كتب: حسن صابر
تحل اليوم الذكرى الأولى لأحداث فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر لأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي، وبعد مرور عام على هذه الوقائع، لا يزال ما حدث خلالها يثير الجدل حتى الآن، ويتكشف يوما بعد يوم.
على المستوى الرسمي تم تشكيل لجنة "قومية مستقلة" في ديسمبر الماضي مهمتها جمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التي واكبت "ثورة 30 يونيو 2013"، بحسب قرار تشكيل اللجنة الذي صدر عن رئيس الجمهورية المؤقت آنذاك عدلي منصور.
وتم إسناد رئاسة اللجنة إلى أستاذ القانون الدولي فؤاد عبد المنعم رياض، وكان من المنتظر أن تنتهي من تقريرها في يونيو الماضي لكنها طلبت مد أجل عملها إلى سبتمبر المقبل.
ومع ذلك فإن هناك جهات أخرى حاولت تقصي حقائق ما حدث وأصدرت تقارير بما توصلت إليه من نتائج، ومن أبرز تلك الجهات المجلس القومي لحقوق الانسان، وومنظمات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
"اعتصام سلمي" ... وشهادات عن مسلحين وتعذيب واستغلال للأطفال
أجمعت تلك التقارير على أن بعض المعتصمين كانوا مسلحين وإن اختلفت بشأن نسبتهم بين إجمالي المعتصمين، وما إذا كانت السمة الغالبة على الاعتصام هي السلمية أم أنه كان اعتصاما مسلحا.
وقال تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان صدر في مارس الماضي، إن الاعتصامين شابتهما انتهاكات من قبل بعض المشاركين فيهما، وذكر أنها شملت 11 حالة وفاة بسبب التعذيب على يد معتصمين، اعتبرها جرائم قتل خارج القانون، وتعريضهم آخرين للاحتجاز القسري والقبض غير القانوني، واستغلالهم لأطفال في صراع سياسي، بعضهم من دور رعاية خاصة، بحشدهم بشكل جبري في الاعتصام.
وأشار التقرير إلي أن هناك مقاطع مسجلة مصورة لمتحدثين من على منصة الاعتصام "تحرض على العنف والقتال والاستشهاد وتحض على الكراهية والتمييز".
وقال إن المعتصمين نظموا استعراضات شبه عسكرية، وإن بعضهم كان يحمل سلاحا.
وينص قانون إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان على أن "له استقلاله القانونى عن سلطات الدولة"، وأن السلطة التشريعية تعين أعضاءه، وإن كان قرار تشكيل المجلس الحالي صدر عن الرئيس السابق عدلي منصور لأنه كان يملك السلطة التشريعية في غياب البرلمان.
وانتقد بيان لجماعة الإخوان المسلمين تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان بشأن فض اعتصام رابعة، ووصفه بأنه جريمة وبمثابة شهادة وفاة للمجلس.
وقال بيان جماعة الإخوان الذي نشر على صفحتها على فيس بوك بعيد صدور تقرير المجلس في مارس الماضي، إن التقرير ذكر "أن المعتصمين هم من بدأ بإطلاق النار على قوات الشرطة، وتلك هي رواية (وزير الداخلية محمد إبراهيم)، وصور التقرير أن المسالة كانت عبارة عن اشتباكات متبادلة بالسلاح بين المعتصمين والشرطة، في حين أنها كانت عبارة عن قتل وحرب إبادة من طرف الجيش والشرطة للمعتصمين السلميين".
ووصف بيان الاخوان غالبية أعضاء المجلس القومي لحقوق الانسان بأنهم "من خصوم التيار الإسلامي والشرعية ومن المؤيدين للانقلاب العسكري".
ومع ذلك فإن المجلس لم يكن الجهة الوحيدة التي أشارت إلي وجود سلاح مع المعتصمين، فقد قالت منظمة العفو الدولية في بيان صدر يوم 23 أغسطس، إن "الأدلة التي حرصت منظمة العفو الدولية على جمعها (تشير) إلى أن بعض أنصار مرسي كانوا مدججين بالسلاح واستخدموا الذخيرة الحية ضد الشرطة والسكان المحليين الذين قاموا بمساعدة قوات الأمن".
كما شارك بيان آخر أصدرته منظمة العفو في 2 أغسطس 2013 المجلس القومي لحقوق الإنسان في إفادته بشأن تعذيب بعض أنصار مرسي لمواطنين، وقال البيان "الأدلة، بما في ذلك إفادات الناجين، تشير إلى قيام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي بتعذيب أفراد ينتمون إلى الطرف السياسي المعارض لهم".
لكن المنظمة قالت "ومع ذلك، فيتعين على الحكومة المصرية أن تُحجم عن استخدام هذه الجرائم التي يرتكبها القلّة كذريعة لفرض عقاب جماعي على جميع أنصار مرسي، أو اللجوء إلى استخدام القوة المفرطة لفض اعتصاماتهم".
وأشارت المنظمة إلى أن وزارة الداخلية أعلنت أنه قد عُثر على 11 جثة منذ اندلاع الأزمة، وقد بدت عليها آثار التعذيب. كما قُدمت 10 شكاوى أخرى زعم الناجون فيها تعرضهم للتعذيب.
وقالت منظمة العفو إن أعضاء حملة "أنا ضد التعذيب" المصرية أخبرتها أنهم قد تحققوا بشكل مستقل من وفاة 11 شخصاً جراء تعرضهم للتعذيب على أيدي أنصار مرسي منذ اندلاع الأزمة.
وتمثل منظمة العفو الدولية -التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها- حركة عالمية مستقلة لأشخاص يشاركون في حملات من أجل حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، وتضم أكثر من 2.8 مليون عضو ومساند في أكثر من 150 بلداً وإقليما، حسبما يذكر موقعها الرسمي على الإنترنت.
وقال تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية صدر في يونيو الماضي، "قام عدد قليل –في اغلب التقديرات- من المعتصمين باستخدام الرصاص وتبادل النيران مع الشرطة".
والمبادرة هي منظمة حقوقية مستقلة تقول إنها "تعمل منذ عام 2002 على تعزيز وحماية الحقوق والحريات الأساسية في مصر".
وقالت منظمة حقوقية أخرى هي "هيومان رايتس ووتش"، التي تصف نفسها بأنها "منظمة دولية مستقلة تعمل في إطار حركة قوية تهدف إلى حماية الكرامة الإنسانية ومناصرة قضية كفالة حقوق الإنسان للجميع"، في تقرير لها صدر الثلاثاء الماضي، إنه " ورغم وجود أدلة على استخدام بعض المتظاهرين لأسلحة نارية في العديد من تلك المظاهرات إلا أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من تأكيد استخدامها إلا في حالات قليلة".
وأضافت بشأن اعتصام رابعة "وبعد الفض التام للاعتصام في 14 أغسطس ، أعلن وزير الداخلية محمد إبراهيم عثور قواته على 15 بندقية في الميدان، وهو الرقم الذي يشير بفرض صحته إلى أن قلة من المتظاهرين كانوا مسلحين، ويوفر تأييداً إضافياً للأدلة الوفيرة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش على قيام الشرطة بحصد المئات من المتظاهرين العزل".
وكما هاجمت جماعة الاخوان المسلمين تقرير المجلس القومي لحقوق الانسان واتهمت أعضاءه بالتحيز، وجهت الحكومة المصرية انتقادات شديدة لتقرير هيومن رايتس ووتش والقائمين عليه.
ومنعت مصر اثنين من العاملين بها من دخول مصر بعد وصولهم إلى مطار القاهرة الاثنين الماضي لإعلان التقرير، وقال بيان لوزارة الداخلية إنهما "سعيا إلى الدخول إلى مصر لإصدار التقرير وممارسة العمل دون سند قانونى".
وقال بيان صادر يوم الثلاثاء عن الهيئة العامة للاستعلامات -وهي هيئة حكومية مصرية إن تقرير هيومان رايتس ووتش "اتسم بالسلبية والتحيز في تناوله لأحداث العنف التي شهدتها مصر خلال العام 2013, وتجاهله للعمليات الإرهابية التى ارتكبها تنظيم الأخوان الإرهابي وأنصاره"، قائلة إن التقرير "تغاضى عمدًا عن الإشارة إلى وقوع المئات من شهداء الشرطة والقوات المسلحة والمدنيين من جراء أحداث العنف والإرهاب التي لا تزال مستمرة" .
وأضاف البيان أن "ما أورده التقرير من توصيفات وسرد للوقائع -التي حدثت خلال شهري يوليو وأغسطس 2013- يعكس بوضوح ... عدم مهنية كوادر المنظمة بالاعتماد على شهود مجهولين ومصادر غير محايدة وغير موثوق بها".
وكان اعتصاما رابعة العدوية والنهضة قد بدآ يوم 28 يونيو 2013 للاحتجاج على دعوات لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تصدرتها حركة تمرد التي قالت حينذاك إنها جمعت ما لا يقل عن 20 مليون توقيع لمواطنين مؤيدين لهذه الدعوة.
ونظم الاعتصامين "تحالف دعم الشرعية"؛ وهو تحالف لأحزاب وحركات من الإسلام السياسي يتقدمها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.
و أعلن الجيش في مطلع يوليو 2013 عزل مرسي بعد مظاهرات ضخمة ضده على امتداد مصر، ما أعقبه احتجاجات لأنصاره وموجة عنف، لا تزال مستمرة حتى الآن، وصلت ذروتها يوم 14 أغسطس، حين فضت قوات الأمن الاعتصاميين وسقط مئات القتلى في عملية الفض.
وشملت الموجة مناطق عديدة من البلاد وعلى الأخص شبه جزيرة سيناء، وشملت هجوما على كنائس ومتاحف وإدارات مدنية و مقرات للشرطة، وقتل مئات من رجال الشرطة والجيش في هجمات وتفجيرات قام بها ما تصفهم الحكومة المصرية بإرهابيين وتكفيريين.
فض الاعتصام ..."إفراط الأمن في استخدام القوة" ردا على "معتصمين مسلحين"
بدأت قوات الأمن فض الاعتصامين صباح يوم 14 أغسطس، وقال تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان إنها لم تمنح معتصمي رابعة سوى 25 دقيقة لمغادرة مكان الاعتصام، وأخفقت في تأمين ممر آمن حددته لخروجهم.
وأضاف التقرير إن العناصر المسلحة بين المعتصمين بادرت بإطلاق النيران على قوات الأمن، وإن "قوات الأمن توافرت لها حالة الضرورة في استخدام القوة المسلحة نظرا لاندلاع عمليات مقاومة، إلا أنها أخفقت في الحفاظ على ضبط النفس وأخلت في بعض الأحيان بالتناسبية في كثافة إطلاق النار".
ووصف التقرير ما حدث بأنه "يعد انتهاكا لمدونة قواعد وسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون".
أما هيومن رايتس ووتش فقالت على لسان مديرها التنفيذي كينيث روث، إنه "في ميدان رابعة قامت قوات الأمن المصرية بتنفيذ واحدة من أكبر وقائع قتل المتظاهرين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث. لم تكن تلك مجرد حالة من حالات القوة المفرطة أو ضعف التدريب، بل كانت حملة قمعية عنيفة مدبرة من جانب أعلى مستويات الحكومة المصرية".
وقال تقرير المبادرة المصرية إن قوات الأمن "فشلت في التخطيط لعملية فض الاعتصام بغية تقليل حجم الخسائر البشرية، وأنزلت عقابًا جماعيًّا على كل من تواجد داخل منطقة الاعتصام ...واستخدمت القوة المميتة بغير وجه حق في أكثر من حالة واستهدفت عدد كبير من المعتصمين دون دليل على وجود سلاح معهم، ولم تكن هناك معظم الوقت مخارج أمنة فعليا تحمي المعتصمين الراغبين في مغادرة المكان دون التعرض لمحاولات سكان المباني المجاورة البطش بهم".
مئات القتلى .. وتضارب تقديرات التقارير لعددهم الفعلي
قدر المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريره عدد القتلى خلال فض اعتصام رابعة العدوية بـ 632 قتيلا، مستندا في ذلك بشكل رئيسي على بيان صدر من مصلحة الطب الشرعي.
وكان بيان الطب الشرعي الذي صدر يوم 14 نوفمبر 2013 قال إن إجمالي حالات الوفاة الناتجة عن فض اعتصام رابعة العدوية وحده بلغت 627 حالة وفاة.
وأكد أنه "لا يستبعد وجود حالات قليلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تزيد عن 20 حالة وفاة أخرى في فض اعتصام "رابعة العدوية" قد تكون وقعت وتم دفنها دون إجراء التشريح الطبي والإخطار بها رسميا سواء للطب الشرعي أو المستشفيات".
وأشار البيان إلى أن إجمالي حالات وفيات الشرطة من ضباط وأفراد يوم 14 أغسطس على مستوى الجمهورية قد بلغت 55 حالة وفاة.
أما تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فقال إن تقديرات عدد قتلى فض اعتصام رابعة تراوحت ما بين 499 (تقديرات رسمية) و932 (تقديرات ويكي ثورة)، وقال إن الأخير "هو الرقم اﻷكثر دقة، ويقترب من تقدير رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي الذي تحدث في الإعلام بصورة تقريبية عن ألف قتيل".
وموقع "ويكي ثورة" هو مبادرة توثيقية للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وقال إنه قام بحصر 932 قتيلا "كامل التوثيق" خلال فض اعتصام رابعة العدوية، منهم 924 مدنيا و 8 قتلي من الشرطة.
وأشار الموقع لاحتمال وجود نحو مئتي قتيل آخر سجلتهم مبادرات مختلفة ويحتمل أن يكون بينهم أسماء مكررة سبق حصرها.
وقالت وزارة الداخلية في بيان يوم 6 سبتمبر 2013 إن عدد القتلى من الشرطة منذ أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة بمنتصف أغسطس الماضي وحتى يومها بلغ 117 قتيلا، منهم 28 ضابطا فيما وصل عدد المصابين إلى 1063 مصابا.
أما تقرير هيومن رايتس ووتش فقد جاء متطابقا مع تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تقديره لعدد القتلى في فض اعتصام ميدان النهضة بجوار جامعة القاهرة بـ 87 شخصًا.
كما جاء أيضا قريبا من تقديرات المبادرة فيما يخص اعتصام رابعة، إذ قالت المنظمة الدولية إنها وثقت مقتل 817 شخصاً في فض رابعة وحده، وقالت "بالنظر إلى الأدلة القوية المتاحة على وجود وفيات إضافية ... فمن الأرجح أن ما يزيد على ألف شخص قد قتلوا في رابعة".
تعليقات الفيسبوك