توشك مصر على أن تشهد تغيرا كبيرا في خريطتها الداخلية، يمنح محافظات مساحات وموارد أكبر على حساب أخرى، ويخلق محافظات جديدة، ويجعل لكل محافظات الصعيد منفذا على البحر الأحمر.
وأعلنت الحكومة قبل أيام قرارا بإنشاء ثلاث محافظات جديدة، هي العلمين والواحات ووسط سيناء، وإعادة ترسيم حدود عدد من المحافظات القائمة، ما يجعل العدد الإجمالي للمحافظات في مصر يرتفع إلى 30 محافظة من 27 محافظة حاليا.
وياتي القرار على ما يبدو تنفيذاً لخطة اقترحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في برنامجه الانتخابي تهدف إلى "تنويع فرص الاستثمار" في كل محافظة.
كما يأتي القرار مواكبا لإعلان الحكومة مؤخرا خطوات باتجاه "مشاريع قومية تنموية"، من بينها البدء في مشروع تنمية قناة السويس، وحفر "قناة موازية"، ومشروع تنمية الساحل الشمالي الذي يشمل أنشطة زراعية وتعدينية وسياحية، ومشروع المثلث الذهبي للثروة المعدنية بين قنا ومدينتي سفاجا والقصير، لربط مناطق الاستغلال التعديني بالطرق الرئيسية.
ويحدث القرار طفرة في عدد المحافظات الحدودية التي يتولى عادة منصب المحافظ فيها عسكريون سابقون، ويثير القرار جدلا داخل محافظات مصر المختلفة بين مؤيد ومعارض لتغيير حدودها.
ويتم هذا الإجراء الذي من شأنه إحداث تغير غير مسبوق في التقسيم الإداري لمصر في غياب أي تمثيل شعبي سواء على مستوى المجالس المحلية التي تم حلها عام 2011 في فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو على مستوى البرلمان، الذي حلت غرفته الوحيدة (مجلس الشورى) في يوليو 2013، والذي لم يعلن موعد إجراء انتخاباته بعد.
وكان آخر تعديل في عدد وحدود المحافظات المصرية أجراه الرئيس الأسبق حسنى مبارك بقرار جمهوري عام 2008، وقضى بإنشاء محافظتين جديدتين هما حلوان و6 أكتوبر.
وكان قرار جمهوري سابق صدر عام 1986 قسم مصر إلى 27 محافظة، و7 أقاليم هي القاهرة، والدلتا والاسكندرية وقناة السويس وشمال الصعيد وأسيوط وجنوب الصعيد.
وألغت حكومة عصام شرف محافظتي حلوان و6 أكتوبر في أبريل 2011 بعد إسقاط مبارك في فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ولم يتضح ما إذا كان القرار الأخير الذي أعلنه عادل لبيب وزير التنمية المحلية قرارا مبدئيا ومشروعا قد يتعرض للتعديلات أم قرار نهائيا.
وقال مستشار لرئيس الوزراء إبراهيم محلب لأصوات مصرية إن القرار لم يعرض بعد على المجلس، وبينت تصريحات لعدة محافظين أن القرار لم يصدر رسميا بعض، وأن ترسيم الحدود النهائي محل دراسة.
وكان لبيب قال في 21 أغسطس في مؤتمر صحفي إن إعادة ترسيم حدود المحافظات سيتم على ثلاث مراحل، تم الانتهاء من الأولى وتشمل محافظات الصعيد، والثانية القاهرة والجيزة والقليوبية وشمال سيناء والثالثة باقي محافظات الوجه البحري.
وأضاف أن التوقيت النهائي للمراحل والانتهاء من الترسيم تحدده هيئة المساحة التي تقوم بتدقيق الإحداثيات على أرض الواقع وهو ما يستغرق وقتا لا يقل عن 6 أشهر.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي عقد اجتماعا قبلها بيومين لاستعراض المرحلة الأولى من خطة ترسيم الحدود المستقبلية لمحافظات الجمهورية، المعنية بمحافظات الوجه القبلي.
وقال لبيب إنه تقرر زيادة مساحة محافظات الفيوم وبني سويف و أسيوط بنسبة و سوهاج وقنا والأقصر وأسوان بنسب متفاوتة، كانت أكبرها الأقصر التي تم زيادة مساحتها عشرة أضعاف.
كما تقلصت مساحة محافظات المنيا والوادي الجديد والبحر الأحمر.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم عن محافظ الجيزة أن هناك خلافا على الحدود الجديدة مع محافظتي الفيوم والسويس، وأن امتداد المحافظة إلى خليج السويس "خاضع لرؤية ودراسة ستعقد جلسة قريبة لحسمها مع الأخذ في الاعتبار الأمن الوطني."
مشروع قديم يتم حسمه في صورة جديدة
يقول موقع الهيئة العامة للاستعلامات إن مصر "عرفت بدايات النظام المحلي مع الاحتلال الفرنسي عام 1798، حيث قسم نابليون بونابرت البلاد إلى 16 مديرية، ولما تولى محمد علي الحكم عام 1805، قام بتقسيم البلاد إلى 14 مديرية وقسمت كل مديرية إلى عدة مراكز، وحالياً تقسم مصرإدارياً إلى 27 محافظة".
ويبدو أن مشروع التقسيم الإداري الجديد، الذي تبناه الرئيس السيسي خلال حملته الانتخابية قبل شهور، يعود إلى ما قبل ذلك، ففي يوليو 2011 أعلنت هيئة التخطيط العمرانى عن طرح أوراق مشروع "مخطط التنمية العمرانية لمصر ٢٠٥٢"، على المكاتب الاستشارية المصرية والعالمية.
وقال الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الهيئة حينها ووزير الإسكان الحالي، إن "المشروع شمل جميع الأفكار التى طرحت خلال السنوات الماضية لتنمية الصحراء الغربية والشرقية وسيناء، والمحاور العرضية، وجنوب مصر وفقا للبعد الأمنى والقومى"، وأن الهيئة بانتظار تعليقات واقتراحات الوزارات والهيئات المعنية لوضع المخطط فى صورته النهائية.
وأوضح مدبولى أن المخطط الابتدائى، الذى وافق عليه المجلس الأعلى للتخطيط العمرانى، برئاسة رئيس مجلس الوزراء حينها، شارك فيه ٢٥ خبيرا ومخططاً بجانب الهيئة.
واقترحت دراسة للهيئة العامة للتخطيط العمراني التابع لوزارة الإسكان صدرت في أغسطس 2013 إضافة خمس محافظات جديدة، هي العلمين ووسط سيناء، اللتان أضيفتا بالفعل في القرار الأخير، وكذلك حلوان، والعاشر من رمضان ووادي النطرون.
وتقدم الدراسة، المنشورة على موقع الهيئة على الإنترنت بعنوان "إعادة ترسيم حدود مصر إلى أقاليم تنموية"، مبررات لإعادة النظر فى ترسيم الحدود الإداري الحالي، تشمل أن الإبقاء على الحدود الإدارية الحالية للمحافظات "يساعد على استمرار سوء توزيع الموارد والثروات الطبيعية، وعدم إتاحة ظهير صحراوي قابل للتنمية لمحافظات شمال ووسط الصعيد وانفراد محافظة البحر الأحمر بكامل واجهة البحر األحمر والجزء الأكبر من خليج السويس ما أدى الى تباطؤ نمو هذه المنطقة الواعدة ".
وانتقدت الدراسة عدم التوازن بين المساحات وتوزع السكان في محافظات الوادي الجديد والبحر الأحمر ومطروح، وعدم وجود منافذ بحرية لأقاليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد وأسيوط.
وحددت الدراسة أسس ومعايير الترسيم في التقسيم العرضى للمحافظات ومنها ضرورة "تنوع المزايا المختلفة بكل محافظة والموارد الاقتصادية ومقومات التنمية، والتوسع العرضى فى المناطق الصحراوية واستحداث محافظات تخدم تنميتها، واحترام التقسيم الإداري الحالي فى المعمور القائم للمحافظات".
معارضون ومؤيدون:
يرى البعض أن القرار يحل مشاكل حالية مثل وقوع زمام بعض القرى في محافظة بينما هي تابعة لمحافظة أخرى إداريا، وإذابة فوارق في المجتمع القبلي في مناطق مثل مطروح والعلمين، وأن القرار يتيح لمعظم المحافظات وضعا جديدا تمتلك فيه أراض جديدة تطل على أحد البحرين الأحمر في الشرق والأبيض في الشمال وإمكانيات موانئ، وكذلك ظهيرا صحراويا للتوسع العمراني والسياحي، واستصلاح أراضي صحراوية للزراعة ما يعنى أفاقا جديدة للتنمية.
كما يؤدي القرار إلى تحجيم ظاهرة الهجرة الداخلية إلى العاصمة بتوفير أماكن جذب جديدة لسكان المحافظات ودعم اللامركزية.
ويتوقع آخرون أن يسبب القرار مشاكل للبدو الرحل في سيناء، وحرمان محافظات من موارد أو استثمارات سياحية وصناعية في مناطق انتقلت إلى محافظات أخرى.
يقول لأصوات مصرية اللواء صلاح الدين زيادة محافظ المنيا، إحدى محافظات الصعيد التي ستشهد تغيرات في حدودها، إنه ستقطتع مساحة 8% من المحافظة وهي منطقة جبال رملية تقع أقصى غرب المنيا وتفصلها عن محافظة "الواحات" إحدى المحافظات الثلاث الجديدة.
وقال اللواء أسامة ضيف، سكرتير عام محافظة المنيا رئيس لجنة ترسيم الحدود بالمحافظة، إنه "تم إعداد مقترحات لتصعيدها إلى وزارة التنمية المحلية لبحثها تمهيدا لإصدار قرار جمهورى بإعادة ترسيم الحدود، وإن المقترحات الجديدة تشمل ضم مدينتى رأس غارب ورأس شقير إلى محافظة المنيا".
وقال المهندس هشام مهني، رئيس غرفة المنيا التجارية إن منطقة محاجر رخام وجرانيت ورمال بيضاء ستضاف إلى المحافظة، وإنها إضافة هامة ستفتح المزيد من فرص التنمية بها.
وقال أحمد صبري، موظف، "ما يعنيني من ترسيم الحدود هو توفير فرص عمل للشباب"، وقالت سميحة عاصم، موظفه بالقطاع الخاص إن "المحافظة كبيرة جداً كانت مفروض تقسم عرضيا لشمال المنيا وجنوب المنيا حيث يبلغ سكانها نحو 5 ملايين مواطن، مما يشكل عبئا في المواصلات والخدمات".
وفي السويس إحدى محافظات إقليم قناة السويس التي ستشهد أيضا تغيرات في حدودها، قال محافظها اللواء العربي السروي لأصوات مصرية إن هناك لجنة وزارية، تشمل المحافظين والقوات المسلحة والمساحة العسكرية، تعمل حاليا على مقترحات من أجل إعادة ترسيم المحافظات.
وأضاف إنه يعمل علي نقل وجهة نظر المحافظة لما يجب أن يكون لديها من من ظهير لتنمية زراعية وصناعية ومشروعات اجتماعية وقال "هنراعي رغبة أهالي السويس التي أعرفها جيدا".
وأبدى سياسيون ومواطنون رفضهم لأن يشمل تعديل حدود المحافظة تخليها عن منطقة العين السخنة، وقال علي أمين القيادي بحزب الوفد بالسويس "إن ما يتردد عن نية الحكومة نقل تبعية العين السخنة والمناطق الصناعية بالسويس لمحافظة القاهرة الجديدة في خريطة المحافظات الجديدة مرفوض من شعب السويس، وإن كل المحاجر ستكون خارج السويس ما يحرمها من عوائدها."
وقال مصطفي السويسي المتحدث باسم حملة تمرد بالسويس "نحتاج لحوار مجتمعي مع القوي الشعبية في كل المحافظات لتوضيح كل ما يتعلق بفكرة إعادة ترسيم حدود المحافظات...الصورة بالنسبة للجميع ضبابية.."، وقالت نجاة مغربي مدرسة لغة عربية بالسويس "المحافظة في أمس الحاجة إلى منطقة العين السخنة لما تشهده من نسبة بطالة عالية وإعادة ترسيم حدود المحافظة بدونها ستكون إهانه لشعبها".
ومن المحافظات الثلاث الجديدة التي ستنشأ محافظة الواحات التي ستضم الواحات البحرية مستقطعة من الجيزة، والفرافرة مستقطعة من الوادي الجديد التي ستقتصر على الداخلة والخارجة.
يقول محمود بدر، مدرس بواحة الداخلة إنه تم البدء فى حملة جمع توقيعات تطالب الحكومة بأن تصبح الواحة محافظة جديدة، قائلا إن هناك موارد وعدد سكان كبير ومناطق زراعية واستثمارية جديدة تؤهلها لأن تصبح محافظة.
وقال هانى عبد المقصود أمين حزب مصر الحديثة بالوادى الجديد إن تقسيم المحافظات وإعادة ترسيم الحدود بشكل جديد بين المحافظات "قرار صائب من قبل الحكومة"، وإن ضم منطقة الفرافرة لمحافظة الواحات الجديدة "سيخلق مجتمعات عمرانية جديدة بالمنطقة ستكون المواجه الأول للإرهاب والمهربين وتساهم في حماية الحدود مع ليبيا والسودان بالجزء الجنوبى الغربى".
وأضاف هاني أن موارد الوادى الجديد بعد إعادة ترسيم الحدود لن تتأثر فى ظل وجود مشروع شرق العوينات وفوسفات أبوطرطور ومناطق المحاجر والأراضى الزراعية .
من جانبه قال اللواء محمود عشماوى محافظ الوادى الجديد إن ترسيم المحافظات "سيفتح الباب أمام استغلال الموارد والأراضى الغير مستغلة بالمحافظة وتحقيق التنمية الكاملة والشاملة والعدالة الإجتماعية والإقتصادية، وإن انتقال أجزاء من الوادى الجديد الى محافظات جديدة "سيساهم فى التنمية البشرية والعمرانية واستغلال تلك المناطق البعيدة عن الأنظار".
تعليقات الفيسبوك