تشهد ليبيا حالة من الفوضى والسيولة السياسية، وصلت إلى ذروتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأصبحت الفوضى تمثل تهديدا أمنيا محتملا بالغا لمصر.
وتتحدث مصادر أمنية مصرية عن معسكرات لتدريب متشددين على أرض ليبيا يستهدفون مصر، وتهريب مستمر للأسلحة من ليبيا إلى مصر عبر حدودهما المشتركة، وآلاف المصريين العاملين في ليبيا يعودون إلى بلادهم هربا من احتدام الحرب الأهلية، واحتجاز متكرر لشاحنات تجارية مصرية من قبل مسلحين، وإغلاق متكرر مؤقت أو جزئي للحدود في وجه التجارة.
وأجبر الاشتباك المستمر بين ميليشيات مسلحة في طرابلس وبنغازي البعثات الدبلوماسية والعمال الأجانب على مغادرة البلاد، وعلق آلاف المصريين الفارين من الفوضى في أغسطس الماضي عند معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا قبل أن تقرر السلطات المصرية مد جسر جوي لتسريع عودتهم لبلدهم، وقدر وزير الخارجية المصري وقتها عدد المصريين العالقين بين خمسة وعشرة آلاف.
ما الذي يحدث في ليبيا؟
وجهت الفصائل المتمردة -التي اتحدت في انتفاضة عام 2011 لتحطيم حكم معمر القذافي الذي استمر 42 عاما- أسلحتها إلى بعضها البعض الأمر الذي جعل ليبيا تسقط في الفوضى جراء القتال من أجل السلطة والنفط والمال من ميزانية الدولة التي تبلغ 47 مليار دولار.
وسقطت العاصمة طرابلس في أيدي ميليشيا تسمي "فجر ليبيا"، ما أدى إلى انتقال الحكومة والبرلمان إلى مدينة طبرق، فيما يواجه الجيش حاليا هجوما في بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية يشنه إسلاميو جماعة "أنصار الشريعة"، الأمر الذي سيؤدي إلى تقسيم الدولة الواقعة في الشمال الإفريقي إلى ثلاث مناطق متحاربة.
استراتيجية مصر للتعامل مع أزمة ليبيا
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي أواخر الشهر الماضي إنه "على الرغم من أن مصر تعد أكثر الأطراف المتضررة من تردي الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، إلا أنها تلتزم بعدم التدخل في الشؤون الليبية الداخلية".
وقال مصدر عسكري رفيع المستوي، في اتصال هاتفي مع أصوات مصرية، إن مصر تعمل على تشجيع الجهود الحثيثة للفصائل للتوصل إلى رؤية واضحة لمستقبل ليبيا، مشيرا إلى أنه يوجد حاليا تعاون قوي على المستويين الدبلوماسي والعسكري فيما يخص الحدود بين مصر وليبيا.
وأوضح إن هذا التعاون يتضمن تبادل المعلومات ومقاومة الإرهاب على الحدود بين الطرفين ودعم الجيش الليبي للعودة لدوره في تأمين الحدود الليبية.
وكانت وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مسؤولين أمنيين مصريين قولهم إن الفوضى في ليبيا سمحت للمتشددين بإقامة معسكرات تدريب مؤقتة على بعد كيلو مترات فحسب من الحدود المصرية، وإن المتشددين لديهم طموحات مشابهة للمجموعة التي انشقت على تنظيم القاعدة واستولت على مساحات من الأراضي العراقية، إذ يسعون للإطاحة بالسيسي وإقامة خلافة في مصر.
وقال مصدر عسكري لرويترز "بالطبع الجيش يتحرى أمر هذه الجماعات" لكنه نفى وجود خطط لأي هجوم عبر الحدود.
ونفي المصدر العسكري لأصوات مصرية ما تردد عن وجود اتفاقية تعاون عسكري بين مصر وليبيا أُبرمت في سبتمبر الماضي، وقال "لا صحة لهذه الوثيقة".
كانت قناة الجزيرة نشرت على موقعها الإلكتروني ما قالت إنه وثيقة مسربة عن تحرير اتفاقية تعاون عسكري واستراتيجي بين الحكومة المصرية ووزارة الدفاع في حكومة طبرق الليبية التي يترأسها عبد الله الثني. وتسمح الاتفاقية المزعومة للطرفين باستخدام المجال الجوي لكليهما لأغراض عسكرية وإرسال عسكريين على الأرض.
إلا أن السيسي شدد في تصريحات سابقة على أن قوات الجيش المصري لم تقم بأي عمل عسكري خارج حدود مصر حتى الآن.
وقال "لا توجد طائرة ولا أي قوات مصرية في ليبيا ولم تقم أي طائرة مصرية بأي عمل عسكري داخل الأراضي الليبية .. فقواتنا داخل أراضينا".
وتصريح السيسي الأخير ردا على ما رددته الخارجية الأمريكية والبنتاجون من أن مصر والإمارات شنتا سلسلتين من الغارات الجوية على طرابلس، وهي التصريحات التي تراجعت عنها أمريكا بعد إذاعتها بيومين.
وأشار المصدر العسكري في تصريحاته لأصوات مصرية إلى وجود تواصل على كل المستويات الثنائية والدولية ودول الجوار الليبي مثل تونس والجزائر وتشاد لحل الأزمة الليبية والتأكيد على دعوة كافة الدول للالتزام بعدم دعم الإرهاب وتمويل المليشيات.
وتشارك مصر مع الدول المجاورة لليبيا في اجتماعات متكررة لمحاولة الوصول لحل للأزمة، كان رابعها في نهاية أغسطس في القاهرة، بحضور وزراء خارجية ليبيا وتونس والجزائر والسودان وتشاد، توصلوا فيه إلى "مبادرة مشتركة لدول الجوار تقوم على المبادئ الرئيسية التالية...احترام وحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها... عدم التدخل فى الشؤون الداخلية لليبيا والحفاظ على استقلالها السياسى.. الالتزام بالحوار الشامل ونبذ العنف ودعم العملية السياسية. "
وترأس السفير محمد بدر الدين زايد، مساعد وزير الخارجية لشؤون دول الجوار، أمس الأحد، وفد كبار مسئولي دول جوار ليبيا الذى زار مدينة طبرق الليبية للقاء المسؤولين لبحث آخر المستجدات.
وخلال مؤتمر صحفي، قال زايد "لقد آن الأوان للحوار الجاد وترك السلاح والتفرغ لبناء ليبيا التي تستحق التضحية وهي التي أبهرت العالم من خلال تضحيات أبنائها".
وجدد التأكيد على حرص دول الجوار على أمن واستقرار ليبيا لما يمثله من أهمية لدول الجوار وللحرص كذلك على مستقبل ليبيا وخروجها من المرحلة الصعبة التي تمر بها حاليا .
ويرحب مجلس النواب بطبرق بمساعدة المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب. وقال المجلس في بيان له "إن آفاق المساعدة الدولية مفتوحة من أجل حماية المدنيين وممتلكاتهم ومرافق الحياة التي تتعرض للتدمير والنهب على يد مليشيات خارجة عن القانون".
وأكد أن "ليبيا تنتظر دعما على جميع الأصعدة بما في ذلك الدعم العسكري".
تعليقات الفيسبوك