الكاتب المصري أحمد الشيخ في روايته (رأيتهما قمرين في المحاق) يتناول موضوعا إنسانيا عاما ضاربا في جذور الريف المصري وهو العلاقة بين "الأصيل" و"الوافد" أو بين الأنا والآخر وإمكانية التعايش بينهما الذي يبدو أن لا مفر منه.
إلا أن الكاتب لا يعالج هذا الموضوع القديم بطريقة قديمة أو كلاسيكية بل يسعى من خلال التجريب في الأسلوب التعبيري لتقديم موضوعه بطريقة جديدة ويترك للقارىء الحكم لها أو عليها فالمهم عنده هو الانطلاق من زوايا جديدة مختلفة عن المألوف.
إنه هنا يقوم بخلط الأزمنة بحيث يجعل "الآتي" أو المستقبل يتكلم عن "المنصرم" أو الماضي موضحا خفاياه ومطلقا على أحداثه كشفا وتفسيرا ومن ذلك أن يجعل الابن الذي لم يولد بعد ولم يتزوج أبواه بعد يطلعنا على أحداث الرواية.
وهو يقوم بذلك من خلال ما يسميه "هوامش" مرقمة يرد كل هامش منها بعد ما يمكن أن نسميه فصلا أو أكثر من فصول الرواية. وهذه الهوامش تتجول إلى قسم أساسي من الرواية.
وقد يتراءى للقارىء أن "الهامش" هنا يصبح مساويا لدور "الكورس" في المسرحية الإغريقية القديمة ومع أنه لا يتضمن التسلية والغناء وغيرهما فإن له دورا آخر مهما هو إيضاح ما خفي وما لم يره المشاهد أو ما لم يقرأه القارىء هنا.
وله أيضا دور إصدار أحكام على الأشخاص أو الأحداث أو رفض إصدار الأحكام لأن ظروفا قاهرة تجعل بطل الرواية أو أبطالها يسيرون إلى أقدار شبه مكتوبة لهم على غرار أبطال التراجيديا اليونانية القديمة.
إلا أن مسرح الأحداث هنا قديم تقليدي .. إنه "الكفر" أي قرية في الريف المصري تعيش وفقا لتقاليدها القديمة وعداواتها وصداقاتها الموروثة.
الحاج إبراهيم سعيد بحياته مع زوجته وابنه "المنصور" الذي لم يرزقه الله غيره والذي يساعده في العمل في الحقول. لفتت نظر الابن بنت صغيرة من جماعة الوافدين تدعى (قمر) وبقيت في ذاكرته.
بعد مدة تقوم فتاة من نسيباتها بإغراء الحاج إبراهيم في الحقل فيقيم معها علاقة قيل إنها أدت إلى حملها. وقيل في الكفر إنها كانت حاملا قبل علاقتهما.
وبكلمة بسيطة تملك قلبه عندما تقول أمام الشرطة والقضاء إنها عشقته وسلمته نفسها فيقرر الزواج بها مدفوعا بفكرة كونه أبا من جديد وقد أولعه بها قولها إنها عشقته.
ورغم الاعتراضات يتم الزواج الذي يؤدي للسلام بين الجماعتين المتعاديتين منذ زمن بعد دماء ومتاعب. إلا أن الشائعات بقيت تسري بأن جماعتها كلفتها الإيقاع بالشيخ الثري والاستيلاء على ممتلكاته.
وما لبثت العروس أن أوقعت الأب وابنه زاعمة أن الأخير تحرش بها فيطرده الأب ثم يطرد أمه بعد أن وقفت لجانب ابنها وما لبث أن طلقها بعد حب سنوات طويلة.
بعد انتقال المنصور للقاهرة يصبح صاحب متجر لبيع الساعات وإصلاحها بعد أن أحبه مالك المتجر وأورثه إياه بعد موته.
تعود العلاقة بين الأب وابنه لكنها سريعا ما تتدهور عندما يعلن المنصور رغبته في الزواج من (قمر) تلك الحسناء التي لفتت نظره وهي صغيرة.
يجن جنون الأب الذي كره نسيبتها "الغندورة" زوجته الجديدة لنهبها ماله وقيامها بتزوير جعلته به يتخلى لها ولابنها "الغندور" عن أرضه وبيته.
وينتصر الحب فيتزوج المنصور من قمر ويعيشا في القاهرة لكن خصام الأهل على غرار مسرحية وليام شكسبير "روميو وجولييت" يؤدى لانفصالهما ثم موتهما منفصلين في يوم واحد.
جاءت الرواية في 204 صفحات متوسطة القطع وصدرت عن دار الهلال في القاهرة.
وأحمد الشيخ المولود في 1939 له ما لا يقل عن 37 كتابا للكبار بين روايات وقصص ودراسات وكتب أخرى فضلا عن 27 كتابا للأطفال. ومن أشهر رواياته (الناس في كفر عسكر) و(حكاية شوق) و(حكايات المدندش) وغيرها.
تعليقات الفيسبوك