كتب: محمد جاد
نجحت الحكومة في تذليل كل العقبات لإنهاء أعمال الحفر في مشروع قناة السويس الجديدة في الموعد الذي حدده الرئيس المصري قبل عام، حيث ارتأت الحكومة أن الالتزام بتنفيذ المشروع في سنة "أمر حاسم لاستعادة الثقة"، كما نقلت قناة بي.بي.سي عن وزير الاستثمار المصري في يناير الماضي.
ولكن لا يزال قطاع من محللي الأنشطة الملاحية يتشككون في الجانب الثاني من الوعود المصرية بشأن القناة الجديدة، والمتعلق بقدرتها على مضاعفة الإيرادات بنحو 150% في ثماني سنوات، وفقا لتقديرات الحكومة.
* سباق مع الزمن لاجتذاب العملة الصعبة
"أكبر عملية تكريك في التاريخ" هكذا وصف مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، عملية الحفر في مشروع القناة الجديدة والتي تطلبت جمع تمويل ضخم عبر اكتتاب شعبي بـ60 مليار جنيه، واستيراد آلات حفر متقدمة من الخارج.
واستهدفت عملية الحفر الضخمة إجراء توسعات لاختصار زمن الانتظار للعبور القناة إلى 3 ساعات مقارنة بما يتراوح بين 8 إلى11 ساعة، وزمن العبور من 18 ساعة إلى 11 ساعة بحسب بيانات موقع قناة السويس.
وتتطلع الحكومة لزيادة إيراداتها من القناة إلى 13.2 مليار دولار في 2023، مقارنة بنحو 5 مليارات دولار سنويا في الوقت الحالي، في ظل أزمة نقص للنقد الأجنبي تعاني منها البلاد منذ انتفاضة يناير 2011.
وشهدت مصر تراجعا قويا في احتياطياتها من النقد الأجنبي من نحو 36 مليار دولار في 2010 إلى نحو 20 مليار دولار في الوقت الحالي.
"توسعة القناة كان قرارا استراتيجيا ستظهر آثاره الإيجابية على إيراداتها في الأجل المتوسط"، كما قال مروان السماك، عضو مجلس إدارة غرفة الملاحة بالإسكندرية، لأصوات مصرية.
ويرى السماك أن اختصار المدة الزمنية سيكون أمرا حيويا لحركة الملاحة العالمية خاصة أعمال الشحن بين جنوب شرق آسيا وأوروبا والتي تعد الأنشط عبورا في القناة.
وهو ما أكدته مجموعة "ميرسك" الدنماركية، التي تملك "ميرسك لاين" أكبر شركة للنقل البحري للحاويات في العالم، والتي توقعت أن تستفيد من توسعات قناة السويس الجديدة.
وقالت المجموعة لصحيفة "جورنال أوف كوميرس" الأمريكية إن "إضافة الجزء الثاني في القناة (القناة الموازية) سيقلل أيضا مخاطر توقف الحافلات في حالات الطواري".
والنسبة الأكبر من تجارة "ميرسك تمر" بين آسيا وأوروبا، بما يمثل 40% من إجمالي تجارة المجموعة.
وكانت ميرسك قد أعلنت في مارس 2013 عن نقل عمليات الشحن الخاصة بها بين آسيا والشاطيء الشرقي للولايات المتحدة إلى قناة السويس، بدلا من قناة بنما، مع اتجاه الشركة للاعتماد على شاحنات أكبر في الحجم لتوفير التكلفة.
* الوقت ليس العامل الوحيد
لكن محلل حركة الملاحة جيمس فرو يرى أن "تخفيض نحو 14 ساعة من زمن العودة لن يؤثر بشكل واضح على سفن الحاويات الضخمة والتي تستغرق 77 يوما للقيام برحلة من أوروبا لآسيا".
وأضاف المحلل لـ الصحيفة السنغافورية "ذا ستريت تايمز"، "لا أعتقد أن هناك شاحنات كبيرة إضافية ستعبر قناة السويس لا يمكنها أن تعبر بالفعل في الوقت الحالي".
وفي السياق ذاته، قال محلل حركة الملاحة نيل دايفدسون في نهاية يونيو الماضي إن "الوقت عامل واحد من (عوامل) كثيرة تؤثر على النتائج النهائية".
وأشار خلال تصريحاته لصحيفة "الفاينانشال تايمز" إلى أن "معظم عبور شاحنات الحاويات بين أوروبا وآسيا يتم بالفعل عبر مصر ومع توقعات صندوق النقد الدولي بأن يتراوح النمو العالمي بين 4-5% خلال السنوات المقبلة فإن مضاعفة أعداد السفن التي تعبر القناة أمر غير مرجح".
وتبني الحكومة المصرية توقعاتها بزيادة إيرادات القناة بالاعتماد على زيادة القدرة الاستيعابية لها من خلال التوسعات الأخيرة لتصل إلى 97 سفينة يوميا في 2023 مقابل 49 سفينة في الوقت الحالي.
* المنافسة القادمة مع بنما
كما قد يقوض افتتاح توسعات قناة بنما من زيادة إيرادات السويس. ويقول لموقع "بورت تكنولوجي" البريطاني إنه "في منتصف 2016 عندما يتم فتح الهويس الثالث في بنما من المرجح أن نشهد عودة بعض خدمات الملاحة من السويس (بين آسيا والساحل الشرقي للولايات المتحدة) إلى بنما، ولكن ليس كلها."
وتقوم حاليا قناة بنما، التي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادي، بتوسعات تهدف إلى توسيع الطاقة الاستيعابية لها بمقدار الضعف، ومن المخطط الانتهاء منها العام الحالي.
"لا توجد معلومات كثيرة لإصدار حكم"، كما قال محلل الملاحة نيل ديفيدسون لصحيفة "الفينانشال تايمز"، يونيو الماضي، تعليقا على توقعات الحكومة المصرية بزيادة الإيرادات من وراء التوسعات الأخيرة .
واعتبر ديفيدسون أن تخفيض زمن العبور في القناة يزيد من جاذبيتها لكن تنافسيتها سترتبط أيضا برسوم العبور "إذا افترضت أن الرسوم على نفس مستواها الحالي أو أقل، هذا سيزيد الجاذبية".
كان مايكل كريستيان، مسؤول المكتب الصحفي في مجموعة "ميرسك"، قال لأصوات مصرية في نوفمبر الماضي إن "قناة السويس أكثر تنافسية حتى بعد توسعة قناة بنما"، مضيفا أنه "إذا قررت مصر مضاعفة رسوم العبور مرتين أو ثلاثة على سبيل المثال فهذا سيغير من رؤيتنا".
وتتمتع قناة السويس بمقدرتها على تمرير 100% من شاحنات الحاويات (الكونتينر)، وفقا لبيانات موقع القناة، وساعدت إمكانيات السويس على تمرير السفن الكبرى في منافسة بنما بعد اتجاه شركات الملاحة للاعتماد على سفن أكبر لتوفير التكلفة عقب تداعيات الأزمة المالية العالمية، لكن أعمال التوسعة في بنما قد تمكنها من استعادة جزء من حركة التجارة التي أخذتها السويس من قبل في رأي قطاع من المحللين.
* ناقلات البترول لن تستفيد
ولا يتوقع خبراء الملاحة أن تستفيد ناقلات البترول من أعمال التوسع في القناة، فوفقا لتقرير نشره موقع وكالة الملاحة "كامبياسو اند ريسو"، التي يقع مقرها في موناكو، في يونيو الماضي فإن المجرى الملاحي لن يتم تعميقه للسماح لناقلات الخام الكبيرة المحملة بالكامل بدون عملية نقل الخام من خلال أنبوب سوميد.
ويعد سوميد البديل المتاح في الوقت الحالي لناقلات البترول العملاقة التي لا يمكنها حجمها من عبور قناة السويس، حيث تنقل الخام عبر الأنبوب الذي يمتد من العين السخنة على خليج السويس إلى سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط بالإسكندرية .
وبحسب بيانات موقع قناة السويس، فإن القناة لا تستطيع أن تمرر إلا نحو 62% من ناقلات البترول، ويبلغ أقصى حجم تسمح القناة بعبوره في الوقت الحالي غاطس 66 قدما، وتستهدف التوسعات الأخيرة أن يكون هذا الغاطس متاحا في جميع أجزاء القناة.
موضوعات متعلقة:
- حفر وتعميق قناة السويس ليس نهاية المطاف
- حكايات "الأرزقية" والمنسيين في حفر قناة السويس الجديدة
- ملك السعودية وبوتين وأولوند ورئيس الصين.. أبرز المدعوين لافتتاح القناة
تعليقات الفيسبوك