هل تنتهي الصحافة المطبوعة في مصر؟

الثلاثاء 08-12-2015 PM 02:00
هل تنتهي الصحافة المطبوعة في مصر؟
كتب:

كتب: يحيى صقر

من تحول صحيفة "المصريون" اليومية لإصدار أسبوعي إلى الأزمات المالية بجريدة "المصري اليوم" وإعلان تقليص العمالة، مرورا بلجوء "الوطن" إلى تخفيض رواتب صحفييها، وانتهاء بدخول صحفيي "الشروق" في إضراب عن العمل بعد تعثر الإدارة في صرف رواتبهم، بدا أن الصحف الخاصة في مصر تواجه مخاضا عسيرا، يغري بالتساؤل "هل تنتهي الصحافة الخاصة المطبوعة في مصر".

القائمون على الصحف

إشعال النار في نفسه كانت الحيلة الأخيرة التي لجأ إليها شريف البراموني، الصحفي بجريدة التحرير، بعد إعلان ملاكها التوقف عن الصدور في سبتمبر الماضي، نتيجة أزمة مالية، بعد مداولات باءت بالفشل استمرت أسابيع طويلة بين صحفيي الجريدة وملاكها انتهت بانضمام عشرات الصحفيين لطابور العاطلين عن العمل.

أرجع قرطام، مالك جريدة التحرير السبب الرئيسي في إغلاق الصحف الخاصة إلى تضاؤل التوزيع وزيادة الخسائر، مشيراً إلي أن إجمالي توزيع الصحف المصرية وصل إلى 500 ألف نسخة وهو ما يجعل حصة كل صحيفة ضئيلة جدا.

الخبر على التليفون

وقال قرطام، لـ"أصوات مصرية"، إن "المواطن بقي بيجيله الخبر على التليفون فانصرف عن الصحف المطبوعة واتجه إلى الإلكترونية وهو ما قلل فرص حصول الصحف على إعلانات".

وأضاف "الأخبار أصبحت (تيكاواي) ولا يوجد قارئ للتحليلات ومن يقرأها سيجد الصحف الأسبوعية".

وأعرب قرطام عن اعتقاده بأن الصحف الورقية الخاصة ستنتهي من السوق قريباً ما عدا المؤسسات القائمة منذ زمن كـ"المصري اليوم" وغيرها التي أصبح لديها القارئ والمعلن.

مستقبل غامض

شائعات عدة أحاطت بمصير العاملين بجريدة الشروق اليومية دخل على إثرها عدد منهم في إضراب عن العمل بعد تأخر صرف مستحقاتهم المالية منذ شهر سبتمبر الماضي، كان قد سبقها حالات لفصل عدد من العاملين بالجريدة على مدار الأشهر الماضية، أرجعها ملاكها إلى الأزمة المالية.

تقدم مادة واحدة

عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق قال إن الإعلام في مصر بمختلف تنوعاته سواء كان فضائيات أو صحف أو إصدارات إلكترونية يواجه أزمة حقيقية هي قلة نصيب كل وسيلة إعلام في كعكة الإعلانات، وتراجع الصحف المستقلة التي أنشئت للحصول على نفوذ سياسي، وعدم وجود تنافس حقيقي في الصحافة فكلها تقدم مادة واحدة وهو ما يؤثر سلباً في جذب قراء جديد، على حد تعبيره.

وأضاف حسين أن الجزء الواضح في الأمر هو ضعف الإعلانات وهو ما سيدفع الصحف إذا ما أرادت الاستمرار إلى إعادة الهيكلة والعمل على أسس مهنية، كما أرجع تلك الأزمة لما سماه بـ"الأزمة الاقتصادية الطاحنة" في مصر والمنطقة.

عار صحفي

وعن مؤشرات تراجع إقبال المواطن على الصحافة الورقية قال رئيس تحرير الشروق إن المواطن سيعود إذا ما قدمت الصحف مادة مختلفة عن التلفزيون سواء كانت تقارير أو تحليلات، معتبرا أنه من قبيل "العار أن سوق فيه 90 مليون شخص لا يوجد به سوى 3 صحف توزع بشكل كبير".

وقال حسين إن التغيير في شكل الصحف سيحتاج إلى تطوير الكفاءات وتدريبها والاستثمار في الجانب البشري، لافتا إلى أن "مفهوم الصحافة القديم قد تغير ونحتاج لنظرة مختلفة لننهض بها".

وتابع "صحف الويب ستسعر بعض المواد كالمقالات التي تنشر في الإصدار الورقي فقط وهو إجراء حدث في أوروبا في أكثر من صحفية".

ليست مشكلة شركة إعلانات

وقال حسين ليست المشكلة في شركة إعلانات بعينها فالشركة المعلنة سواء كانت برومو ميديا أو غيرها تقول إن المعلنين أنفسهم يتعسرون في الدفع فلا تستطيع الشركة أن تحصل على مستحقاتها لكي تعطي للصحف ووسائل الإعلام مستحقاتهم بشكل منتظم.

وعن الأزمة التي تشهدها صحفية الشروق في الفترة الحالية والإضراب الموجود داخلها وشائعات إغلاق الصحفية، قال حسين إنها لن تتحول إلى أسبوعي و لن تغلق.

"الإلكترونية".. بديل مربح

قال عادل صبري رئيس تحرير موقع "مصر العربية" إن الأزمة تواجه الصحف الورقية والإلكترونية على حد سواء نتيجة لعدم تفهم القائمين عليها لاحتياجات الجمهور، والنسبة الغالبة منه هي الشباب.

عقاب جماهيري

وأضاف صبري أن الصحافة الورقية ترنحت منذ أواخر عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وانتعشت مع الثورة بسبب الحرية وتحدث الصحف باسم الشعب والجمهور ثم تراجعت مع تحولها لبوق للسلطة أينما كانت السلطة، وأعتقد أن ما يحدث وسيلة عقابية من الجمهور.

وحول جذب المواقع للمعلنين قال صبري "في الماضي كانت شركات الإعلانات تخشى التعامل مع الإنترنت بسبب صعوبة قياس عدد المشاهدين، لكن الآن تستطيع أن تعرف العدد الحقيقي لكل موقع وكل خبر وتستطيع أن تصل لتحليلات دقيقة حول نوعية وجغرافية المشاهدين وعمرهم واستهلاكهم من خلال تحليلات جوجل والفيس بوك، على عكس الصحف الورقية التي لا تستطيع الحصول على نسبة رسمية بعدد النسخ التي تطبعها.

مشكلة "جو عام"

قال جمال عبد الرحيم سكرتير عام نقابة الصحفيين لدينا أكثر من 15 صحفية أغلقت خلال السنوات الماضية ولم يسمع لها أحد لكن عندما نتحدث عن المؤسسات القائمة التي استمرت من الصحف الخاصة مثل الشروق والمصري اليوم والوطن والتحرير فمن وجهة نظري أن سبب تعثرها لا يرجع لأزمات مالية ولكنه يرجع لإنشائها من قبل رجال أعمال استخدموها في الدفاع عن مصالحهم الشخصية، وبعد تحقق تلك المصالح أو ما حدث الآن من عدم احتياج الجو العام في الدولة للصحافة بدأت تظهر المشاكل وبدأ الانسحاب من السوق.

حقيقة شعارات قرطام ودياب

وتحدث عبد الرحيم عن أزمة صحيفة التحرير بشكل خاص قائلاً "أكمل قرطام يقول إنه أغلق صحفية التحرير لأنها تخسر، ولكنه عندما اشترى الصحفية من إبراهيم المعلم كان يعلم تماماً أنها تخسر خسائر فادحة وواحد في حجمه يحقق أرباحا عالية من عمله ليست مشكلته مع الصحيفة في الخسائر وكذلك صلاح دياب، وحديثهم عن إنشاء الصحف من أجل الصحافة الحرة محض شعارات.

صحف مصالح

وقال "الصحف القائمة حالياً كلها صحف مصالح كذلك الفضائيات الخاصة بعضها يمتلكها رجال أعمال نهبوا مدخرات الشعب المصري وتورطوا في قضايا فساد وصنعوا وسائل إعلام للدفاع عن فسادهم ومع انتهاء مصالحهم أوقفوا الصحف وهو ما عاد بالضرر على الصحفيين فهم ألحقوا أعدادا كبيرة من الصحفيين بالنقابة ثم تخلو عنهم بثمن بخس".

وأرجع عبد الرحيم ضعف المبيعات إلى اعتماد الصحف على أسلوب قديم في الكتابة واستخدام المادة الخبرية التي انتهت بسبب وجود المواقع والتلفزيون وعليها أن تبحث عما وراء الخبر.

ما وراء الكاميرا

ونقل عبد الرحيم عن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل قوله في أزمة الصحافة المصرية إن الصحف إذا أرادت الاستمرار فعليها أن تصل إلى ما وراء الكاميرا.

قال صلاح عيسي، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، إن ما تواجهه الصحافة من ظروف اقتصادية صعبة لا يختلف عما تواجهه باقي مؤسسات مصر بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد من أزمات اقتصادية وجزء من تلك الأزمات ينعكس على الصحافة، خاصة انخفاض عائدات الإعلانات وارتفاع تكلفة الطباعة، مشيرا إلى أن نسب توزيع الصحف انخفضت إلى النصف بعد ارتفاع سعر بيع الصحف للجمهور.

وحول أزمات الصحف مع شركات الإعلانات قال عيسي، في اتصال هاتفي مع "أصوات مصرية"، إن الشركات لا تتعمد أن تضع الصحف في ذلك الموقف، لكن المعلنين يتعسرون و يتأخرون على الشركة في دفع مستحقات الشركة لديهم فتتأخر الشركة عن الدفع للصحف وهي دائرة متصلة.

دروع لرجال الأعمال

"نفق معتم ومستقبل في مهب الريح".. بتلك الكلمات وصف ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي وضع الصحافة في مصر، معتبرا أن وسائل الإعلام المصرية تتعرض لأزمة مادية ضخمة بسبب عدم قيامها على أسس صحيحة، فهي لم تنطلق على أساس جدوى استثمارية، وإنما صدرت كنقاط ارتكاز سياسية ودروع لحماية رجال الأعمال ومصالحهم.

وضع مصر مختلف

وأضاف عبد العزيز أن وسائل الإعلام في كل دول العالم تتعرض لأزمات مادية وتلجأ لوقف إصدارات وتخفيض عمالة وإعادة هيكلة لكن الوضع في مصر مختلف لأن عدد من تعرضوا للأزمات أكبر من متوسط المقبول في كل دول العالم.

مال سياسي وأجندة خاصة

وقال "لدينا ما يقرب من 250 صحفية في الأسواق المصرية وحصة إعلانات في الأسواق المصرية ما بين 4 إلى 5 مليارات جنيه سنوياً وهو ما جعل حصة كل صحفية لا تغطي تكلفة استمرارها، كما أن لدينا وسائل إعلام ظهرت عقب ثورة يناير 2011 تم تأسيسها على مال سياسي خارجي خالص وبأجندة محددة سواء حققت هدفها أو فشلت في تحقيقه فهي الآن تسعي للخروج من السوق لعدم وجود ذرائع للاستمرار".

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys