سيظل كثير من المصريين يذكرون لقطة فيديو لميدان الأربعين بمدينة السويس وهو مكتظ بالمحتجين بينما تنطلق مركبة أمن مركزي مدرعة بسرعة فتدهس بعضهم في محاولة لتفريقهم خلال الأيام الأولى من ثورة 25 يناير كانون الثاني من هذا العام.
لكن العديد قد يجدون صعوبة الآن في التعرف على هذه الساحة الشهيرة بعدما طمست ملامحها باللافتات والملصقات والمقار الانتخابية قبل يومين من انطلاق المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب والتي تشمل تسع محافظات منها هذه المحافظة الساحلية المطلة على قناة السويس.
وغطت الانتخابات على كل شيء حول قسم شرطة الأربعين أو "بيت الظلم" كما وصفه أحد المواطنين الذين تحدث اليهم مراسل رويترز والذي أحرقه المتظاهرون في يناير انتقاما من التعامل الأمني العنيف مع الاحتجاجات التي أكسبت شدتها المدينة لقب "سيدي بوزيد مصر" في إشارة إلى المدينة التونسية التي بدأت فيها الاحتجاجات التي أطاحت في النهاية بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي قبل أيام من ثورة مصر.
وهذه أول انتخابات برلمانية تشهدها مصر في أعقاب الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد ثلاثة عقود في سدة الحكم. وأجريت المرحلة الأولى في أواخر الشهر الماضي فيما ستجرى المرحلة الثانية يومي الاربعاء والخميس والمرحلة الثالثة والأخيرة في يناير المقبل.
ورغم شكوى معظم أهالي السويس من ازدياد الأوضاع الاقتصادية والأمنية سوءا في المحافظة بعد مرور ما يقرب من عام على الثورة إلا أنهم أبدوا حماسة كبيرة للمشاركة في الانتخابات أملا في أن تسهم في تهدئة الأزمة السياسية وإنهاء المشكلات الاقتصادية التي تعانيها مصر.
وقال أحمد علاء البكري (43 عاما) وهو موظف "الوقت ده مناسب لإجراء عملية انتخابية علشان حال البلد ينصلح."
ويبدو أن التيار الإسلامي في طريقه لتحقيق مكاسب انتخابية واسعة في السويس التي تتألف من دائرة واحدة للمقاعد الفردية ودائرة واحدة في القوائم وذلك على غرار المكاسب التي حققها في المرحلة الأولى في أغلب الدوائر.
وفاز حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الأخوان المسلمين بأغلب المقاعد الفردية في المرحلة الأولى التي أجريت في تسع محافظات أيضا. كما تصدر نتائج القوائم وتلاه حزب النور السلفي.
ويتنافس 109 مرشحين على مقعدي الفردي بالسويس. كما تتنافس 12 قائمة حزبية تضم 48 مرشحا على أربعة مقاعد للقوائم في السويس أبرزها قوائم الحرية والعدالة والنور والوفد والوسط والكتلة المصرية والناصري والعدل.
وقال أغلب من تحدثت إليهم رويترز أنهم سيصوتون للتيار الإسلامي سواء الحرية والعدالة أو النور.
وإلى جانب الأسباب التي ساقوها لاختيار الإسلاميين وإنصبت في أغلبها على أنهم سيطبقون الشريعة الإسلامية وأنه يجب منحهم فرصة قبل الحكم عليهم كان هناك سبب وجيه أخر قاله عصام عبد العزيز (37 عاما) وهو قائد سيارة أجرة.
"عشم السوايسة في السلفيين والأخوان. وعدوهم بالعمل والسكن وهو ده كل أملهم (الأهالي)."
وكان لبعض أبناء السويس رأي أخر وتحدثوا عن نيتهم التصويت لأحزاب وتكتلات ليبرالية لأحداث توازن داخل البرلمان لكن عددهم كان أقل بكثير من مؤيدي الإسلاميين. كما عبرت نساء عن مخاوف من أن يجبرهن الإسلاميون على ارتداء النقاب ويمنعوهن من قيادة السيارات.
وقالت أمل السيد وهي ربة منزل شابة ترتدي الحجاب "هختار الكتلة المصرية عشان السلفيين والإخوان مش هيخلوني أخرج من البيت وهيمنعوني من سواقة العربيات واحنا مش عايزين نلبس نقاب." والكتلة المصرية ائتلاف يضم ثلاثة أحزاب ليبرالية.
وهناك من قرر الجمع بين طرفي النقيض مثل أحمد مصطفى (19 عاما) الذي قرر انتخاب مرشح ليبرالي في الفردي وقائمة الحرية والعدالة في محاولة أيضا لإحداث توازن بين القوى. وفضل البعض المقاطعة بسبب كثرة المرشحين ولأنهم لا يرون أحدا يصلح من المرشحين لتمثيلهم في البرلمان.
وعدد سكان السويس 575 ألفا و500 نسمة تقريبا وبها 355 ألفا و 286 ناخبا مسجلا.
ورغم أن السويس كانت معقلا احتجاجيا بارزا إلا أن هذا لم يردع الكثير من أعضاء الحزب الوطني الحاكم قبل الثورة والمنحل حاليا عن الترشح لكن جميع من تحدث اليهم رويترز تقريبا قالوا إنه لم يعد لهم مكان في السويس بعدما انتهى عصر تزوير الانتخابات.
وتنتشر صور ولقطات فيديو على الانترنت لمحتجين يمزقون لافتات لهؤلاء المرشحين المعروفين إعلاميا بلقب "الفلول".
وقال الناشط الشاب يوسف الدقاق (27 عاما) وهو عضو بحركة كفاية وتكتل شباب السويس "المجتمع السويسي بطبيعته كان يرفض الحزب الوطني أيام ما كان موجودا."
أما الشباب الذين أطلقوا شرارة الثورة الأولى فعدد مرشحيهم قليل جدا مقارنة بالقوى الأخرى وحجبت الدعاية الضخمة للأخوان المسلمين والسلفيين الضوء عنهم.
وعن حظوظهم في الانتخابات قال الدقاق "فرص الشباب تكاد تكون شبه معدومة لأن أغلبهم معندهمش خبرة سياسية في مسألة الانتخابات وامكانيتهم المادية محدودة."
وشهدت السويس طيلة الشهور الماضية احتجاجات عديدة على الأوضاع الأمنية وقلة فرص العمل والإسكان. كما نظمت عدة احتجاجات عمالية للمطالبة بتحسين ظروف العمل. وقطع الطريق المؤدي للمحافظة أكثر من مرة بسبب الاحتجاجات المتكررة.
وقال السائق عصام عبد العزيز "الأوضاع ساءت والبلطجة انتشرت. الشرطة عندها لا مبالاة والجيش اتعلم منهم."
وقال سعيد حسن محمد (51 عاما) وهو عاطل عن العمل فقد وظيفته في إحدى شركات البترول في مارس أذار "محدش حل حاجة في السويس."
والسويس محافظة صناعية تشتهر بالنفط والحديد والصلب والشحن البحري فضلا عن أنها تطل على قناة السويس وهي مصدر رئيسي من مصادر الدخل القومي المصري. وسقط أكثر من 20 قتيلا ومئات الجرحى فيها أثناء الانتفاضة الشعبية.
وقال عادل السيد علي حسن (49 عاما) وهو عامل أصيب بطلق خرطوش في العين اليسرى يوم 25 يناير "مصرفتش حاجة غير خمسة ألاف جنيه. وإحنا المصابين في السويس محدش عملنا حاجة ومش عارفين نروح لمين.."
وقال تامر رضوان الذي قتل شقيقه شريف في الاحتجاجات "محدش معترف بالشهداء خالص ومحدش بيفكر أنه يراضي أهالي الشهداء أو يجيب حقهم." وأشار الى انه سيقاطع الانتخابات بسبب ذلك.
ورغم أن حال أمل شقيقة "الشهيد" فرج عبد الفتاح عوض كان أفضل بكثير من حال تامر إذ حصلت وأسرتها على تعويض مالي ومعاش شهري إلا أن مطلبها الأهم لم يتحقق بعد وهو "القصاص".
وقالت إنها ستشارك في الانتخابات "لأن ده حق الشهيد وعشان حقهم ميروحش هدر."
ورغم أنها منتقبة الا أنها لن تنتخب التيار الإسلامي لأنهم بحسب كلامها "محدش شافهم في الثورة خالص ودلوقتي هما اللي راكبين الموجة".
تعليقات الفيسبوك