قالت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية إنه بعد خمس سنوات من قيام الثورة المصرية أصبحت البلاد تشبه ما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فكما يتضح من القمع الشديد الذي سبق ذكرى ثورة 25 يناير، أصبحت الحكومة غير متقبلة لأي معارضة أكثر من أي وقت مضى.. صحيح أنه تم تدجين جماعة الإخوان لكن تنظيم الدولة الإسلامية، الأكثر تشددا وعنفا، يمثل تحديا أمنيا حقيقيا.
وتضيف الصحيفة أن المصريين عبروا عن مشاعرهم الحقيقية في الشهور التي أعقبت ثورة 25 يناير وكانت ردود فعلهم بعيدة تماما عما كان يتوقعه الزعماء أو يأملون فيه.
وأسفرت أول انتخابات ديمقراطية في مصر عن حكومة تسيطر عليها جماعة "الإخوان المسلمون" وأعقب ذلك الفوضى والقمع ثم أخيرا وقع انقلاب عسكري قاده السيسي، على حد وصف الصحيفة.
بعد أن كانت مصر محور الوطن العربي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أصبحت تراقب الأحداث من مكان بعيد في الوقت الذي تتصارع فيه المملكة العربية السعودية وإيران على شغل المركز الأول.
كما أن الاقتصاد المصري في حال يرثى لها وهي قضية مرشحة لأن تسبب للسيسي متاعب أكثر من داعش أو ما تبقى من نشطاء يطالبون بالديمقراطية داخل البلاد.
ما من أحد يمكن أن يقول على سبيل اليقين ما الذي كان سببا في انطلاق الربيع العربي، لكن ما من شك أن الأحوال الاقتصادية المتردية في مصر في السنوات التي سبقت عام 2011 كانت من العوامل الأساسية.. صحيح أن معدل النمو الذي تحققه البلاد كان لا بأس به لكن المواطن المصري العادي لم يكن يشعر بأي أثر له.
كانت نسبة البطالة تبلغ 10 في المئة قبل الثورة ونسبة البطالة بين الشباب 25 في المئة، وكان هذا يعني وصفة مضمونة لإشعال ثورة في شوارع القاهرة، لذلك عندما قامت الثورة في تونس قبل شهر من قيام الثورة المصرية كان هذا من العوامل المساعدة على قيام الثورة لأنها أعطت نموذجاً للطريقة التي تصنع بها الثورات.
وفي الوقت الحالي أصبح معدل البطالة في مصر 12.8% والبطالة بين الشباب 26.3% لذلك فليس من الصعب فهم الأسباب التي تجعل السيسي يحاول إحكام سيطرته على كل شيء.
لكن المتاعب الاقتصادية التي تعاني منها مصر ليست خطأه تماما، فالمتشددون الإسلاميون مصرون فيما يبدو على منع انتعاش السياحة في مصر، وسواء كان ذلك بسبب عدم ولعهم بالأجانب الذين يحبون أخذ حمامات الشمس على الشواطيء وهم يرتدون الحد الأدنى من الملابس أو لأن خيارهم الاستراتيجي أصبح الإضرار بالاقتصاد، فهي مسألة غير معلومة لكن النتائج واحدة.
وفي الوقت ذاته انهارت أسعار النفط مما أدى إلى خفض مصدر أساسي لإيرادات الصادرات، وظل الاقتصاد المصري قادرا على الوقوف على قدميه بفضل مساعدات وقروض بلغت 30 مليار دولار من السعودية وغيرها من دول الخليج منذ عام 2013 كانت في صورة مكافأة للسيسي لقضائه على الإخوان المسلمين.
لكن على الرغم من هذه المساعدة لم تعد مصر تملك الآن ما يكفي من المال لدفع مقابل الواردات لدرجة أنها اضطرت لفرض أشكال رقابة على الواردات، مما أدى إلى خنق قطاع الصناعة الذي يعتمد بشدة على الواردات مما مثل ضررا أكبر للنمو الاقتصادي.
بأي حال فإن هذا السخاء الخليجي يتعرض للخطر حاليا، حيث إن انخفاض أسعار النفط أصبح يعني أن السعودية وغيرها من دول الخليج ستجد مشقة كبيرة في الإبقاء على المعدل الحالي من السخاء.
على السيسي أن يبذل جهدا لإنعاش الاقتصاد ويبدو أنه يدرك ذلك، فقد قام ببعض الإصلاحات مثل الحد من الدعم الحكومي للوقود لكن خطته الأساسية هي مشاريع ضخمة مثل قناة السويس الثانية وبناء مليون وحدة سكنية للمصريين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط وبناء عاصمة جديدة في الصحراء إلى الشرق من القاهرة.. هذه المشاريع ملهمة واجتذبت على الورق تعهدات بعشرات المليارات من الدولارات من الحكومات والمستثمرين.
لكن حتى إذا تم رفع يد البيروقراطية المصرية عن هذه المشاريع فمن غير المرجح أن تسفر عن النتائج المرجوة، فأموال الخليج التي تعتمد عليها الحكومة المصرية على وشك النفاد كما أن مثل هذه المشاريع تستغرق وقتا طويلا لبدئها ولن يشعر بفائدتها إلا أقلية محدودة من المصريين.
إن المشكلات الاقتصادية في مصر وكذلك المشكلات السياسية بالغة العمق لدرجة أنها لا يمكن حلها من خلال بناء النسخة المصرية من ديزني لاند والتي كانت من بين عناصر مشروع العاصمة الجديدة.
هذه المشكلات لا تتعلق بالفساد والاستبداد كما نفترض كالعادة، فقد أظهرت الصين بوضوح أنه من الممكن تحقيق النمو الاقتصادي لسنوات طويلة في ظل وجودهما. لكنها سوف تدرك أهمية الحرية والحكم الرشيد حينما تحاول الصعود إلى المرحلة التالية من التنمية الاقتصادية، في ظل وجود قطاع خدمات متقدم والاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة.
غير أنه يبدو أن مصر والعالم العربي يفتقران إلى ثقافة ريادة الأعمال التي لديها القدرة على تجاهل أو تجاوز الفساد والاستبداد كما هو الحال في الصين.
ويتضح هذا من خلال النمو الاقتصادي الذي تحقق في شرق آسيا وانتقل الآن إلى الهند بل وإلى أجزاء من أمريكا اللاتينية، لكن هذا النمو لم يصب الشرق الأوسط فيما يبدو.. صحيح أن دول الخليج ثرية لكن هذا يرجع إلى الثروة النفطية ووجود عدد كبير من العمالة الأجنبية التي تقوم بالأعمال الشاقة الأساسية، وبخلاف هذا فإن منطقة الشرق الأوسط ما هي إلا منطقة راكدة اقتصاديا.
تعليقات الفيسبوك