بعد ثلاثة أيام من بدء الضربة الإسرائيلية على قطاع غزة يبدو الموقف المصري خافتاً بعض الشيء على المستويين الرسمي والشعبي.
وبدأ الطيران الإسرائيلي سلسلة من الغارات على أماكن متفرقة من القطاع يوم الأحد الماضي.
وأوردت وكالة رويترز للأنباء تصريحات لمسؤولين عسكريين إسرائيليين قالوا فيها إن ما يربو على 200 صاروخ أطلقت على إسرائيل على مدى الثلاثين يوما الماضية، كتبرير للقصف الإسرائيلي على القطاع.
وأضافت الوكالة أن مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني المصغر قرر أمس تكثيف الهجمات الجوية على النشطاء في غزة.
رد الفعل المصري على الهجمات الإسرائيلية لم يختلف كثيرا عن المعتاد، حيث أدان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، في بيان أمس، الغارات الإسرائيلية. وقال البيان إن مصر تجدد "رفضها الكامل وإدانتها لكافة أعمال العنف التي تؤدي إلي إزهاق أرواح المدنيين من الجانبين".
من ناحية أخرى لم تصدر أي إشارة من الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال خطابه أمس للوضع في غزة، بالرغم من أن خطابه الأول بعد توليه الرئاسة تضمن إشارة إلى أن القضية الفلسطينية ستكون ضمن أولويات السياسة الخارجية المصرية.
أما على مستوى الوساطة فبحسب موقع بي بي سي قام ضباط من جهاز المخابرات المصري باتصالات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس، في محاولة للتوصل لاتفاق لوقف التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة وإطلاق الصواريخ من القطاع على إسرائيل.
ولكن حتى الآن يبدو أن الوساطة لم تؤت ثمارها.
أما على المستوى غير الرسمي، فلم يحدث رد فعل شعبي يذكر على الغارات الإسرائيلية.
عند الحديث عن الموقف المصري من الأحداث في غزة لا يمكن تجاهل الموقف من حماس (المسيطرة على قطاع غزة منذ 2007)، حيث يتهمها النظام المصري بدعم جماعات متشددة تقوم بعمليات ضد أجهزة الأمن منذ عزل الرئيس الأسبق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي.
وفي مارس الماضي قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر أنشطة حركة حماس بمصر والتحفظ على جميع مقراتها.
وبمجرد قيام الجيش بعزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو الماضي عقب احتجاجات شعبية واسعة، بدأ حملة على الأنفاق بين سيناء والقطاع نتج عنها توقف نحو 80 % من الأنفاق مع نهاية الشهر، وذلك طبقاً لتصريحات أوردتها رويترز في يوليو الماضي على لسان روبرت سري، مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط.
وقال مسؤول مصري طلب عدم ذكر اسمه- وقتها لرويترز إن الحملة على الأنفاق أغراضها أمنية فحسب. وأضاف "هناك عناصر تستخدم الانفاق لإلحاق الضرر بالمصريين والفلسطينيين على جانبي الحدود".
وفي يناير من العام الجاري قال مسؤول أمني كبير طلب عدم نشر اسمه لرويترز "غزة هي التالية"، وأضاف "لا يمكننا أن نتحرر من إرهاب الإخوان في مصر دون وضع نهاية له في غزة الواقعة على حدودنا".
موقف النظام المصري من حماس هو أحد التفسيرات لعدم وجود موقف من القوى السياسية تجاه الوضع في غزة، بحسب الناشط السياسي خالد عبد الحميد.
وقال عبد الحميد لأصوات مصرية "توجه السلطة الحالية مؤثر بشدة في الموقف من الوضع في غزة... ولنقارن الموقف الآن بما حدث في نوفمبر 2012 أثناء حكم الإخوان المسلمين بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معهم".
وشنت القوات الإسرائلية عملية عسكرية على غزة أطلقت عليها "عمود السحاب" في نوفمبر 2012. وجاء الموقف المصري آنذاك داعما لحماس، حيث قام رئيس الوزراء وقتها، هشام قنديل، بزيارة تضامنية للقطاع، فيما ندد مرسي بالهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وقال "علي إسرائيل إدراك أننا لا نقبل العدوان الذي يؤثر سلبا على الأمن والاستقرار في المنطقة".
وعلى المستوى الشعبي قام وفد من بعض السياسيين والشباب آنذاك بزيارة تضامنية إلى غزة.
وقال عبد الحميد "السلطة التي تقمع أي مظاهرات بغض النظر عن سببها خلقت مناخاً يجعل من الصعب على أي ناشط التفكير في التحرك على الأرض، بالإضافة إلى أن معظم النشطاء مشغولون بمتابعة المعتقلين وقضاياهم التي تزيد يوماً بعد يوم بسبب قمع السلطة".
إلا أن عبد الحميد توقع أن تظهر بيانات إدانة من النشطاء والأحزاب السياسية مع تصاعد القصف على غزة، لكنه استبعد حدوث تحرك شعبي أو سياسي واسع على الأرض.
يذكر أن حجم العملية الحالية التي تشنها القوات الإسرائيلية على غزة لا يزال محدودا مقارنة بغيرها من الهجمات التي قامت بها على مدار السنوات الماضية.
بالنسبة للدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية، فالموقف المصري من الضربة الحالية لقطاع غزة يعكس نوعا من الثوابت في السياسة الخارجية المصرية.
وقال يوسف لأصوات مصرية إنه على الرغم من التوتر الذي كان ومازال قائما بين نظام الحكم الحالي في مصر وحركة حماس المسيطرة فعليا على الوضع في غزة فإن السياسة المصرية تفصل بين هذا الشأن والموقف من القضية الفلسطينية ككل. "موقف مصر منذ أيام مبارك وحتى الآن يقوم على رفض العدوان ولكن لأن هناك قيودا قانونية (معاهدة كامب ديفيد) فمصر لا تستطيع أن تهب إلى نجدة غزة بالسلاح".
وأضاف أن الشيء الاساسي الذي تستطيعه مصر هو دعم القضية دبلوماسيا من ناحية ومحاولة ووقف العدوان والتهدئة من ناحية أخرى وهو ما تقوم به المخابرات.
إلا أن يوسف يستدرك بأنه "يمكن بالطبع دعم القضية الفلسطينية بطرق أخرى ولكن هذا يحتاج إلى بلورة سياسة خارجية مصرية برؤية جديدة"، مضيفا "لكنني أعتقد أن أحد القيود على بلورة مثل هذه السياسة هو ما حدث من حركة حماس تجاه مصر أثناء حكم الإخوان المسلمين".
تعليقات الفيسبوك