طارق فتحي بائع شطائر كان يعتزم أن يعطي صوته لقائد الجيش المصري السابق عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة إيمانا منه بأن الرجل الذي بجلته وسائل الإعلام سيصلح كل شيء.. بدءا من نظام الرعاية الصحية المهلهل وانتهاء بأزمة الطاقة المتصاعدة.
لكن الرسائل التي وجهها السيسي لأبناء الشعب لم تبث الأمل داخل فتحي في مستقبل أفضل بعد أن توفيت زوجته الشهر الماضي في مستشفى حكومي يفتقر لأبسط قواعد النظافة. وفي النهاية لم يعط صوته لأحد.
ما خرج به فتحي من التجربة هو أن قائد الجيش السابق مثله مثلمعظم من سبقوه من زعماء ذوي خلفية عسكرية ليس لديه الكثير الذي يمكن أن يقدمه.
قال فتحي -وهو أب لطفلين صغيرين- بينما كان يتصبب عرقا في متجره الواقع في حي تسكنه الطبقة العاملة بالقاهرة "ماتت في مستشفى من المستشفيات الحكومية الزبالة." تابع "كنت فاكر إني هاصوت للسيسي لكن عرفت دلوقتي إن ولا أي مرشح هيقدر يساعدني. ليه أنتخب؟ ما فيش فايدة."
من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز السيسي الذي يحظى بمديح وسائل الإعلام ودعم الجيش والأجهزة الأمنية ورجال الأعمال أمام منافسه الوحيد السياسي اليساري حمدين صباحي.
لكن الإقبال على التصويت الذي جاء أقل مما كان متوقعا أثار تساؤلات حول حجم تأييد السيسي الذي رفعه كثيرون لمصاف الأبطال بعد عزله الرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو تموز الماضي.
وربما كان ضعف الإقبال علامة مبكرة على احتمال تغير المواقف في وقت يستعد فيه السيسي لقيادة دولة أسهمت الاحتجاجات بها في الإطاحة برئيسين خلال ثلاث سنوات.
ورغم الحملة الرسمية لحمل الناخبين على التصويت كان الحضور في اللجان محدودا لعدة أسباب. فجماعة الاخوان المسلمين التي يعتقد أن عدد أعضائها يبلغ نحو مليون عضو في بلد يزيد عدد سكانه عن 85 مليون نسمة كانت قد أعلنت رفضها للانتخابات ووصفتها بأنها استمرار لاستيلاء الجيش على السلطة.
كما تغيرت آراء الشباب الليبراليين حتى من أيدوا قرار عزل مرسي وذلك بعد اعتقال كثيرين منهم في حملة أمنية صارمة أدت إلى الحد من الاحتجاجات والمظاهرات.
وربما يكون من أسباب انخفاض نسبة المشاركة أن بعض الناخبين اعتبروا فوز السيسي أمرا محسوما ولم يروا فائدة في الادلاء بأصواتهم. وربما امتنع آخرون لانهم يرفضون التصويت لرجل ذي خلفية عسكرية.
ويبدو أن السيسي صرف البعض عنه بلقاءاته التلفزيونية التي دعا فيها المصريين للتقشف والعمل. فمحاولة فرض نظام عسكري على بلد يعاني اضطرابات سياسية على مدى ثلاث سنوات منذ الإطاحة بحسني مبارك ربما تكون قد أتت بنتيجة عكسية.
ورغم أن كثيرا من المصريين الذين التقت بهم رويترز في أحياء تقطنها الطبقات العاملة عبروا عن رغبتهم في وجود رئيس قوي قال آخرون بهدوء إنهم انصرفوا عن تأييد السيسي بسبب تلك الدعوات.
ورفعت في أحياء فقيرة لافتات تدعو للتقشف كتب على إحداها "بالعمل" وإلى جانبها وجه السيسي مبتسما. وتحمل لافتة أخرى صورة السيسي وجملته "العمل هو كل ما أملك.. العمل هو كل ما أطلبه منكم جميعا."
والملايين من المصريين الفقراء إما يمتهنون أكثر من عمل لتدبير سبل العيش وإما لا يمكنهم التفاعل مع رسالة السيسي لأنهم لا يجدون عملا في الأساس.
* "ده مش حل"
يرى البعض أن مقترحات السيسي لعلاج جانب من التحديات الملحة مقترحات صعبة لأنها ألقت العبء في غير محله.. ألقت به على الفقراء. وفي مواجهة أزمة الطاقة الحادة اقترح السيسي في أحد اللقاءات مع عدد من الشبان خلال حملته الانتخابية الذهاب إلى المدرسة سيراعلى الأقدام بدلا من استخدام وسائل النقل والمواصلات.
وفي لقاء تلفزيوني حث السيسي المصريين على فهم الواقع الحقيقي وطلب منهم تقسيم رغيف الخبز لأربعة أرباع بحيث يمكن استخدام الرغيف كاملا دون أي إهدار.
قال عماد عبد الإله الذي يعمل مع فتحي "إزاي أقسم الرغيف لاربعة؟ ده مش حل."
ومقترحات السيسي لعلاج مشاكل مصر الاجتماعية والاقتصادية لم تستفز الفقراء وحدهم. على مشارف القاهرة وفي منطقة الشيخ زايد التي تقطنها طبقة فوق متوسطة قال مؤيد لمرسي إن السيسي لن يجد عونا يذكر من مصريين هو أحدهم.
قال المهندس البالغ من العمر 30 عاما "عندنا أزمة كهربا وهو بيكلمنا عن ترشيد." وأثارت مثل تلك الأفكار نكات وحمل موقع يوتيوب العديد من التسجيلات الساخرة.
ووصف المدون المصري المعروف في وسائل التواصل الاجتماعي باسم "الفرعون الكبير" منهج السيسي بأنه "عبثي تماما". وقال إن الرجل الذي نال احتراما واسعا في زيه العسكري والذي وصف بأنه بطل الأبطال يجد الآن "توبيخا" من المصريين المقاطعين للتصويت.
قال "اللامبالاة السياسية في غاية الخطورة الآن. نرى الآن شبابا يفقدون الثقة ويفقدون الإيمان بالعملية السياسية. وهذا ليس بالشيء الجيد."
تعليقات الفيسبوك