على بعد بضع مئات من الأمتار من الأعلام المرفرفة والأغاني الوطنية والحشود الراقصة خارج مبنى المحكمة الدستورية العليا التي أدى فيها عبد الفتاح السيسي اليمين القانونية يوم الأحد رئيسا لمصر كان المزاج متشائما بصورة واضحة. في منطقة دار السلام الفقيرة جلس رجال عابسون مستغرقون في التفكير على مقاعد بسيطة فوق رصيف متهدم وقد أحاطت بهم بيوت متهالكة ووضعوا إلى جانبهم مطارقهم ومعاولهم على أمل أن يأتي مقاول يصطحبهم لأداء عمل. والمحظوظون منهم هم من يحصلون على يوم عمل قاصم للظهر مقابل أجر بسيط. وكانت البطالة وانخفاض الأجور والفقر من أسباب ثورة 25 يناير كانون الثاني 2011 التي أطاحت بحسني مبارك لكنها حققت القليل من المنافع الملموسة مما جعل المصريين متشككين تجاه قادتهم. وقال أحمد محمد (57 عاما) الذي تحمل قسمات وجهه تعب 30 عاما من العمل في مواقع البناء ليعول ثلاثة من الأبناء "الثورة حصلت ولم نر منها شيئا. أملي أن يتحسن الوضع لكن الله وحده يعلم." واستمر الركود منذ أطاح السيسي -عندما كان قائدا للجيش- بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين الصيف الماضي عقب احتجاجات حاشدة على حكمه. وتقدر الأرقام الرسمية معدل البطالة بحوالي 13 في المئة لكن من المعتقد على نطاق واسع أنه أعلى من ذلك بكثير. ويمكن للمطالبات بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية التي أطاحت بمبارك ودوت ضد مرسي أن تتحول إلى كابوس للسيسي إذا لم يتحرك سريعا لتخفيف البطالة والحد من عجز الميزانية المتزايد. ويجلس عمال اليومية العاطلون على الأرصفة عاما بعد عام. ولا يبدو أن بينهم من يثق في أن السيسي هو القائد الذي سيمد يديه إليهم في النهاية. هل التاريخ يعيد نفسه؟ قدمت دول الخليج العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت لحليفتها مصر أكثر من 12 مليار دولار من النقد والمنتجات النفطية منذ سقوط مرسي. لكن لا يبدو أن أيا من ذلك وصل إلى الفقراء الذين يمثلون ربع المصريين ويعيش الواحد منهم على أقل من 1.65 دولار في اليوم. ويخشى البعض منهم مثل غزاوي مصطفى (26 عاما) وهو أب يعول طفلين من أن يعيد التاريخ نفسه.. الأثرياء لهم الهيمنة والفقراء لا يلتفت إليهم أحد. وقال مصطفى "الدولة لا تزال هي هي. العادة أننا المتسولون الذين يجلسون على نواصي الطرقات." ويكسب مصطفى حوالي 200 جنيه (27.97 دولار) شهريا من أعمال غير منتظمة. ويتوقع المسؤولون نموا اقتصاديا معدله 3.2 في المئة فقط في العام المالي الذي سيبدأ في الأول من يوليو تموز وهو أقل من المستويات المطلوبة لتوفير وظائف كافية للسكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة والذين يتزايدون يمعدل سريع ولتخفيف وطأة الفقر المنتشر بالبلاد. وبعيدا عن المتاعب المالية التي تواجه مصر هناك مسألة تؤرق الكثيرين تتمثل في سوء توزيع الثروة وهو ما صار أمرا معتادا منذ عشرات السنين. وفي عهد مبارك حققت صفوة السياسيين ورجال الأعمال ثراء واسعا في حين كان الإهمال نصيب الفقراء الأمر الذي تسبب في فجوة كبيرة في توزيع الثروة مما أدى في النهاية لاشتعال انتفاضة 2011. وتم حديثا تطبيق نظام يضمن حدا أدنى للأجور يبلغ 1200 جنيه شهريا للعامل في القطاع العام والموظف الحكومي لكن بعض المسؤولين يكسبون أكثر من ذلك بكثير. وفي القطاع الخاص لا حد أقصى للأجور التي يمكن أن يصل بعضها إلى مليون جنيه تقريبا في الشهر. وبالقرب من طريق الكورنيش في حي المعادي الذي يسكنه مسؤولون حكوميون كبار وأثرياء توجد منطقة دار السلام حيث الشوارع الضيقة غير الممهدة التي تتسرب إليها مياه الصرف الصحي لتنتشر البرك الكريهة الرائحة. ويقف فتحي بيومي (60 عاما) الذي يعمل خياطا أمام محله الضيق وقد امتدت على الحائط الحجري شبكة من الأسلاك الكهربائية التي تتصل بمصباح كهربائي وحيد يتدلى فوق ماكينة الخياطة التي لا توجد أدوات ولا معدات غيرها في المحل. وقال "عندما أترك هذه المنطقة وأرى الفرق في مستوى الحياة أعود محبطا ولا أريد الحديث مع أحد. هناك فجوة واسعة وهؤلاء الناس لا يمكنهم تصور الظروف التي نعيش فيها." وأضاف لا يوجد مسؤولون يزورون هذه المناطق. المهم عندهم أن يحصلوا على مناصبهم وينسوننا. الناس تعبت ونحن نقول ربنا يساعد السيسي. أنا عندي أمل لأني لو مفيش عندي أمل حاموت."
تعليقات الفيسبوك