شاعر العامية الخالد بيرم التونسي قال يوما "يا بائع الفجل بالمليم واحدة... كم للعيال وكم للمجلس البلدي". صحيح أنه كان يقصد انتقاد الضرائب والرسوم التي فرضت على الجميع بلا تمييز، إلا أن لسان حال بائع الفجل وأمثاله في هذا الزمان يكاد يقول: كم للعيال وكم للمواصلات.
اعتاد عبده أن يركب سيارة ميكروباص في الطريق من منزله بحي إمبابة شمال مدينة الجيزة إلى عمله قرب ميدان الجيزة، ولكن سائقي الميكروباص أصبحوا يقسمون هذه المسافة إلى ثلاثة خطوط وأصبح عبده مضطرا إلى ركوب ثلاثة ميكروباصات عند ذهابه إلى عمله ومثلها عند العودة بتكلفة يومية تبلغ أربعة جنيهات مقابل أقل من جنيهين في السابق.
وعبده اسم مستعار لرب اسرة رفض الإفصاح عن اسمه.
وعلى الرغم من أن تذكرة ركوب أوتوبيسات النقل العام الحكومية المصرية تكلفه جنيهين ذهابا وعودة، إلا أن عبده، الذي يعمل محاسبا، لا يفضل ركوبها بسبب التكدس الشديد بها وتباعد الوقت بين الأوتوبيس والآخر.
ورصدت الحكومة المصرية دعما بقيمة 1.4 مليار جنيه لهيئتي نقل الركاب بالقاهرة والإسكندرية في موازنة السنة المالية 2013-2014 مقابل 1.2 مليار جنيه في موازنة 2012-2013.
ويفيد بحث الدخل والإنفاق الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بمصر للعام 2012-2013 أن الأسر المصرية تنفق نحو 5.2 بالمئة من دخلها السنوي على خدمات النقل والمواصلات.
وتسير الدولة شبكة مواصلات تتمثل في مترو الأنفاق الذي يقل ما لا يقل عن مليوني راكب يوميا، وهناك أيضا شبكة من خطوط الأوتوبيس والميني باص، بالإضافة إلى خدمة الأوتوبيس النهري الصغيرة.
هذا ناهيك عن شبكة القطارات بين المدن المصرية.
وأصبحت الميكروباصات –وهي وسيلة نقل جماعي خاصة- وسيلة المواصلات الرئيسية في القاهرة والجيزة وضواحيهما مع تزايد سكان المدينتين وتراجع مستوى خدمات النقل العام.
ويقول سليم الابن الأوسط لعائلة عبده إنه نسي تقريبا شكل أوتوبيس النقل العام الذي يسير من إمبابة لجامعة القاهرة والذي يحمل رقم 111 بسبب قلة أعدادها.
وكانت الحكومة قد أعلنت في وقت سابق هذا العام إنها تنوي إضافة نحو 500 أوتوبيس لاسطول النقل العام بإقليم القاهرة الكبرى الذي يضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.
وأضاف سليم عبده أنه يضطر إلى الاستيقاظ قرب الخامسة صباحا حتى يستطيع اللحاق بالمحاضرة الأولى فى كليته (الحقوق بجامعة القاهرة) التي تبدأ في الثامنة صباحا، لأن الطريق من إمبابة إلى الجامعة (قرب ميدان الجيزة) يستغرق نحو ساعتين رغم أن طول الطريق لا يزيد عن عشرة كيلومترات.
ويقول عبده إنه كان يقطع الطريق من منزله إلى ميدان الجيزة في أقل من ساعة حتى النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين.
ويقدر الخبير في سياسات النقل وأمان الطرق خالد مصطفى إن زحام المدن الكبرى في مصر يتسبب في خسائر بالمليارات للاقتصاد وإن حوادث الطرق وحدها تسبب خسائر سنوية للبلاد لا تقل عن عشرة مليارات جنيه.
ومن المتوقع أن يزيد الناتج المحلي لمصر خلال السنة المالية الجارية عن تريليوني جنيه.
ويبلغ تعداد سكان محافظة الجيزة نحو سبعة ملايين ونصف، وهي الثانية في مصر بعد القاهرة (العاصمة) التي يزيد عدد سكانها عن تسعة ملايين مواطن.
وأضاف عبده أن أسرته تتكلف أكثر من عشرة جنيهات يوميا في المواصلات فقط، مع أن زوجته لا تعمل وابنه الأكبر وابنته الصغرى لا يحتاجان لركوب وسائل المواصلات للوصول إلى أماكن عملهم ودراستهم.
وذكر أن دخل أسرته الشهري يبلغ 2500 جنيه (260 دولارا).
وانتقد عبده ما سماه انعدام الرقابة المرورية على سائقى الميكروباصات الذين أصبحوا يتخذون من البلطجة والصوت العالي، وأحيانا يصل الامر إلي استخدام العنف لترهيب المواطنين وإرغامهم على دفع مثلي أجرة التوصيل.
وتتعدد الروايات التي تبين تغول سائقي الميكروباص وتماديهم في فرض شروطهم على الركاب، وينقسم الركاب في مواقف كهذه بين متصدين لهم ومستسلمين لهم ومن يبدون امتعاضا ممن يقفون في وجه السائقين بحجة أن ذلك لن يؤدي إلا إلى تعطلهم عن الوصول إلى أعمالهم.
وهناك أيضا روايات عن مخالفة السائقين بشكل سافر لقواعد المرور كالسير عكس الاتجاه والصعود على الأرصفة والقيادة بدون رخصة وغير ذلك.
تعليقات الفيسبوك