوك على تقديم التمويل العقاري بفائدة 7 بالمئة لإسكان محدودي الدخل، و8 بالمئة لمتوسطي الدخل.
ويبلغ الحد الأدنى لأجر محدود الدخل الذي يحق له الاستفادة من هذه المبادرة 1750 جنيه، والحد الأقصى 2500 جنيه. أما متوسطو الدخل فهم من يتراوح دخلهم العائلي بين 3 آلاف و12 ألف جنيه.
ويوضح يحيى شوكت أن تعريف محدود الدخل الذي تستخدمه الحكومة لا يعبر فعليا عن تلك الفئة، فالحد الأدنى لدخل من يحق له التقدم للحصول على وحدة سكنية لمحدودي الدخل يستبعد أفقر 20%، "إذن فهي مقدمة في الحقيقة لمتوسطي الدخل".
أما ما تعتبره الدولة إسكانا متوسطا فهو في حقيقته "فوق المتوسط"، وساهم طرحه في رفع أسعار البيع والإيجارات في المناطق المجاورة، كما يقول شوكت.
وبدأت مبادرة المركزي بتمويل وحدات الحد الأعلى لسعرها 300 ألف جنيه، بشرط أن تكون مسجلة بالشهر العقاري، ثم تم رفع إجمالي ثمن الوحدة إلى 400 ألف جنيه، قبل أن يزيد مرة أخرى إلى 500 ألف جنيه.
ويعتبر العثور على وحدات مسجلة في الشهر العقاري أحد أهم المصاعب التى تقف أمام المواطنين في الاستفادة بالتمويل العقاري، كما يقول شوكت.
ويقول سري الدين إن الدولة يجب أن تطرح أراضي للإسكان المتوسط والاجتماعي في المحافظات، وليس في مناطق بعيدة يصعب أن يستفيد منها أحد، كما إن عليها أن تهتم بحل مشكلة الإسكان من خلال توفير الأراضي بأسعار معقولة.
تعليقات الفيسبوك