كتبت: أمنية طلال
رن جرس الهاتف عدة مرات، ردت فتاة بصوت منخفض لكنه واضح، منتظرة أن يبدأ المتصل بالحديث، فسألتها سريعاً "مش ده الخط الخاص بالإبلاغ عن زواج الأطفال؟"، أجابت "نعم .. أي مساعدة".
قامت "أصوات مصرية" بالاتصال بخط (16021) للتعرف على الإجراءات التي يتخدها المجلس القومي للطفولة والأمومة لوقف زيجات القاصرات، فكانت المفاجأة أن المسؤولة عن الخط لم ترد إلا في الاتصال الثالث رغم أنه يعمل من 9 صباحا حتى 9 مساء.
ويستهدف الخط توعية الأسر بمخاطر زواج الأطفال على الأسرة والمجتمع، وتقديم المشورة فيما يتعلق بالمخاطر الصحية والاجتماعية لزواج الأطفال، والاستشارات الأسرية بشكل عام.
وتساءلت الموظفة المسؤولة عن التفاصيل الخاصة بالحالة بدءا من عمرها، ومحل سكنها، واسمها واسم الأب، وموعد إتمام الزيجة، لكنها لم تطلب أي بيانات خاصة بالمبلغ، مكتفية بتفاصيل الحالة.
وذكرت دراسة أجرتها وزارة الأسرة والسكان في 2010 أن نسبة زواج القاصرات في بعض المحافظات وصلت إلى 74% من عدد الزيجات، كما أكدت دراسة أُعدت بالتعاون بين وزارة التضامن ومنظمة اليونسيف في نفس العام أن نسبة زواج القاصرات في مصر حوالي 11% من الزيجات.
وتوضح دارسة وزارة الأسرة والسكان أن هناك العشرات من حالات زواج القاصرات تحدث يوميا وتزداد في قرى وأحياء الجيزة ومحافظات الصعيد خاصة في أشهر الصيف.
ومن ضمن الحالات التي علم بها المجلس القومي للطفولة والأمومة، حالة حدثت الشهر الماضي في حي إمبابة حيث قرر الأب تزويج ابنتيه البالغتين من العمر 14 و16 عاما، إلا أن أحد الجيران قرر إبلاغ الخط.
وحرر المجلس محضراً ضد الأب والمأذون الذي استعان به الأب من الشرقية في مقابل مادي كبير، واتخذ المجلس الإجراءات القانونية لإيقاف إتمام الزفاف، وأبلغ النائب العام مرفقاً صورا من وثائق الزواج.
وأرجع محمد نظمي، المسؤول عن الخط، زواج القاصرات لصعوبة الظروف الاقتصادية والفقر، موضحا أن والد فتاتي إمبابة متزوج من امرأتين ولديه 8 أبناء، ويعمل في مهنة غير منتظمة "صنايعي"، وبالتالي كان الزواج حلا للتخلص من أعباء بناته.
وتنص المادة رقم 31 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لعام 2008، على أنه "لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، ويعاقب تأديبيًا كل من وثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة".
ويقوم على خط (16021) مجموعة من الأطباء وموظفة تتلقى الاتصالات، ليقدم خدمات متعددة منذ تأسيسه في 2009، تعتمد كلها على المشورة فيما يتعلق بالمشاكل الصحية والإنجابية للأم، أو مشاكل صحية تواجه المقبلات على الزواج أو المتزوجات حديثا، والإبلاغ عن زواج الأطفال الذي يكون غالبا من الأم أو أحد الجيران وهو ما يستدعي تعاون بين المجلس والنيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية.
وأعاد المجلس تفعيل خدمات الخط مؤخراً من خلال زيادة عدد فريق الأطباء المختصين بتقديم الاستشارات خلال 24 ساعة.
وقالت عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، لأصوات مصرية: "الخط منذ تأسيسه قام بعمل توعية للأسر في القرى وخاصة في صعيد مصر وقرى الجيزة، واستطاع أن يوقف عدداً من الزيجات وكذلك عمل على ملاحقة وحبس المآذين المخالفين"، وأشارت إلى عدم وجود إحصاء مجمع لعدد البلاغات في هذه الفترة.
وأكدت العشماوي على ضرورة الدعم الإعلامي والتعريف بالخط، "حيث لا تقوى ميزانية المجلس على إطلاق حملات إعلانية مستمرة في القنوات".
ويتعاون الخط مع مكتب النائب العام لضبط المتورطين في زواج القاصرات وملاحقتهم جنائياً، حيث نجح في كشف عدد من هذه الحالات المخالفة للقانون، بحسب ما قالت العشماوي، والتي أضافت "المجلس يقوم بتحرير محضر للأب والأم والمأذون بالواقعة، بهدف تطبيق قانون الطفل عليهم بالإضافة إلى توعية الأسرة بمخاطر زواج الأطفال".
وتشير العشماوي إلى أن 90 % من الأسر تتراجع عن إتمام الزيجات بعد تدخل المجلس، وجلسات التوعية بمخاطرها، معتبرة الفقر والجهل أهم أسباب زواج القاصرات.
ويستقبل الخط حوالي 250 مكالمة شهريا من 10 إلى 25 % منها حالات إبلاغ عن زواج أطفال وباقي الاتصالات تتعلق بالاستشارت الأسرية. واعتبر نظمي هذه النسبة قليلة مقارنة بما يحدث في الواقع بالتحايل على القانون من خلال اللجوء إلى الزواج العرفي أو اللجوء إلى المآذين "معدومي الضمير".
"هذا القانون رغم تطبيقه في بعض المدن، إلا أنه لا يجد استجابة حقيقية في معظم القرى والنجوع، التي اعتادت فيها الأسر تزويج بناتها في سن مبكرة"، كما قالت عزة الجزار، الناشطة النسوية والباحثة في الزواج السياحي والزواج المبكر، في إشارة إلى ارتفاع نسب الزواج السياحي للقاصرات في عدد من قرى الجيزة والتي رصدتها من خلال مشروع لمناهضة الزواج السياحي في الحوامدية، معتبرة دور الخط الساخن في مواجهة هذه الظاهرة "ضعيف للغاية".
والزواج السياحي هو ظاهرة منتشرة في القرى، حيث تلجأ الأسر الفقيرة لتزويج بناتها لأثرياء من الخليج مدة محددة خلال أشهر الصيف مقابل مبلغ من المال، وبعدها تنتهي الزيجة ولا يكون للزوجة أي حقوق سواء نفقة أو سكن أو ميراث.
وأوضحت الجزار أنه "لا يزال تزويج القاصرات اللاتي لم يبلغن 18 عاماً مستمراً في مصر رغم أنه جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات"، مؤكدة أن معظم الزيجات تتم بطريقة غير قانونية وبعقد عرفي.
وكشفت ملاحقة المآذين مؤخراً عن إتمام مئات الزيجات لبنات دون السن القانونية، وعن سماسرة ومحامين تورطوا في هذه الحالات، كما تقول العشماوي.
تعليقات الفيسبوك