عندما يسمع أزيز طائرات الهليكوبتر العسكرية التي تراقب احتجاجات مصر فوق وسط القاهرة يتوقف الجميع عن الكلام ويرفعون رؤوسهم لمتابعتها بأنظارهم.
وفي كل الاحوال يدور الحديث في مجمله عن الجيش. وفي عودة مثيرة الى الساحة السياسية أمهلت القوات المسلحة يوم الاثنين الماضي الرئيس محمد مرسي 48 ساعة لتلبية مطالب ملايين المحتجين بالتخلي عن السلطة والا سيفرض عليه حل.
وتنتهي هذه الساعات ظهر اليوم الاربعاء لكن لم يظهر أي من الجانبين بادرة على التراجع. وزادت لغة الخطاب اشتعالا.
وأعطى انذار الجيش احساسا بالراحة لكثير من المصريين الذين يشعرون بالقلق مما يرون انه استحواذ أخرق على السلطة ويعتبرون الجيش المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على اعادة انتقال فوضويأ عقب الثورة الى المسار الصحيح.
كما أعاد الى الاذهان ذكريات مختلطة لفترة استمرت 17 شهرا أدار خلالها المجلس الاعلى للقوات المسلحة البلاد بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك.
وشهدت فترة حكم المجلس العسكري احتجاجات عنيفة وتقول منظمات حقوقية انها شهدت انتهاكات صارخة لحقوق الانسان.
ووصف كبار أعضاء جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها مرسي تحذير الجيش بأنه "انقلاب" وفي خطاب حماسي في الساعات الاولى من صباح اليوم الاربعاء حذر الرئيس المصريين من مغبة السماح بسرقةالشرعية الديمقراطية وسرقة ثورتهم.
وقال متولي سيد متولي الذي كان يتابع الخطاب التلفزيوني بمقهى بميدان التحرير حيث تجمع متظاهرون مناهضون لمرسي للاحتفال بتحرك الجيش ان التحدي الذي أبداه الرئيس ينذر باراقة الدماء. وأضاف "إنه يريد ان يقتل شعبه. إنه يريد ان يحول البلاد الى سوريا أخرى سوف نقول له لا يامرسي."
واستطرد "الشرعية من الميدان .. ميدان التحرير. حتى اذا مت أواذا سقط كل هؤلاءالناس قتلى .. لنا رأينا ومبادؤنا. مطلبنا الرئيسي هو ان يرحل مرسي."
وفي مكان آخر قريب من الميدان قال أحمد فتوح (33 عاما) صاحب متجر بوسط البلد ان بيان الجيش فاجأه وهو يعتقد ان وقت السياسة انتهى وان ذلك على الارجح لصالح البلاد نظرا للمشاكل الاقتصادية والسياسية.
وقال "عودة الجيش مسألة صعبة .. لكنها أفضل للبلد في هذه الظروف." وقال فتوح انه لم يدل بصوته في الانتخابات التي جاءت بمرسي الى السلطة لانه كان غير راض عن الجولة الثانية للاختيار بين مرشح الاخوان المسلمين وضابط سابق بالجيش يرى كثيرون انه رمز لحكم مبارك.
وأضاف فتوح انه يتوقع الان حكومة تمثل كل الاطياف وتضم الاسلاميين والليبراليين على حد سواء لادارة البلاد لفترة انتقالية.
وعبر كريم - محام عمره 24 عاما - عن نفس المشاعر وهو يجلس على مقهى في شارع قريب بينما كان الاف المتظاهرين يلوحون بالاعلام وه ميسيرون مبتهجين في طريقهم الى ميدان التحرير مركز الاحتجاجات المناهضة لمرسي.
وقال كريم ان الحشود التي تجمعت ضد مرسي أوضحت "ان الشعب هو مصدر السلطة" في مصر وسيعقب انتهاء مهلة الجيش تشكيل حكومة وحدة وطنية واعداد دستور جديد.
وقال صفوت كامل وهو محاسب عمره 55 عاما كان يجلس بجوار كريم ان الاسلاميين يستخدمون لغة خطاب عنيفة لكن اذا حاولوا حمل السلاح مثلما فعلت بعض الجماعات في صعيد مصر في التسعينات فانه واثق من ان الجيش يمكنه التعامل معهم.
وقال "اذا حاولوا سيزج بهم في السجون."
لكن هل يثق الاثنان في ان يعهد للقوات المسلحة بهذا الانتقال حتى بعد الفترة التي سادتها الفوضى التي اشرف عليها الجيش في الاونة الاخيرة؟. وأجاب الاثنان بصوت واحد "طبعا".
وقال كريم "القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة المنظمة القادرة على كبح الاخوان."
وتطفو علامات أحدث ضجة سياسية في مصر على السطح في كل مكان في وسط القاهرة. الباعة الجائلون الذين يعرضون الجوارب والحلي يرفعون اعلاما صغيرة وسط بضاعتهم.
وتغطي أقنعة (فينديتا) - شعار الاحتجاج ضد السلطة في أنحاءالعالم - نماذج العرض في المتاجر.
ويردد المتظاهرون الشعارات المناهضة لمرسي على نواصي الشوارع.
وقال رجل عجوز في الستين من عمره كان يقف بالقرب من متجر ملابس ان المصريين "تعلموا الدرس" وسيختارون الرئيس القادم بعناية بعد ازاحة مرسي.
وأضاف "إننا نثق في الجيش. مرحلة جديدة على وشك ان تبدأ."
وعلى بعد بضع بنايات جلس مهندس سوداني في الخامسة والثلاثين من العمر يشرب الشاي مع صديق.
وتذكر تاريخ بلده الذي مر بانتفاضة شعبية وحكم ديمقراطي فوضوي واستيلاء الجيش على السلطة في الثمانينات.
وقال بعد ان طلب عدم نشر اسمه "النظام السياسي لا يختلف كثيرا هنا لكن الجيش مختلف." حكام السودان الذين ينتمون ايضا الى خلفية اسلامية أمضوا سنوات يتسللون الى الجيش قبل انقلاب عام 1989 الذي جاء بالرئيس عمر حسن البشير الى السلطة.
وهو يرى ان الجيش في مصر أكثر حيادا فيما يبدو. وهذا يعني انه سيقوم بدور لخلق توازن بين الفرقاء السياسيين والتأكد من عدم اقصاء أحد من الفترة الانتقالية.
واستطرد "حكم الحزب الواحد مشكلة. انها مشكلة في العالم العربي كله."
تعليقات الفيسبوك