عندما دخل مرشح الإخوان المسلمين سباق الانتخابات الرئاسية في مصر قبل خمسة أسابيع فقط وصف محمد مرسي بأنه "المرشح الاحتياطي" للجماعة بعد استبعاد مرشحها الأول من جانب اللجنة العليا للانتخابات لأسباب قانونية.
لكن المهندس البالغ من العمر 60 عاما جاء في الصدارة وحصل على 24.3 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى وفقا للنتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات الرئاسية اليوم الاثنين بفضل حملة استعرضت فيها أقدم حركة إسلامية في مصر عضلاتها السياسية.
وسيخوض مرسي جولة الاعادة يومي 16 و17 يونيو حزيران أمام أحمد شفيق الذي حصل على 23.3 بالمئة من الاصوات وحل بالمركز الثاني.
وكان شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ما يضع المصريين أمام اختيار صعب بين رجل عسكري يرتبط بالماضي واسلامي يروق خطابه الديني للبعض ويقلق البعض في دولة يبلغ عدد سكانها 82 مليون نسمة.
وجاء المرشح اليساري حمدين صباحي في المركز الثالث وحصل على 20.4 بالمئة من الاصوات ثم الاسلامي المعتدل عبد المنعم ابو الفتوح في المركز الرابع وحصل على 17.2 بالمئة يليه وزير الخارجية الاسبق والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى في المركز الخامس وحصل على 10.9 بالمئة من الاصوات.
وبطرحه لنفسه على أنه الاسلامي الحقيقي الوحيد في السباق استهدف مرسي الناخبين المتدينين الذين ساعد تأييدهم للاخوان والسلفيين على حصد 70 بالمئة من مقاعد البرلمان في وقت سابق هذا العام.
ووعد مرسي بتطبيق الشريعة الإسلامية اثناء جولاته الانتخابية التي كانت تتردد خلالها تلاوات القرآن وأحاديث قدسية ونبوية وكثيرا ما كانت تتوقف لأداء صلاة الجماعة إذا حان وقت الصلاة.
لكنه نادرا ما يوضح ما يعنيه بتطبيق الشريعة في دولة شعبها متدين على نطاق واسع وينص الدستور فيها على أن مباديء الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع.
ودعا مرسي إلى مراجعة معاهدة السلام مع اسرائيل الموقعة عام1979 قائلا إن اسرائيل لم تحترم الاتفاقية وهو موقف تبناه معظم المرشحين الاخرين. وتعهدت الجماعة بعدم الغاء المعاهدة.
وقال مرسي انهم سيتخذون خطوات جدية نحو مستقبل افضل وتعهد بمكافحة أي فلول فاسدة من عهد مبارك.
وأضاف أنهم اذا اتخذوا خطوة لاعادتنا للخلف ولتزوير ارادة الشعب والعبث بالامن "فنحن نعرفهم وسنلقي بهم في مزبلة التاريخ".
وقدم مرسي نفسه في صورة العازف عن الترشح الذي يخوض السباق لخدمة الله والأمة.
وطاف مرسي الممتليء القوام ذو اللحية الرمادية والنظارات الطبية أنحاء مصر ليشرح للناخبين مشروع النهضة الذي يقع في 80 صفحة ويغطي سياسات اقتصادية واجتماعية وخارجية تقول الجماعة إنها صاغتها استنادا الى "فهمها الوسطي للإسلام".
وأثار نجاحه قلق غير الاسلاميين فضلا عن المسيحيين غير المقتنعين بتعهداته بحماية الحريات في مصر تحت قيادة الإخوان.
ويمثل المسيحيون عشرة في المئة من عدد السكان.
وذكر مرسي في إحدى جولاته الانتخابية إنه من أجل تطبيق الشريعة سجن البعض وعذب البعض وقتل البعض وإن تضحياتهم ودماءهم تدعو جماعته للعمل على تحقيق ما سعوا إليه. ودخل مرسي نفسه السجن في عهد مبارك.
ومرسي الذي حصل على الدكتوراة من الولايات المتحدة عضو مخضرم بارز في جماعة الاخوان التي حظرها مبارك لكنها فازت بنحو نصف المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي أجريت بعد الاطاحة به.
ودفعت الجماعة بمرسي في اليوم الأخير قبل غلق باب الترشح الشهر الماضي تحسبا لرفض لجنة الانتخابات الرئاسية قبول ترشح خيرت الشاطر القيادي البارز في الجماعة ومرشحها المفضل وهو ما حدث بالفعل.
ومثل غيره من المرشحين الإسلاميين سعى مرسي للتودد للحركة السلفية التي برزت كثاني قوة سياسية في مصر بعد الإخوان في الانتخابات التشريعية الماضية.
لكن حزب النور السلفي الذي فاز بأكثر من 20 بالمئة من مقاعد البرلمان قرر تأييد أبو الفتوح الذي انفصل عن الجماعة العام الماضي وقدم نفسه على انه اسلامي معتدل.
وخطبت حملة مرسي أيضا ود الجماعة الإسلامية وهي حركة سلفية أخرى حين أعلن مرسي أنه سيعمل على الإفراج عن زعيمها الروحي الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون في الولايات المتحدة بعد هجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك في التسعينات.
وأضاف داعية إسلامي مستقل آخر هو صفوت حجازي بعدا متشددا لحملة مرشح الاخوان بالصعود إلى المنصة في جولات مرسي الانتخابية مطالبا بتأسيس دولة إسلامية عظمى عاصمتها القدس لينتزع هتافات حماسية من الحشود.
وخطاب مرسي نفسه صارم ورسمي. ويقول منتقدون إنه يفتقر للجاذبية الشعبية التي يتمتع بها بعض منافسيه وظهر بعض قادة الاخوان وبينهم الشاطر إلى جواره في الحملات الانتخابية مما عزز الانطباع أن الجماعة هي من يسعى لمنصب الرئيس وليس أحد أعضائها.
وتحدث مرسي وهو ابن لفلاح عن طفولة بسيطة في قرية بمحافظة الشرقية بدلتا النيل واستدعى ذكريات عن كيف كانت والدته تعلمه الصلاة والقرآن.
حصل المرشح الاخواني على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة وتوجه لكاليفورنيا عام 1978 لاستكمال دراسته. وعاد لمصر عام 1985. ويحمل اثنان من أولاده الخمسة الجنسية الأمريكية.
وقال النائب حلمي الجزار الذي عرف مرسي لسنين لرويترز إنه شخصية علمية صاحب عقلية تحليلية.
وأضاف مستدعيا ذكريات سنوات عمل فيها مع مرسي في القاهرة "انه رجل لا يعرف الكلل حريص على أن يؤدي المهام الموكلة اليه."
لكن منتقدين يقولون إنه جزء من المجموعة المحافظة في الجماعة التي ظلت لسنين لا تعترف بالقوى السياسية الأخرى في البلاد.
وقال محمد حبيب نائب المرشد العام للجماعة سابقا إن مرسي يشعر بأن هذه القوى ليس لها جذور في الشارع المصري.
وكان حبيب ترك الجماعة العام الماضي احتجاجا على سياساتها في عصر ما بعد مبارك.
ومرسي الذي يرأس حزب الحرية العدالة الذي اسسه الاخوان بعد الانتفاضة ملتزم تماما إزاء الجماعة التي اسست قبل 84 عاما. وابنته متزوجة من ابن قيادي آخر في الجماعة. ووصف زوجته المحجبة بأنها ناشطة في الجماعة.
ومثل غيره من الأعضاء أقسم على البيعة للمرشد العام وهو ما يثير التساؤلات عما إذا كان ذلك سيؤثر على ولائه لمصر. وقال المرشد محمد بديع ان مرسي سيعفي من البيعة في حال فوزه.
ووصف مرسي التحدي الذي يواجهه في حال فوزه بالرئاسة بانه سلك هذا الطريق لارضاء الله واخلاصا للأمة والشعب.
وبالرغم من أن اعلان حملته يؤكد على تطبيق الشريعة الاسلامية حاول مرسي في المقابلات التلفزيونية تهدئة المخاوف حيال ما يعنيه الحكم الاسلامي.
وعلى سبيل المثال قال إن مصر لن تصبح دولة دينية وأضاف انه لا يوجد اختلاف يذكر بين عبارة "مباديء الشريعة" الموجودة في الدستور الحالي والشريعة نفسها.
ولم يقدم مرسي اجابة واضحة عندما ضغط عليه مقدم برنامج تلفزيوني ليوضح موقف الحكم الاسلامي من لباس البحر الكاشف (البكيني) على الشواطيء المصرية. والسياحة الشاطئية أحد عناصر صناعة السياحة الحيوية للبلاد.
ويقول إن هذه المسائل "هامشية للغاية" لأنها لا تخص سوى أماكن محدودة جدا في مصر مضيفا أنه يجب استشارة المتخصصين في قطاع السياحة عند سن القوانين.
ويجسد مشروع النهضة رؤية الجماعة في كل شيء من مكافحة التضخم إلى بناء علاقات ندية مع الولايات المتحدة. ويشمل بناء علاقات أقوى مع تركيا التي كثيرا ما يستشهد قادة الاخوان بها كنموذج للنجاح.
واستشهد مرسي بيوم القيامة كأحد أسباب سعيه للمنصب وقاله انه يخشى من أن يسأله الله يوم الحساب عما فعل عندما رأي الأمة في حاجة للتضحية والجهد.
ودعت جماعة الإخوان المسلمين صباحي وأبو الفتوح وسياسيين آخرين لمحادثات للحصول على تأييدهم قبل جولة الإعادة لكن كلا منهما قال إنه لن يشارك في أي محادثات بهذا الشأن.
وقال ياسر علي المسؤول في حزب الحرية والعدالة إن المحادثات لإقناع المنافسين بالانضمام إلى جبهة ضد شفيق ستتطرق إلى منصب نائب الرئيس وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة.
وقالت الجماعة إنه يتعين على الأحزاب التي أيدت الثورة ضد مبارك أن تتوحد "من جديد حتى لا تسرق منا الثورة" محذرة من "محاولات مستميتة من أجل إعادة إنتاج النظام القديم بحلة جديدة."
وقال مرسي انه سيسعى لجمع القوى الوطنية والمرشحين الذين خرجوا من السباق الرئاسي تحت هدف واحد لمواجهة ما يفتعله "النظام البائد" من محاولة إنتاج رموزه مرة أخرى واعادتهم للحياة السياسية.
وأوضح انه ليس بالضرورة ان يكون نائب الرئيس من حزب الحرية والعدالة اذ سيكون له أكثر من نائب من تيارات أخرى فضلا عن أن الحكومة القادمة ستكون ائتلافية موسعة.
وقال "نحن متفقون على اسقاط بقايا الفساد بقايا الديكتاتورية وسوف تستمعون قريبا جدا ان هناك جبهة وطنية تقف صفا واحدا لاسقاط النظام الفاسد نهائيا."
تعليقات الفيسبوك