تبدد أمل الولايات المتحدة في التوصل الى حل سريع لنزاعها مع مصر بشأن الجمعيات المؤيدة للديمقراطية مما أدخل الدولتين في مسار خطير مع تزايد الضغط على شراكة أمنية حيوية بالنسبة لواشنطن.
وكانت الولايات المتحدة تأمل ان تحسم هذا الشهر النزاع حول مداهمة السلطات المصرية لجمعيات تمولها أمريكا ومنعها سفر عدد من المواطنين الامريكيين من خلال التوصل الى اتفاق لحفظ ماء الوجه يسمح بالافراج عن الأمريكيين ويعيد العلاقات بين واشنطن والقاهرة الى مسارها.
لكن قرار محكمة مصرية يوم الأحد تأجيل نظر القضية إلى أواخر أبريل نيسان فتح فصلا جديدا محفوفا بالمخاطر في النزاع فهو يترك الباب مفتوحا أمام التوصل الى حل لكنه يزيد أيضا مخاطر حدوث أضرار سياسية دائمة على الجانبين.
وعبرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اليوم الثلاثاء عن اعتقادها بأنه لا يزال من الممكن التوصل إلى حل للقضية لكنها رفضت الخوض في تفاصيل ما وصفتها بأنها "مباحثات مكثفة للغاية" مع الحكومة المصرية.
وقالت كلينتون أمام لجنة بمجلس الشيوخ "أجرينا كثيرا من المحادثات الشاقة وأعتقد اننا نتحرك باتجاه التوصل إلى حل."
وحذر مسؤولون أمريكيون من أن القضية تعرض للخطر المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر البالغ حجمها 1.3 مليار دولار.
واتهم 43 من العاملين الأجانب والمصريين في جمعيات أهلية بتلقي أموال من الخارج دون موافقة حكومية والقيام بأنشطة سياسية غير متصلة بعملهم في المجتمع المدني وعدم الحصول على تصاريح العمل اللازمة.
وإذا طال أمد هذه القضية فقد تحدث ضررا طويل المدى بعلاقة الولايات المتحدة مع مصر التي لعبت دورا محوريا في تحالفات واشنطن في العالم العربي الى جانب الدور الذي يلعبه الاردن وهما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تربطهما معاهدة سلام مع اسرائيل.
كما ان التوقيت الدبلوماسي صعب أيضا. فمحامو الادعاء يتحدثون عن اتهامات بالتجسس ومصر تستعد لاجراء انتخابات رئاسية قبل انتهاء يونيو حزيران والكونجرس الامريكي يثير تساؤلات بشأن استمرار المساعدات لمصر ويرى كثير من المحللين ان القضية قد تحيد كثيرا عن المسار اذا لم تحسم خلال الاسابيع القليلة القادمة.
وقال روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى "احتمالات حدوث صدع بين الولايات المتحدة ومصر بشأن المساعدات زادت. "ما يبدو واضحا الان ان هذه القضية ستستمر ويمكن فعلا أن تصل إلى ذروتها في خضم انتخابات الرئاسة في مصر. فكرة التوصل الى حل سلس يحفظ ماء الوجه تتراجع فيما يبدو."
ويرى مؤيدو المنظمات غير الحكومية وبعض المحللين السياسيين ان قرار المحكمة تأجيل القضية مشجع لانها كان من الممكن ان تتخذ اجراء أشد وتأمر رسميا باعتقال المتهمين.
ويقولون إن هذا الأجل الطويل يمكن أيضا أن يسهم في إتاحة الوقت امام حل دبلوماسي.
وقالت ميشيل دان مديرة مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي "من الواضح أنهم ليسوا مستعدين لحلها (الأزمة) لكنهم ليسوا مستعدين أيضا لتصعيدها."
ومضت تقول "لكن يبدو أنه لا يوجد إلى الآن حل في الأفق وبدأت أتساءل عما إذا كانت الحكومة التي يقودها الجيش قادرة على حلها."
وتشمل القضية جمعيات لها صلات سياسية رفيعة بالولايات المتحدة.
وتقول هذه الجمعيات انها سعت طويلا للتسجيل في مصر. ووصفت الحملة التي تعرضت لها بانها تجيء في اطار حملة قمعية ضد نشطاء المجتمع المدني شنها المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر بعد الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي.
ومن بين هذه الجمعيات المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي ولهما صلات فضفاضة بالحزبين الامريكيين ومن بين المتهمين سام لحود ابن وزير النقل الأمريكي ومدير المعهد الجمهوري الدولي في مصر.
ولجأ لحود وعدد من الموظفين الامريكيين في الجمعيات إلى السفارة الأمريكية في القاهرة والتي يمكن ان تتحول الى نقطة ساخنة أخرى إذا طلب من المتهمين الأمريكيين رسميا المثول أمام المحكمة.
وقال تشارلز دان مدير برامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة فريدم هاوس وهي منظمة أمريكية غير حكومية أخرى يشملها النزاع إن المنظمات مصممة على ابقاء التركيز منصبا على القضية الأوسع المتعلقة بالتحول الديمقراطي في مصر والتي جعلها الكونجرس شرطا لتقديم مزيد من المساعدات لمصر.
وقال دان وهو من بين المتهمين في القضية "هذه ليست حربا على المنظمات غير الحكومية الأمريكية. هذه حملة تستهدف المجتمع المدني المصري."
وأشار إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيتعين عليها أن تقدم قريبا شهادة بأن مصر تحرز تقدما في اتجاه تحقيق أهدافها الديمقراطية كي يستمر تدفق المساعدات الأمريكية.
وقال دان "سيتعين عليهم إما تقديم شهادة أو التخلي عن الشهادة لاعتبارات الأمن القومي. والإقدام على أي من الأمرين الآن سيحدث ضجة."
ورفضت كلينتون اليوم التعليق عندما سئلت بشأن إمكانية أن تقول في المرحلة الحالية ما إذا كانت الشهادة لمصر ممكنة.
وتعهد مسؤولون أمريكيون بمواصلة الضغط على مصر أملا في التوصل إلى حل ما بالرغم من الإحساس المتزايد بالجرح والغضب على الجانبين.
تعليقات الفيسبوك