إعداد: دينا عفيفي
العناوين والتسميات البراقة قد تخفي وراءها وجها آخر. فالتجسس لم يعد حكرا على أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية، بل سوف تجد في وظيفتك من يعمل على متابعة أدق تفاصيل الأنشطة التي تقوم بها.. حتى وإن كان لهم عنوان براق يحمل اسم قسم "الموارد البشرية".
سواء كنت تعمل في الولايات المتحدة الأمريكية أو في مصر، في بنك أو في شركة تأمين، فأنت معرض للمراقبة في مكان العمل أو خارجه طالما تستخدم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت خدمة "ألتر نت" الإخبارية إنه ليس مفاجئا لأغلب الناس أن إدارات الموارد البشرية في الشركات تتعاون مع مسؤولي تكنولوجيا المعلومات لمتابعة أنشطة الموظف في مكان العمل. فهم يتابعون التحركات بطرق مختلفة بما في ذلك بطاقات الدخول الإلكترونية وكاميرات الفيديو، ويسجلون متى تفتح كمبيوتر العمل ومتى تغلقه، بل إنهم يتابعون النقرات التي تقوم بها على المفاتيح، وبريدك الإلكتروني (بما في ذلك حسابك الشخصي) وتصفحك للإنترنت على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالعمل. يمكن أن يقول البعض إن هذا من حقهم، بما أن هذه هي الأدوات الخاصة بالعمل، كما أن الوقت الذي تقضيه في العمل هو وقت الشركة التي تعمل بها. لكن الموارد البشرية أصبحت تتجسس على عدد متزايد من العاملين وتتحكم بهم بطرق ملتوية بل من المرجح ألا يكونوا على دراية بذلك. وفيما يلي خمسة طرق للتجسس الذي يقومون به:
يتابعون أنشطتك الإلكترونية الخاصة: تتيح الكثير من الشركات للموظفين استخدام هواتفهم المحمولة أو الأجهزة اللوحية أو أجهزة الكمبيوتر الشخصية في أغراض العمل بدلا من توفير مثل هذه الأجهزة لهم. والموظفون بالطبع يفضلون هذا الخيار بحيث يمكن متابعة كل من الحياة العملية والحياة الخاصة في الوقت ذاته وعلى جهاز واحد ويمكن أن يستخدموا الهاتف أو الجهاز اللوحي أو الكمبيوتر الذي يريدونه. غير أنه كثيرا ما يُطلب من العاملين تنزيل وتثبيت برامج تستخدم لإدارة أجهزتهم ويتعرضون لضغط للتوقيع على سياسات استخدام مبهمة تعطي الشركة الحق في مراقبة الأجهزة والدخول عليها.
والسبب الأكثر شيوعا الذي تذكره الشركات لتثبيت برامج إدارة الأجهزة هو أنها تتيح لها محو كل البيانات الموجودة على الهاتف في حالة سرقته أو فقده. هذه البيانات لا تتضمن فحسب البريد الإلكتروني الخاص بالشركة إلى جانب بيانات العملاء، بل أيضا بيانات وصور ورسائل نصية وأغاني وتطبيقات خاصة بصاحب الهاتف نفسه. ولا تكتفي إدارات الموارد البشرية بهذا، بل تكلف العاملين في تكنولوجيا المعلومات بمحو المعلومات الموجودة على الهاتف في حالة استقالة الموظف فجأة أو إقالته.
لكن في بعض الأحيان لا تنسق إدارة المواد البشرية عملية إقالة العاملين مع إدارة تكنولوجيا المعلومات بشكل جيد. قال محرر سابق في شركة إعلامية مقرها نيويورك لخدمة ألتر نت إن هاتفه توقف عن العمل تماما بينما كان في عطلة. في البداية ظن أنه أتلف الهاتف وحاول إصلاحه، لكن بعد أن عاد من العطلة بعد إسبوعين، طُلب منه أن يتوجه إلى إدارة الموارد البشرية وتمت إقالته. وفي قت لاحق من ذلك اليوم لاحظ أن التاريخ المدون على إحدى الوثائق التي تعين عليه توقيعها مع إقالته هو نفس التاريخ الذي تعطل فيه هاتفه. عندما استعاد الموظف هاتفه من مركز الصيانة قالوا له إنه ليس به أي مشكلة وإنهم لم يستطيعوا استعادة أي بيانات وتعين عليهم إعادة ضبط إعدادات الهاتف للتخلص من البرنامج الذي ثبتته الشركة على هاتفه حتى يعمل الجهاز مجددا بشكل سليم.
قال الموظف السابق "أنا سعيد لأنني لم أكن على علم بهذا وإلا كان ذلك سيفسد عطلتي تماما...لكني لم أتمكن من استخدام الهاتف سواء للتصفح أو للحجز أو التقاط الصور، لذلك كان الوضع مزعجا نوعا ما."
ولكن الأسوأ أن الشركات يمكن أن تصادر الهواتف الشخصية بل وتفتشها في حالة وقوع خلافات مع الموظفين. إذا شعرت شركة ما أن لديها أي تساؤلات قد تؤدي إلى إقامة دعوى قضائية ضد أي من الموظفين السابقين، فمن المرجح أن تطلب من هذا الموظف السابق أن يسلم أي أجهزة إلكترونية عليها برامج إدارة الجهاز.
كما أن بإمكان صاحب العمل متابعة أماكن الموظفين عبر النظام العالمي لتحديد المواقع (جي.بي.إس) الموجود على أجهزتهم. ويمكن أن تستخدم إدارة الموارد البشرية هذه البيانات لتحديد الوقت الذي يستغرقه الموظف في فترات الراحة، والوقت الذي يستغرقه في العمل، بل عدد المرات التي يدخل فيها دورة المياه والوقت الذي يمضيه هناك! والأنكى من ذلك أنه إذا اتصل الموظف بالعمل واعتذر عن عدم الحضور لأسباب مرضية، لكنه في الواقع يتمارض وكل ما يريده هو عدم الذهاب للعمل، يمكن عندها لصاحب العمل أن يكتشف ما إذا كان الموظف في منزله بالفعل أم أنه مثلا خرج للتسوق أو ما إلى ذلك.
وماذا عن التطبيقات التي تحملها على هاتفك؟ كثيرا ما تعطي اتفاقات الاستخدام لصاحب العمل الحق في معرفة البرامج التي تم تثبيتها. وفي حين أن الشركات تزعم أن هذا يحدث لأسباب أمنية، فإنها يمكن أن تلتقط معلومات عن الموظف. يمكن أن تكون هذه النقطة مقلقة على وجه الخصوص إذا كان الموظف يستخدم تطبيقا خاصا للتعامل مع حالة صحية بعينها ولا يريد للشركة التي يعمل بها أن تعرف شيئا عنها.
هناك بعض الأشياء التي لا يمكن للشركات القيام بها بعد أن تسيطر على هاتف ببرامج إدارة الأجهزة. إذ لا يمكنها الاطلاع على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة، أو الرسائل النصية أو الصور أو مقاطع الفيديو أو البريد الصوتي أو النشاط على الإنترنت، أو هذا على الأقل ما تزعمه مطبوعات تكنولوجيا المعلومات.
تتابع الشركات نشاطك على وسائل التواصل الاجتماعي وتتحكم به: أصبح العاملون في الموارد البشرية يلجأون إلى فيس بوك وتويتر وانستجرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة أنشطة الموظفين والموظفين السابقين لأنه لا توجد قوانين واضحة تحظر على أصحاب العمل مراقبة الأنشطة الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد ساعات العمل. وفي حين أن أي تعليقات سلبية أو مضرة بمصلحة الشركة تصبح معلومات متاحة للجميع بمجرد نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وربما يكون لإدارات الموارد البشرية الحق في الرد على هذه المنشورات إلا أنها ربما تطلع أيضا على قائمة الأصدقاء الخاصة بهذا الموظف وتعرف ما إذا كان هناك موظفون آخرون في هذه القائمة. ربما يشعر العاملون بأنهم مستهدفون نتيجة ارتباطهم بهذا الموظف بل إن البعض أصبح يتخلى عن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم قلقون من استغلال المعرفة بوجود أشخاص معينين ضمن الأصدقاء ضدهم.
كما أن بعض الشركات تطلب من الموظفين أن يضعوا ينشروا مواد في صالح شركتهم على حساباتهم. بل إن بعض الشركات تتمادى وتطلب من العاملين أن يغيروا صورة الغلاف على تويتر أو فيس بوك ويضعوا موضوعات على صفحاتهم للترويج للشركة أو عملها أو منتجاتها. غير أن شركات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك لا تتهاون مع مثل هذه الممارسات. ففي اتفاق بنود الخدمة يحظر فيس بوك صراحة على الشركات جعل الموظفين يستغلون صفحاتهم في تحقيق مكسب تجاري للشركة.
تطالب إدارات الموارد البشرية بدخول حساباتك الشخصية على مواقع الإنترنت: بعض الشركات وصلت إلى حد مطالبة الموظفين بتسليم كلمات المرور الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من مواقع الإنترنت إلى إدارات الموارد البشرية حتى يمكن متابعة الحسابات. وينطبق هذا أيضا على الموظفين المحتملين. وفي حين أن الموظف المحتمل ربما يرفض مثل هذا الطلب، فإن الرفض ربما يؤدي إلى استبعاده من التعيين. وإذا طُلب من موظف موجود في الشركة أن يعطي كلمة مرور خاصة به ورفض فمن الذي يضمن ألا يستخدم ذلك ضد الموظف في وقت لاحق. بالإضافة إلى ذلك إذا وافق الموظف على إعطاء كلمة المرور لصاحب العمل فليس هناك ما يضمن ما هي طبيعة المحتوى الذي ربما يثير حفيظته. ربما تكون صورة بريئة بين الأصدقاء أو رأي سياسي أو حتى "إعجاب" بمادة منشورة على فيس بوك هو ما يغير رأي الشركة عن الموظف. والأغرب من ذلك أنه بما أن الألعاب أصبحت مرتبطة بصورة كبيرة بمواقع التواصل الاجتماعي فإن الموارد البشرية ربما تحاول معرفة الشخصيات التي يبتكرها الموظف ويصلون إلى استنتاجات خاطئة.
أثناء المقابلة التي تجريها معك الشركة في حالة استقالتك أو إقالتك ربما تطلب إدارة الموارد البشرية منك أن تتخلى عن حسابك على تويتر أو فيس بوك. في واقع الأمر فإن الشركات تقاضي موظفين سابقين بسبب حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي إحدى القضايا قاضت شركة موظفا سابقا بسبب 17 ألف متابع له على تويتر ظلوا معه حتى بعد تركه الشركة. ورغم أن تفاصيل التسوية سرية فإن الموظف السابق تمكن من الاحتفاظ باسمه على تويتر الذي كان يتضمن جزئيا اسم الشركة كما احتفظ بمتابعيه. وفي الوقت الحالي سنت أكثر من 20 ولاية في الولايات المتحدة قوانين تحظر صراحة على الشركات الدخول على حسابات الموظفين على مواقع التواصل الاجتماعي وهناك عدد آخر من الولايات ينظر في مثل تلك القوانين.
الموارد البشرية تنظم أنشطة معينة بهدف معرفة طباع الموظفين: كان لتغيير المصطلح من "شؤون الأفراد" إلى "الموارد البشرية" قبل 30 عاما إشارة إلى أن الموظفين أصبحوا موارد يمكن إدارتها مثل أي عنصر آخر في الشركة كالشؤون المالية أو معدات المكتب أو ممتلكات الشركة.
بالتالي يرى مسؤول الموارد البشرية أن دوره هو معرفة أي العاملين الذين يشعرون بالسعادة وينتجون أكثر. وحتى يصلوا إلى هذه النتيجة يقومون ببعض التجارب والأنشطة داخل المكتب ليحددوا الموظفين المتفاعلين وأيضا العازفين عن المشاركة. أنشطة تبدو بريئة تماما مثل الاتفاق على ارتداء زي معين في يوم ما أو تدريبات تكوين الفرق لكنها لا تحدث للتسرية عن العاملين الذين يشاركون فيها، بل هي تتم لصالح مسؤولي الموارد البشرية لتحديد العاملين العازفين عن المشاركة.
يعتقد مسؤول الموارد البشرية أن الموظف الذي يبدو عليه الإحباط ليس موظفا منتجا. لكن المشكلة في هذه الأنشطة وفي متابعة الموارد البشرية لها هي أن الأشخاص المنطوين أو الذين لديهم مشاكل صحية لا يعلنون عنها ربما لا يندمجون مع تلك الأنشطة.
إن الموظفين الذين يُنظر لهم على أنهم لا يشاركون في أنشطة العمل المتفق عليها عادة ما يعتبرهم مديروهم ومسؤولو الموارد البشرية غير مندمجين، مما قد يؤدي إلى إقالتهم في نهاية الأمر.
الموارد البشرية تبني سجنا داخل مكان العمل: كثيرا ما تنخرط إدارة الموارد البشرية في إعادة تصميم بيئة العمل مع الزعم بأن هذا يساعد على تحقيق روح الفريق والفاعلية. من التصميمات الأثيرة لديهم هو نموذج المكان المفتوح الذي لا يتمتع فيه العاملون بالخصوصية التي تحققها الجدران أو الأبواب أو حتى الفواصل. وفي حين أن إدارات الموارد البشرية تقول إن هذه المساحات المفتوحة تزيد من الشفافية والعدل في مكان العمل فإن العاملين يقولون إنها تؤدي إلى تشتت الانتباه وتجعلهم أقل إنتاجا.
وتسبب المساحات المفتوحة التوتر بين العاملين، لأن المديرين يمكن أن يراقبوهم في أي وقت بالإضافة إلى وجود كاميرات الأمن التي يمكن أن تحتفظ بلقطات طوال شهور على القرص الصلب ولذلك يصبح العاملون مضطرين لتعديل سلوكياتهم بشكل دائم. في واقع الأمر فإن نظام المساحات المفتوحة يشبه تصميم بعض السجون والذي يتيح لحارس واحد أن يراقب العديد من المسجونين وأن يسيطر عليهم.
الحالة الوحيدة التي يتوقع فيها الموظف أن يتمتع بالخصوصية هي عندما يتوجه إلى دورة المياه، كما أن الشركة ليس من المفترض أن تسجل الاجتماعات التي يحضرها الموظف مع نقابته المهنية. غير أن هناك شركات خرقت بعض تلك القواعد وزعمت أن لديها حاجة ماسة لتصوير الموظفين في تلك الحالات.
تعليقات الفيسبوك