على مدار عام من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان ملف التشدد والهجمات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، أو ما اصطلح على تسميته "الحرب ضد الإرهاب"، من أكثر الملفات التي مثلت تحدياً على مكتب الرئاسة.
تولى السيسي مقاليد الحكم بعد مرور 11 شهرا من عزل الجيش للرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم، بعد نشوب تظاهرات حاشدة ضده.
في عام السيسي الأول كرئيس، شهدت سيناء الكثير من التطورات ووجد العديد من الأهالي أنفسهم في مرمى النيران.
أشار أبو محمد*، أحد سكان منطقة الشيخ زويد في شمال سيناء، إلى وجود "قتلى وجرحى لا ذنب لهم لسقوط قذائف مجهولة المصدر ولتعرضهم للإصابة بالطلقات الطائشة، إلى جانب إصابة آخرين لاقترابهم من الارتكازات الأمنية أو أقسام الشرطة دون قصد."
وبعد الإطاحة بمرسي في يوليو ٢٠١٣ وفض اعتصامين لمؤيديه في أغسطس، شهدت البلاد انقساماً في المجتمع بين مؤيدي مرسي ومؤيدي السيسي. وتزامنت تلك الأحداث مع انتشار التفجيرات والهجمات التي تقوم بها جماعات مسلحة، اتخذت من شبه جزيرة سيناء مقرا لها.
وأعلنت السلطات المصرية "الحرب على الإرهاب" وخاصة في شبه جزيرة سيناء، منذ منتصف عام 2013 قبل تولي السيسي سدة الحكم، ولكن المتشددين ردوا على الحملة الأمنية التي شنتها قوات الأمن بموجة شديدة من الهجمات المسلحة التي يستهدف معظمها قوات الأمن.
ويقول أبو أسامة*، من الشيخ زويد، إن الأحداث التي شهدتها سيناء لم تترك مجالا لممارسة الأنشطة الرياضية أو الاجتماعية، مضيفاً "كذلك الحال بالنسبة للأطفال فقد حرموا تماما من الاستمتاع بطفولتهم في ظل الحرب على الإرهاب."
"نحن بين شقيّ الرحى.. بين قوات الأمن والإرهابيين."
وأعلنت جماعة مسلحة تدعى "أنصار بيت المقدس" المسؤولية عن أغلب الهجمات التي استهدفت قوات الأمن في سيناء خلال العامين الماضيين. وفي نوفمبر 2014 بايعت الجماعة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وقامت بتغيير اسمها إلى ولاية سيناء.
وأعلنت أنصار بيت المقدس المسؤولية عن هجومين إثنين في أكتوبر 2014 ويناير 2015 أسفرا عن مقتل أكثر من 30 شخصا -في كل منهما- ما بين عسكريين ومدنيين.
* المنطقة الحدودية العازلة
في أعقاب هجوم أكتوبر 2014 على نقطة تفتيش عسكرية تدعى "كرم القواديس"، أصدرت الحكومة المصرية قرارا بإخلاء 500 متر من المنطقة الحدودية عند غزة من المدنيين ووعدت بتعويضهم، وتم زيادة المساحة إلى ألف متر في نوفمبر بعد اكتشاف الحكومة لأنفاق يصل طولها 800 متر.
وتستهدف السلطات المصرية الأنفاق التي تربط سيناء بقطاع غزة وتقول إنها تستخدم لتهريب السلاح للمتشددين في شبه الجزيرة، بينما يقول سكان سيناء إن الأنفاق مصدر رزق لأنهم يستخدمونها في تجارة السلع إلى قطاع غزة المحاصر.
أبو سالم*، أحد أهالي رفح ممن هُجروا لبناء المنطقة العازلة، أشار إلى أن السلطات المصرية نجحت في تدمير العديد من الأنفاق، مضيفا أن "العمل فيها أصبح مخاطرة، وبالفعل هجر المئات من أبناء سيناء العمل في الأنفاق خوفا من تعرضهم لمساءلة قانونية."
وفي أبريل من هذا العام، أصدرت السلطات المصرية تشريعا يقضي بتشديد عقوبة حفر أو استخدام الأنفاق للتواصل مع دول أجنبية لتصل العقوبة للسجن مدى الحياة.
وبعيداَ عن الإجلاء، يقول أبو محمد إن كثيرا من الأهالي تركوا منازلهم "هربا من جحيم الحرب على الإرهاب."
وتحدث أبو محمد عن وجود عدد كبير من المواطنين في سيناء في السجون "لوجود أعداد كبيرة ألقي القبض عليهم ليس لهم علاقة بما يدور من أحداث."
* أعداد القتلى
لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن عدد القتلى الذين سقطوا نتيجة الحرب بين قوات الأمن والجماعات المسلحة في سيناء حتى الآن، ولكن يُعتقد أن الأعداد تفوق المئات.
وتشير بيانات الجيش إلى مقتل 866 متشددا مشتبها بهم من قبل قوات الأمن في مدن رفح، والشيخ زويد، والعريش خلال السبعة أشهر الماضية فقط.
وقال مسؤول في الجيش -فضل عدم ذكر اسمه- إن الحملة الأمنية في شبه جزيرة سيناء قد أتت بـ"نتائج إيجابية"، لكنه أشار إلى وجود العديد من المسلحين في منطقتي الشيخ زويد ورفح "بحكم معرفتهم بطبيعة المنطقة، فالأمر يحتاج إلى وقت للتخلص من باقي العناصر التي تشكل خطورة على قوات الأمن وتقوم بأعمال وهجمات إرهابية ضد القوات وهي مازالت تحتفظ بالأفكار المتشددة."
وأضاف مصدر أمني في الشرطة أن الحوادث الإرهابية تركت في نفوس رجال القوات المسلحة والشرطة آثارا نفسية كبيرة "نظرا لاستشهاد أفراد ارتبطنا بهم بصفة شخصية وراحوا ضحية الإرهاب وهم يمثلون الوقود لباقي زملائهم لمواصلة مسيرة الحرب على الإرهاب في سيناء"، مؤكدا أن قوات الأمن تقوم بمهامها على أرض سيناء للتخلص من الإرهاب وعودة الأمن وتحقيق الاستقرار للمنطقة.
ووفقا لتقرير أصدره المجلس القومي لحقوق الإنسان، المعيّن من قبل الحكومة المصرية، قتل على الأقل 2500 شخص في الفترة ما بين يونيو 2013 وديسمبر 2014. ويشمل هذا الرقم 700 من قوات الأمن و1800 مدني منهم 1250 من جماعة الإخوان المحظورة، والتي ينتمي إلىها الرئيس الأسبق مرسي.
وتبدأ تلك الفترة المشار إليها في التقرير قبل الإطاحة بمرسي بشهر واحد وتشمل النصف الأول من العام الأول للسيسي في الحكم.
* الخدمات والمرافق
أثرت الحالة الأمنية الحرجة التي سادت في سيناء، منذ تولي السيسي الحكم في يونيو الماضي، على الخدمات والمرافق في المنطقة.
فيقول أبو حسين*، أحد أهالي الشيخ زويد، إن هناك نقصاً كبيراً في الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين خاصة المياه والكهرباء والغاز، وخدمات الاتصال بسبب الظروف الأمنية وخوف العاملين من القيام بعملهم لتعرضهم لأضرار من العناصر المسلحة.
وتوسع المتشددون في هجماتهم المسلحة في مايو الماضي، حينما تم استهداف حافلة تقل عدداً من أعضاء النيابة، وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة من أعضاء النيابة وسائق الحافلة.
وفي نفس الأسبوع، دعت جماعة أنصار بيت المقدس في تسجيل صوتي تم بثه على مواقع التواصل الاجتماعي إلى المزيد من الهجمات التي تستهدف القضاة.
واستدعت تلك التطورات نقل محكمة شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية، وكان لهذا القرار أثره على أهالي شمال سيناء، الأمر الذي يعتبره أبو سلامة* أثر على المواطنين ممن لهم مصالح، لأن هذا يتطلب السفر إلى الإسماعيلية وبالتالي "تحميلنا مصروفات إضافية مضاعفة."
* التفاوض
قال المصدر العسكري إن قوات الأمن في سيناء تتمتع بتعاون من جانب الأهالي بمختلف الطرق للمساعدة في القضاء على "الإرهاب"، سواء بتزويد أجهزة الأمن بالمعلومات أو رصد تحركات العناصر المسلحة أينما وجدوا.
وأشار أبو سلامة إلى أن "العشرات من خيرة الشباب ممن ينتمون إلى قبائل شهيرة قتلوا على أيدي العناصر المسلحة بدعوى تعاونهم مع أجهزة الأمن".
وعثر مواطنو منطقة الشيخ زويد على جثث لأربعة مدنيين مقطوعة الرأس يوم 20 أغسطس 2014.
وأعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسؤوليتها عن ذبح المدنيين الأربعة في فيديو نٌشر في نفس الشهر، واتهمتهم بتزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية.
ومنذ ذلك الحين تكررت حوادث القتل بهذه الطريقة وراح ضحيتها العشرات من سكان شمال سيناء.
وأشار أبو محمد إلى أن "مكافحة الإرهاب تتطلب وسائل حديثة في تعقب المسلحين والتعامل معهم دون أن يتأثر المواطنون العزّل بما يدور من أحداث".
وقال "أرى أن هناك ضرورة لفتح باب الحوار مع المسلحين عن طريق أبناء المنطقة أنفسهم لأن من بين عناصر بيت المقدس من هم أقارب لهم وذلك لمعرفة وجهات النظر وعرضها على أجهزة الأمن."
وشدد المواطن السيناوي على أهمية إشراك أبناء رموز القبائل في دعوة العناصر التي تحمل فكرا "متطرفا" للتراجع، والعودة إلى الطريق السليم على أن يتم منحهم الفرصة لذلك دون ملاحقات أمنية.
ولكن هذا التوجه لاقى رفضاً تاماً من المصدر العسكري، الذي أكد أن التفاوض يكون مع جماعة أو فئة لها مطالب، "ولا يعقل أن يكون الهدف هو إقامة ولاية إسلامية في سيناء ويكون البديل هو التفاوض، فالأمر يتعلق بدولة لها كيان، ولا تقبل أن يتدخل أحد في سياساتها من الخارج."
كما شدد على أنه سيتم التصدي بشكل مباشر لكل من يحاول أن يقدم دعما لوجيستيا أو حتى الاشتراك في الهجمات كما حدث من قبل.
ملحوظة:
*تم تغيير أسماء كل أبناء سيناء لحماية هوياتهم.
موضوعات متعلقة:
العام الأول للسيسي.. محطات هامة في ملف السياسة الخارجية المصرية
تعليقات الفيسبوك